متلازمة البطة
في عالمٍ مليء بالاختلافات والتضارب، أراهن أن هناك شيء واحد على الأقل يتفق عليه الجميع -بغض النظر عن الثقافة أو الفئة أو الجنس- وهو أن المدرسة أمر مُجهِد.
أنا على ثقة أن هناك بعض الحاجة إلى توضيح ماهية هذا الضغط بالضبط، بافتراض أن كل القُرّاء هنا لديهم تجارُب أوليّة، دعونا نسخر مني على أية حال، بافتراض أنني شخص نرجسي وأحب أن أتكلَّم عن نفسي- ولكن في الواقع أنا سأقوم بالخروج عن طريقي بسخاء لكي أعرض عليكم بعض الأمثلة، ربما ستشكرونني لاحقًا- اليكم نبذة سريعة عن تجربتي في المدرسة الثانوية:
مذاكرة واختبارات، أنشطة خارج المناهج واختبارات، واجبات منزلية ومقالات واختبارات؛ لقد كنت واحدًا من هؤلاء الأطفال المزعجين الذين ينهون واجباتهم المنزلية دائمًا، واعتقدت أن أي شيء أقل من علامة ممتاز هو فشل مأساوي، وعندما حان الوقت لاستمارات القبول الجامعية، عانيتُ من علامات توتُّر غير صحية، كما فقدتُ شعري وشهيتي وأيضًا ذاتي!
عندما وصلتُ أخيرًا إلى الجامعة لم تتحسَّن الأمور بشكل كبير، وخاصةً أنني انتقلتُ من بلد يتم في أحيان كثيرة استبعادها من الخرائط، نيوزيلاندا، إلى أُخرى هي مركز الاهتمام بشكل دائِم، والتي تُعرَف باسم الولايات المُتحدة. لقد اعتدتُ دائِمًا على أن أكون سمكة كبيرة في بركة ماء، ولكن بذهابي إلى الجامعة كنتُ محاطًا
بأشخاص من ولايات وثقافات مختلفة بكفاءات مُحطِّمة للثقة.
قبل أن أستطيع الاستمرار في النحيب بشأن مقدار الضغط الواقع عليّ عندما كنتُ، وما زلت، في الجامعة، سوف آخذ المجاز الذي ذكرته سابقًا «بركة الماء»إلى منظور أبعد لأخبرك بوضوح أنني لم أكُن مجرَّد مُراهق قلِق مُبتلى بالحاجة إلى الإنجازات الضخمة، أو سمكة كبيرة أدركت أنها ليست بهذا الكِبَرعلى أي حال. من خلال كل تلك الأشياء التي ذكرتها في الأعلى، فبالاقتباس عن مُصطلح تم استخدامه في جامعة ستانفورد؛ أنا «بطة»!
دعني أقوم بتكرار هذا لك؛ أنا بطة!أو بشكل أكثر دقة، لقد ميَّزتُ في نفسي أنني أعاني من شىء يُدعى «متلازمة البطة».
لكي أشرح هذا تخيَّل معي صورة لبطة تنزلق عبر بحيرة مائية، وأنت تُحدِّق في تلك التموجات الصغيرة التي تحدثها حركة البطة في الماء بلا أي جُهد أثناء عبورها للبحيرة، وفي انحناءة عُنقها الرشيقة سيغمرك سلام تام من هذا المشهد،ما لا تعرفه أن تحت سطح الماء؛ البطة تُجدِّف بشكل محموم!
هذه هي مُتلازمة البطة التي يعاني منها العديد من الطلاب سواء في المدرسة الثانوية أو في الجامعة، ليس من الكافي فقط أن ننجح، ولكن علينا أن ننجح بمجهود يبدو بشكل ظاهري أنه قليل.
في الجامعة انهرتُ باكيًا أثناء مكالمات فيديو مع المنزل، ولكني حتى لم أعتبر السعي نحو مُساعدة نشطة خيارًا كما كان بعض أصدقائي يتمتعون بشجاعة كافية ليفعلوه.
في بعض تلك الأوقات التي كنت فيها مُحاطًا بالشك في النفس بخصوص مهمة أو درس محدد، لم أقُم أبدًا باستخدام المصادر المتوفِّرة لإيجاد بعض الإرشادات! لماذا؟ لأنني كنت تحت تأثير انطباع مُعيَّن، وهو أنني لو كنتُ ذكيًا كفاية لكنتُ قادرًا على اكتشاف الأشياء بنفسي! إذن كنتَ قد كذبتَ يومًا بشأن مقدار مذاكرتك لامتحان ما بإخبار الجميع: «أنا بالفعل لم أذاكر كثيرًا»، فإنك تفهم ما أعنيه،أنتَ لا تريد أن تبدو شخصًا مجتهدًا بشدة، تريد أن تبدو موهوبًا.
مثل هذا التجديف المحموم والذي يكون مخفيًا طبقًا لطبيعته، هو أمر مُرهِق، في مقالة حديثة ل «نيويورك تايمز» بعنوان: «الانتحار في الحرم الجامعي وضغط الكمال»، تم تسليط الضوء على الرغبة الخطيرة في أن يكون الشخص بطة مثالية، انتحار الطلبة أصبح مُشكلة متكررة بشكل كبير، وقد شعرتُ بآثاره شخصيًا في الحرم الجامعي الخاص بي، باختصار كما ذُكِر في المقال، فقد شهدت جامعة نيويورك خمسة وفيات في العام الدراسي 2003/2004 فقط، الأمر الذي أدّى إلى فيلم وثائقي بعنوان انتحارات جامعة نيويورك«The NYU Suicides». مشيتُ عبر مكتبة «إلمر هولمز بوبست-Elmer Holmes Bobst» الهائِلة مُحدِّقًا في
الألواح المعدنية العملاقة التي تم تركيبها منذ وقت ليس ببعيد، والتي تَحُّد الأروقة؛ لأن ثلاثة من الطلاب اختاروا أن يقفزوا من الممرات، لقد سمعتُ بعض الهمسات عن شخص ما يقفز من مهجع في مبنى قريب مني، هذه فقط خبرتي أنا، ولكن جامعة نيويورك ليست المدرسة الوحيدة التي تواجه مثل هذه المشاكل.
إذنما هو السبب وراء متلازمة البطة والتي يتم الآن لومها على تلك الوفيات؟ متلازمة البطة هي بشكل أساسي ما ندعوه نحن بالمثالية أو الكمال، طِبقًا لبحث أجراه «هيويت-Hewitt» و«فليت-Flett»، فإن المثالية تكون غالبًا مصحوبة بالاكتئاب.
هناك قصة طريفة يرويها هيويت توضِّح بشكل مثالي ما نعنيه نحن الآن بمتلازمة البطة، يقول: «أحد مرضاه المصابين بالاكتئاب وكان طالبًا جامعيًا، بدا أنه أكثر اكتئابًا بعد أن أحرز علامة ممتاز في أحد دوراته التعليمية؛ لأنه يزعم أنه لو كان مثاليًا فعلاً، لما احتاج إلى أن يُذاكر بهذا القدر لكي يحرز العلامة المطلوبة!» من المنطقي أن نتفهَّم الإحباط الذي يتبع هذه المثالية، لأنه في النهاية نحن مجرَّد بشر، نحن لا نستطيع أن نكون مثاليين، ليس في كل مجال من مجالات حياتنا، ولسوء الحظ فإن ضغط أن تكون مثاليًا لا يقتصر فقط على المجال الأكاديمي، وإنما يمتد ليشمل المظهر والهوايات، والحياة الاجتماعيةوالأنشطة الخارجية، وحتى اختيار طريقتك للاسترخاء!
الأسوأ أن مقالة نيويورك تايمز تستمر فتقول أن الاستخدام المُتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي يُحتمَل أنه أحد الأسباب وراء شعورنا بالضغط فيما يتعلَّق بالتفوُّق على بعضنا، طبقًا لدراسة أجرتها «جامعة هوستن-University of Houston»، فكلما زاد استخدام شخص ما لموقع «فيسبوك» يزيد معه ظهور أعراض اكتئابية! ولأن وجود الارتباط لا يمكن أن يعني السببية، فإنه يكون من الصعب ألا تقارن نفسك بالآخرين عندما ترى صورًا ومنشورات للجميع تعبِّر عن سعادتهم ونجاحهم. الشيء الوحيد الذي يمكنني طرحه هو أن تضع في اعتبارك أن الناس لا ينشرون إلا ما يبدو جيدًا.
في المدارس هناك محيط به أقران مُتشابهون من الناحية العقلية والمُقارنة والمُنافسة، وأخيرًا فإن المثالية يكون من الصعب تجنُّبها. نظرية «فيستينجر- Festinger» عن المقارنة الاجتماعية «social comparison»تطرَح أنه من الأسهل مقارنة أنفسنا بأهداف تمتلك نفس الصفات، وعندما تصبح في مواجهة آلاف منهم في الحرم الجامعي، فإن المقارنة ليست فقط سهلة ولكنها محتومة. الحقيقة أنني لا أستطيع إخبارك كيف تتعافى من متلازمة البطة، فأنا أيضًا ما زلت أعاني منها، ولكن إذا كان هناك شيء واحد أستطيع فعله كبطة، هو أن أستمر في «الوقوقة».
إلى رِفاقي البط، استمعوا إلى وقوقاتي:«تحت الماء، جميعنا نُجدِّف». لا بأس أن نعمل بجهد كبير لنبقى طافيين على السطح، ولكن إياكأن تُصاب باليأس عندما تجد أنك لا تستطيع الاستمرار في وهم البطة المنزلقة؛ أنت إنسان.
المصدر (المقال الأصلي):
goo.gl/I5VYpR
ترجمة وتصميم: يُمنى أكرم
مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh