المقدمة
اعلم أيها القارئ -وكما سيتضح لك فيما بعد- أن المادة المظلمة (Dark Matter) هي نظرية وضعها علماء الفيزياء لتفسير آثار الجاذبية التي تؤثر على النجوم والكواكب والتي لا يوجد لها تفسير علمي حتى الآن، ونظرية المادة المظلمة ما هي إلا واحدة من نظريات عديدة طرحها العلماء لتفسير هذه الجاذبية ولم يتأكدوا بعد من وجود هذه المادة من عدمه ولكنها أكثر النظريات المطروحة قبولًا ورواجًا وتبعًا لهذه النظرية فإن المادة المظلمة (Dark Matter) تمثل نحو 23% من بنية الكون أو ما يقل قليلًا، وتختلف هذه المادة -أعني المادة المظلمة- عن جميع المواد المعروفة لدينا-الصلبة والسائلة والغازية والبلازمية- والأكثر من ذلك أنها لا تتكون من أي مكون تتكون منه هذه المواد الأربع.
النشأة
نشأت نظرية المادة المظلمة عند البحث عن تفسير علمي لجاذبية الكون، فدَأَبَ العلماء على إيجاد هذا التفسير بشتى الطرق ووضعوا العديد من النظريات في سبيل ذلك ولكن أهم نظريتين لتفسير جاذبية الكون هما:
- نظرية المادة المظلمة (Dark Matter) وهي محل بحثنا هذا.
- نظرية (MOND) و(MOND) هي اختصار لكلمة ( MOdified Newtonian Dynamics) والتي تعني تعديل قوانين الجاذبية لنيوتن.
ولكي نفهم نظرية المادة المظلمة وكيف توصل لهما العلماء فلنبدأ من العام 1800م بعد اكتشاف كوكب أورانوس بقليل، وكانت حينها لقوانين نيوتن للحركة الهيمنة على علم الفيزياء فكان من الممكن تطبيق هذه القوانين على كل شيء تقريبًا ولم تكن تخطئ أبدًا وكانت قوانين يوهانس كيبلر (Johannes Kepler) هي حالة خاصة من قوانين نيوتن للحركة وكانت القوانين الثلاث الأساسية لكيبلر هي:
- تدور الكواكب حول الشمس على هيئة قطعٍ ناقص وتحتل الشمس إحدى بؤرتي هذا القطع الناقص.
- الخط الواصل بين أحد الكواكب والشمس يقطع مساحات متساوية في أزمنة متساوية.
- يتناسب مربع زمن دورة الكوكب حول الشمس طرديًا مع مكعب نصف طول المحور الرئيسي لمداره.
وامتثل العلماء لهذه القوانين لمئات الأعوام حتى تم اكتشاف كوكب أورانوس والبدء في رصد حركته. فخلال أول 45 عام من اكتشاف أورانوس لم يظهر أي خطأ في تطبيق قوانين كيبلر على حركة أورانوس ولكن بعد هذه الأعوام بدأ الكوكب في التباطؤ والدوران بسرعة أقل من المتوقعة، وتباطئ أورانوس أكثر حتى وصلت سرعته لسرعة أقل من المتوقعة بكثير وحينها بدأ العلماء بالتفكير في سبب منطقي لتفسير هذا التباطؤ، وتسائل العلماء لأول مرة هل قوانين كيبلر مخطئة؟
فكان الجواب حينها أنه ربما تكون فعلًا مخطئة وربما تكون صحيحة ولكن هناك شيء ما خفي لا نعلمه، ربما هناك قوة خفية تسحبه وربما بسبب التكوين الداخلي لأورانوس.
وبعد تحليل كبير ودراسة مستميتة لإيجاد تفسير منطقي لسلوك كوكب أورانوس من أوربان لوفيريي (Urbain Jean Joseph Le Verrier) وجون آدمز (John Couch Adams) وكان كلًا منهما لا يعلم بعمل الآخر على نفس المعضلة، وبمنأى عن بعضهما البعض فقد تنبأ كلًا منهما بتوقع وجود كوكب آخر بعد أورانوس يؤثر على دورانه وكان هذا الكوكب هو نبتون وهو أول كوكب يتم تحديد مكانه حسابيًا ثم تم رصده بناءً على هذه الحسابات.
إذن ربما يتسائل أحدكم عن ماهية علاقة المادة المظلمة بكل هذا؟
كان كوكب نبتون بالفعل مؤثرًا على مسار كوكب أورانوس ولكنه لم يكن السبب الأساسي الذي يجعل حركة أورانوس تختلف هذه الاختلاف الكبير، فكان تأثير نبتون ضئيلًا مقارنةً بما يؤثر فعلًا على حركة أورانوس.
وبالمثل كان كوكب عطارد فبينما كان المتوقع من عطارد أن يتحرك على هيئة قطع ناقص مثالي إلا أن مساره كان مشوهًا -من وجهة نظرنا القاصرة- يختلف عاماً بعد عام فبدأ العلماء بالبحث في الاحتمالات التي تؤدي إلى هذا السلوك الغريب – من وجهة نظرنا القاصرة- لكلٍ من عطارد وأورانوس.
تتوقع مني الآن أن أقول لك أن العلماء فكروا في المادة المظلمة؟ لا ليس بعد.
ففي سبعينيات القرن الماضي وبعد عدة ملاحظات فلكية رائدة من فيرا روبن (Vera Rubin) وعند النظر إلى المجرات وتحديداً إلى أطرافها بهدف قياس سرعتها وذلك بتطبيق قوانين كيبلر للحركة المدارية ( Kepler’s Laws of Orbital Motion) والتي تنص على أنك كلما ابتعدت عن مركز الجاذبية كلما قلت سرعتك المدارية، فكانت الملاحظة بأن النجوم التي بأطراف المجرة القريبة منا تتحرك نحونا (blueshifted) بينما النجوم التي بالطرف الآخر تتحرك بعيدًا (redshifted) -مما يعني اتساع الكون-، كانت هنالك وملاحظة أخرى فقد كانت النجوم التي بأطراف المجرة تتحرك تقريباً بنفس السرعة التي تتحرك بها الكواكب بالقرب من مركز المجرة وكانت هذه المعضلة معروفة باسم “galaxy rotation problem” وقامت فيرا بعمل تمثيل بيان لسرعة النجوم بالنسبة لموقعها في المجرة كما يتضح أدناه في ما يسمى بـ “flat rotation curve”
وكان هنالك تساؤل آخر بخصوص تجمعات المجرات. فالمجرات تتواجد في تجمعات تحوي مئات الآلاف منها، فكان العلماء يحاولون إيجاد سببٍ يجعل المجرات تجتمع في تلك المجموعات. ما هو الصمغ الذي يثبتها في مكانها بهذا الشكل؟ وكانت هذه الأسباب هي الأسباب الرئيسية في ظهور فكرة المادة المظلمة وبشكل قوى على الساحة العلمية.
افترض العلماء حينها أنه وكما يوجد بنية أساسية للمواد التي نعرفها كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات فإن هناك مادة جديدة تسمى المادة المظلمة وهذه المادة لا تتفاعل مع الضوء.
أما بخصوص النظرية الأخرى وهي نظرية (MOND) فإن العالم (Moti Milgrom) قد لاحظ بأننا إذا قمنا بتغيير قوانين نيوتن بمقدار تسارع بسيط جداً كنانومتر/ مربع الثانية، فإن قوانين نيوتن هذه تعمل وبشكل تام، وللعجب فإن هذا الثابت الذي أضافه مُوتي جعل من الممكن تطبيق قوانين نيوتن على حركة المجرات – كل المجرات-.
وبالإجمال فإن نظرية المادة المظلمة ظهرت لتفسير حركة المجرات التي رصدتها فيرا روبن (Vera Rubin) وكذلك لتفسير الشذوذ -كما كان يعتقد العلماء حينها- في حركة كوكبي عطارد وأورانوس غير أن نظرية (MOND) تفسر هذه المعضلات بشكل أدق.
ولكن عند النظر إلى عدة أمور أخرى في الكون نجد أن نظرية (MOND) قد فشلت فشلًا ذريعاً وعلى سبيل المثال لا الحصر انحناء ضوء النجوم بفعل الجاذبية ( gravitational bending of starlight)، مشكلة الانزياح الاحمر بفعل الجاذبية (gravitational redshift) ومعضلات أُخر، وعلى الرغم من فشل هذه النظرية فشلًا ذريعًا إلا أن بعض الفيزيائيين لا زالوا متمسكين بها ويعملون على تعديها وعلى سبيل المثال توجد نظرية TeVeS وهي اختصار لكلمة(Tensor-Vector-Scalar gravity) وأيضًا MoG وهي اختصار لكلمة ( (Modified Gravity.
ومما سبق ندرك أن المادة المظلمة ليست شيئًا مجزومًا بصحته إذ أنها فرضية لا زالت في طور التحقيق غير أن العديد من الحسابات النظرية تدعم هذه النظرية وبقوة لا يستهان بها لدرجة أن بعض الناس اعتقدوها ثابت علمي مؤكد ومبرهن -وكنت أحدهم-.
ترجمة: Ossama Hilal
Could Dark Matter Not Exist At All? by Ethan Siegel
http://sc.egyres.com/N3Kal