تكنولوجيا «الواقع الإفتراضي-Virtual Reality»
————————————————————
بدأت حكاية تعرُفي على هذه التكنولوجيا عندما قابلت أحد المُسوقين لها، وعرض عليَّ تجربتها ثم بعدها طلب رأيي، أستطيع أن أؤكد لكم كمَّ المتعة التي رأيتها، وكأنني دخلت إلى عالم آخر مختلف، وسافرت إلى أماكن بعيدة وأنا ثابتٌ في مكاني، ولم أخرج منه إلا عندما نبهني هذا الرجل. هذه التكنولوجيا في رأيي وفي رأي أكبر مُحللي الأنظمة ستُعتبر من أوائل الصناعات التي سيُزاع سيطها بشدة في القريب العاجل، وستحتل مكانًا قويًا بين الصناعات الأكثر إستثمارًا في المستقبل، وهذا ما سنشرحه بالتفصيل في متن المقال، ولكن أولاً قبل أن نخوض في تلك التكنولوجيا باستفاضة، فلنبدأ أولاً بالتعرف عليها. إذن ما هي تكنولوجيا «الواقع الإفتراضي-Virtual Reality» ؟
[1] [2]تكنولوجيا الواقع الإفتراضي يمكن تعريفها على أنها تكنولوجيا واعدة تجعل المُستخدمين يشعرون بأنهم في بيئة إفتراضية بواسطة استخدام البرمجيات والأجهزة الحاسوبية. لقد صُممت على هيئة فضاء رقمي تخيُلي من الصور المتحركة، بحيث يمكن للبشر الولوج إليها عن طريق ارتداء أجهزة كمبيوتر خاصة، هذه الأجهزة تسمى (Headset) تُشبه النظارات لكن أكبر من الطبيعية لأن معظمها يتم ربطه بجهاز الهاتف الذكي وعندها تتمكن من تشغيلها، كما أن هذه التكنولوجيا تُمكن البشر من التعامل مع المعلومات بشكل أسهل، وتُوفر طُرق مختلفة لرؤية واختبار البيانات بطريقة فعالة وسريعة. على سبيل المثال في مجال ألعاب الكمبيوتر، فإن حركات أدوات التحكم التي يُمسك بها اللاعب يتم تحديد مساراتها وتحركاتها من قِبل الحاسوب طبقًا لتحركات هذا اللاعب، وبذلك يتم تحقيق الأهداف التي بُنيت من أجلها اللعبة والمراد تحقيقها من قِبل اللاعب. على نفس الجانب، يتم محاكاة وخلق عالم ثلاثي الأبعاد حول المستخدم بحيث يمكنه التفاعل مع الأشياء، البشر، والبيئة المحيطة به.
عمليًا، إن الصور الحيَّة التي يراها المستخدم في ذلك العالم ثلاثي الأبعاد-الواقع الإفتراضي- تكون مدعومة ومصاحَبة بمواد صوتية يتم عرضها للمستخدم طبقًا للمدخلات التي افتعلها مثل حركات الرأس أو الأعيُن، والكثير من تلك الأجهزة التي تتعامل مع أجهزة الكمبيوتر يتم استخدامها لخلق بيئة إفتراضية أقرب ما تكون للحقيقة بالنسبة للمستخدم.
لكي تُجرب هذه التكنولوجيا فإنه عليك ارتداء قفازات، سماعات، ونظارات خاصة، يحدث كل ذلك لكي يتم إرسال مدخلاتهم إلى نظام الحاسوب. البيئات الإفتراضية على وشك أن تحُل محل بيئة العالم الحقيقي بواسطة هذا العالم الرقمي، وحواس الإنسان ستكون مُرتبطة بشدة ومتكيفة جيدًا مع هذه التكنولوجيا.
الانغماس هو تجربة يفقد فيها الإنسان نفسه، وهذا ما يحدث بالضبط والذي يمكن وصفه عن طريق تكنولوجيا الواقع الإفتراضي، بجانب أنها توقف جميع الإشارات الصادرة من العالم المادي. البيئة الإفتراضية يمكن أن تُخلّق على نطاق إمتدادات مختلفة، معتمدةً على منصة كمبيوتر يعمل بنظام بدءًا من شاشة الهاتف الخليوي إلى جهاز سطح المكتب أو بيئة افتراضية بالكامل (Immersive Virtual Environment).
ويرجو الجميع من تلك التكنولوجيا أن يتم تطبيقها بشكل ذو نطاق أوسع، وأقرب إلى التنفيذ في وقتنا الحالي، وقد قام مَجمع البحوث الهندسية وعلوم الفيزياء في عام 2009 بنشر وتمويل إختراع قام عليه علماء من جامعتي (York) و((Warwick وهو عبارة عن جهاز يضعك في عالم إفتراضي هو أقرب ما يكون للحقيقة، ليجعلك ترى، تسمع، تشُم، تتذوق، وحتى تلمس ما تراه، وقد أُطُلق على هذا المشروع إسم (نحو واقع إفتراضي حقيقي-Towards Real Virtuality).
هذا يُعد أول جهاز تحت لواء هذه التكنولوجيا يمكنه محاكاة الحواس الخمس. ليجعلنا بذلك في مقدورنا طرح بعض الأسئلة التي لولاها لما جرئنا على طرحها مثل: ماذا كانت طبيعة الحياة في مصر القديمة؟ ماذا كانت الشوارع تبدو حينئذٍ، وماذا كانت طبيعة الأصوات والروائح في تلك الأنحاء العتيقة؟ لقد عقدت هذه التكنولوجيا أملا كبيرًا أننا قد يكون بإمكاننا في يومٍ من الأيام أن نزور كل تلك الأماكن والحِقب التاريخية كـ «سُيَّاح إفتراضيين».
وفي ذلك الصدد أيضًا، تطبيق هذه التكنولوجيا في المجال الطبي كان ضروريًا ومُساعدًا بشكلٍ كبير. ففي تجربة إفتراضية سيُسمح لك بالقيام بها ستجعلك تتقمص جسد رجل في سِن 74 عامًا إسمه ((Alfred، في محاولة للشعور بما يشعره هذا المُسِن، وتخيل بأنك جالس أمام طبيبك الشخصي. إنه يتحدث إليك لكنك لا تستطيع سماعه بوضوح، ترى هناك غمامة سوداء كبيرة مكان رأسه، كما أنك لا تتمكن من قراءة شفتيه، يبدو أنه يتحدث بكلام مهم ولذا فإنك تضغط على نفسك بقوة لكي تستطيع سماعه، لكنك ستصل إلى حالة إحباط عندما تبوء كل محاولاتك بالفشل.
«نحن نحاول أن نجرب رسم شخصيات مختلفة من حيث الحالات الطبية، والتغيرات الحسية التي يشعر بها المريض من منظورِه الخاص»
قالها (Carrie Shaw) طالب الماجيستير في مجال تصوير الطب الحيوي في جامعة (Illinois) بشيكاغو، ومُبتكر هذه الدراسة التي أسماها (نحن جميعًا ألفريد- .(We Are Alfredكان هذا المشروع هو مضمون بحثه وتركيزه هذا العام، وقد حاز المشروع على الجائزة الأولى في فئة الفنون، التصميم، العلوم الإجتماعية والإنسانية بين مشاريع طلبة الدراسات العليا الآخرين في منتدى البحوث (UIC)، كما حاز على منحة (Vesalius Trust).
الهدف الرئيسي من هذا الجهاز هو إعداد مُنتج يمكنه المساعدة في معالجة وراحة المرضى، والتفاعل والتواصل مع كِبار السن عن طريق الشعور بما يشعرون وتطبيق الاستشارة والعلاج الصحيح، وبمثابة إضافة جيدة لخبرات طلبة الطب الذين هم في بداية الطريق، وتقدير المرضى والمُسنين الذين يُتوقع ازدياد نسبتهم في المستقبل في الولايات المتحدة وفي العالم.
ضمن تطبيقات هذه التكنولوجيا أيضًا قامت جوجل مؤخرًا بإطلاق منصتها للواقع الإفتراضي، وأطلقوا عليه إسم (أحلام اليقظة- (Daydream للهواتف الذكية التي تعمل بنظام الأندرويد (Android N) وتُعد هذه التقنية مجموعة من التصميمات المرجعية وبعض التحسينات والتعديلات على نظام الأندرويد الحالي لخلق بيئة إفتراضية حية للمستخدمين.
وقد تم بالفعل مدّ حبال الإتصال بين شركة جوجل وبعض شركات الهواتف والمواقع الإلكترونية العالمية الهامة، لبدأ تسويق تطبيقات الواقع الإفتراضي وذلك بحلول الخريف القادم.
كما شهدت تطبيقات هذه التكنولوجيا وما زالت تشهد رواجًا كبيرًا في عالم ألعاب الفيديو، التطبيقات العسكرية، التعليم والتدريب، الفنون، علوم الآثار، التصميمات المعمارية، التأهيل الجسماني والنفسي، الحفلات والأحداث، صناعة الأفلام والإعلام والصور المُتحركة.
وفي مقال للكاتب الشهير (James Altucher) في مدونته على موقع ((Yahoo بعنوان «تكنولوجيا الواقع الإفتراضي هي فرصة مشروع تجارة التريليون دولار القادم».
وقد ألمح بأن المشروع الأول الذي اكتسب أول فرص تجارة التريليون دولار هو الإنترنت وما زال، ثم بعد ذلك كان متجر التطبيقات (app store) حيث تجارة تطبيقات الهواتف والألواح الذكية وما إلى ذلك، والآن تنمو فرص تجارة التريليون دولار القادمة في تكنولوجيا الواقع الإفتراضي، التي تُشبه في بزوغها بزوغ نجم الإنترنت في عام 1994. قريبًا على مستوى العالم سيتم إطلاق وحدات الذكاء الإصطناعي الخاصة بتلك التكنولوجيا، سيتم تطوير مكونات تلك الوحدات لخدمة أفضل، وقد تم بالفعل مُسبقًا تهيئة البِنية التحتية لهذه التكنولوجيا على مدار العشرين سنة المُنصرمة. وفيما يلي عن بعض الشركات العالمية التي تستعد لخوض غِمار تلك المنافسة الحامية:
شركة (فيس بوك-Facebook):
لقد أعلنت شركة فيس بوك بالفعل عن طرحها بعض الوحدات التي تدعم تلك التكنولوجيا في 28 مارس الماضي بسعر 600 دولار للوحدة الواحدة. ومن المُتوقع أن تتمكن فيس بوك من بيع من 4 إلى 5 مليون وحدة هذا العام. وفي إتجاه آخر، فإن الشركة تستهدف على الأقل 2 مليار دولار من المبيعات هذا العام، لكن في الواقع هذه التكنولوجيا لن تكون مُربحة بالشكل الكبير للشركة إلا في أوائل عام 2021.
شركة (جوجل-Google):
ستخوض شركة جوجل هذه المنافسة بوحدات من تصميمها إطلقت عليها (Google Cardboard) والتي هي وحدة بسيطة تتصل بالهواتف الذكية وتكلف الواحدة حوالي 20 دولار، وقد تم تحميل التطبيق الذي يعمل على تلك التكنولوجيا (أحلام اليقظة- (Daydream حوالي 15 مليون مرة.
شركة (سوني-Sony):
حاليًا تعمل شركة سوني على وحدات لأجل إستخدامها في لعبتها الشهيرة (PlayStation)، وهي الآن في طريقها لبيع 120 مليون جهاز (PlayStation 4s)، ويُعتقد بأنها ستبيع 1.4 مليون وحدة headsets)) في عام 2016.
شركة (أبل-Apple):
لقد إستحوذت شركة أبل على شركة البرمجيات ((Metaio الربيع الماضي مقابل 32 مليون دولار، والتي تحمل العديد من براءات الإختراع في تلك التكنولوجيا، كما انها اشترت مؤخرًا شركة Prime Sense)) مقابل 345 مليون دولار، التي من المعروف أن مهندسي هذه الشركة هم الذين صمموا أول أجهزة إستشعار للحركة لأجهزة (Xbox Kinect) مايكروسوفت.
شركة (مايكروسوفت- :(Microsoft
شركة مايكروسوفت تسير على نفس طريق شركة جوجل، مع جهاز الواقع الإفتراضي خاصتها ((HoloLens، والذي يبث الصور ثلاثية الأبعاد عالية الوضوح (holograms) في مجال الرؤية. ينصب تركيز هذه الأجهزة على استحداث طُرق جديدة للتدريس، الإبداع والتعاون. أجهزة(HoloLens) سوف تصبح متاحة للمطورين في الولايات المتحدة وكندا في الربع الأول من عام 2016.
في النهاية نستطيع أن نُقول بأن الواقع الإفتراضي هو خلق بيئة إفتراضية يتم عرضها على حواسنا كطريقة لإختبارها والشعور عن طريقها كما لو كنا حقًا هناك باستخدام مجموعة من التقنيات لتحقيق هذا الهدف. يتم استخدامها على نطاق ترفيهي وأيضًا في معظم التطبيقات المهمة. التكنولوجيا أصبحت الآن أرخص وتوسع نطاقها بشدة، يمكننا أن نتوقع أن نرى العديد من الاستخدامات أكثر ابتكارًا للتكنولوجيا في المستقبل، وربما تكون تكنولوجيا الواقع الإفتراضي هي الوسيلة الأساسية التي نتواصل من خلالها في المستقبل.
المصادر:
إعداد: Mohamed Elgendy
مراجعة لغوية: Ghada Fathy