استطاع باحثون في جامعة ولاية أوهايو (The Ohio State University) تحديد منطقة الدماغ المسؤولة عن التعرُّف على تعبيرات الوجه البشري، والتي تقع في الجانب الأيمن من الدماغ خلف الأذن، في منطقة تسمى «التلم الخلفي العلوي الصدغي»(pSTS)، التلم هو شق يقع بين تلفيفين من تلافيف الدماغ.
أفاد الباحثون في ورقة علمية نُشِرَت في مجلة علم الأعصاب (Neuroscience)، أنَّهم استخدموا التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)؛ للتعرف على هذا التلم باعتباره جزء الدماغ الذي ينشط عندما ينظر الخاضعين للدراسة إلى صور تعرض تعبيرات مختلفة لوجه الإنسان.
علاوة على ذلك، فقد اكتشف الباحثون أنَّ الأنماط العصبية في هذا التلم متخصصة للتعرف على حركة أجزاء معينة من الوجه؛ فمثلًا أحد الأنماط يقوم بالتعرف على تجعد الجبين، ونمط آخر يتعرف على انفراج الشفاه تعبيرًا عن الابتسام، وهكذا.
يُشير هذا إلى أنَّ أدمغتنا تفك شفرة تعابير الوجه عن طريق جمع مجموعات من حركات العضلات الرئيسية في وجه الشخص الذي ننظر إليه.
يستخدم البشرعددًا كبيرًا جدًا من تعابير الوجه للإفصاح عن المشاعر، وغيرها من إشارات الاتصال غير اللفظي، فضلًا عن اللغة الملفوظة؛ ورغم كثرة هذه التعبيراتإلَّا أنَّنا عندما نرى تغيُّر تعبيرات وجه الشخص ندرك على الفور هذا التغيُّر، ويبدو الأمر وكأنَّنا نقوم بهذا بطريقة عفوية، وكأنَّنا لا نعي هذا الإدراك.
من الناحية الحاسوبية، يُمكن اعتبار تعبيرات وجه الإنسان بمثابةرموز للمعلومات التي تستقبلها الدماغ، ولقد تساءلنا طويلًا،كيف يقدر الدماغ على فك هذه الرموز بهذه الكفاءة؟
- للإجابة على هذا السؤال أنشأ الفريق البحثي خوارزمية تعلم الآلة، التي تستخدم النشاط الدماغي الحادث عند رؤية تعابير الوجه لتحديد أي من هذهالتعبيرات هي التي تستند فقط على إشارة الرنين المغناطيسي الوظيفي.أنشأ الباحثون هذه الخوارزمية باستخدام بيانات الرنين المغناطيسي الوظيفي ل(10) طلاب جامعيين؛ حيث وُضِعوا في جهاز الرنين المغناطيسي، وعُرِض عليهم أكثر من ألف صورة لأشخاص يُظهِرون عددًا من تعابير الوجه، تُعبِر هذه التعبيرات عن سبع تصنيفات مختلفة للمشاعر: اشمئزاز، سعادة مفاجئة، اشمئزاز مع سعادة، غضب مفاجئ، خوف مفاجئ، خوف مع حزن، واشمئزاز مع خوف.
رغم أنَّ بعض هذه التعبيرات كانت إيجابية والبعض الآخر كان سلبيًا؛ إلَّا أنَّه كان هناك بعض القواسم المشتركة بين هذه التعبيرات؛ فمثلًا: سعادة مفاجئة، وغضب مفاجئ، وخوف مفاجئ، هذه التعبيرات الثلاثة تشمل رفع الحاجبين.
ما يقوم به التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي هو الكشف عن زيادة تدفق الدم في الدماغ؛ وبهذا كان فريق البحث قادرًا على الحصول على صور الجزء الدماغي الذي يَنشُط حينما يتعرف الطلاب على التعبيرات المختلفة.ما حدث هو أنَّ جميع الطلاب أظهروا زيادة في النشاط الدماغي في نفس المنطقة، والتي هي التلم الصدغي العلوي الخلفي (pSTS) بِصرف النظر عن أيٍ من التعبيرات التي عُرِضت عليهم.
هذا تطور كبير في مفاهيمنا؛ لأنَّه يشير إلى التشابه الكبير جدًا في ما ترمز إليه تعابير الوجه في دماغ معظم البشر.
نجحت الخوارزمية في فك تعابير وجه الإنسان بنسبة تقدر ب60 في المئة، بغض النظر عن تعبيرات الوجه وبغض النظر عن الشخص الناظر إليه.
وباستخدام الحاسوب قامت المجموعة البحثية بالإحالة المرجعية لصور الرنين المغناطيسي الوظيفي مع مختلف حركات عضلات الوجه التي تظهر في صور الاختبار؛ وبهذا كانوا قادرين على إنشاء خريطة لمناطق هذا الشق التي يتم تفعيلها بالنسبة لمختلف المجموعات العضلية للوجه، مثل عضلات الحاجبين أو الشفتين.
أولًاأنشأوا خرائط باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتسعة من المشاركين، ثم زودوا الخوارزمية بصور الرنين المغناطيسي الوظيفي للطالب العاشر، وتركوا لها أن تحدد التعبيرات التي كان ينظر إليها الطالب، ثم كرروا التجربة، وبهذا أنشؤواخريطة لهذه الصور من الصفر باستخدام بيانات التسعة الآخرين من الطلاب؛ ولكن باستخدام طالب عاشر مختلف هذه المرة.
في حوالي 60 في المئة من الوقت، كانت الخوارزمية قادرة على تحديد تعبيرات الوجه التي ينظر إليها الطالب العاشر بدقة عالية، استنادًا فقط على صورة الرنين المغناطيسي الوظيفي لذلك الشخص.
لا تخبرنا هذه الدراسة شيئًا عن الناس الذين يُظهرون وظائف عصبية غير نمطية؛ ولكن يمكن أن تعطي الباحثين رؤى جديدة لهذه الحالات.
تبدو هذه الدراسة واعدة في إمكانية تطبيقها في مجالات عدَّة؛ فكما أنَّها تساعدنا على فهم الكيفية التي يعالج بها الدماغ تعابير الوجه، ففي نهاية المطاف يمكننا أيضًا التعرُّف على الاختلافات في هذه الكيفية لدى الأشخاص الذين لديهم اضطرابات عقلية؛ كالأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد على سبيل المثال.
دعا أليكس مارتينيز (Aleix Martinez) أستاذ العلوم المعرفية وأستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الكمبيوتر في ولاية أوهايو نتائج الدراسة (بالإيجابية جدًا)، وقال أنَّها تشير إلى أن الخوارزمية المستخدمة تخطو خطوات واسعة نحو فهم ما يحدث في تلك المنطقة من الدماغ.
ترجمة: Hanan Gamal
مراجعة لُغويَّة: أمنية أحمد عبد العليم
تصميم:Wael Yassir
المصدر: http://sc.egyres.com/Gt7mM