الكيمياء المستدامة: تهيئة ثاني أكسيد الكربون للعمل

رغم توافر (ثاني أكسيد الكربون) بكثرة، إلا أنه من الصعب استخدامه بفاعلية. مجرد تفاعل بسيط قد يسمح ل (ثاني أكسيد الكربون) أن يُستخدم لتحضير منتجات تجارية أكثر استدامة مقارنة بالعمليات الموجودة حاليًا

مصطلحات الموضوع : الكيمياء الخضراء

لأن المواد الخام تنفد ؛ هناك الكثير من الأسباب لنفكر ب(ثاني أكسيد الكربون) كبديل ؛ فهو متاح في كل مكان ، ورخيص الثمن، كما أنه غير قابل للاشتعال، وأقل سمية من معظم المواد الكيميائية المستخدمة على نطاق واسع في العمليات الصناعية. لكنه خامل نسبيًا؛ مما يجعل تنشيطه؛حتى نتمكن من تحويله للمركبات المرغوبة من الصعوبة بما كان.
ومع ذلك، فلقد طوّرت العديد من النباتات في الطبيعة بما يشبه (آليه جزيئية- molecular machinery) لكي تتغلب على الاستقرار المتأصل في جزئ (ثاني أكسيد الكربون)؛ فيسهل استخدامه في تحضير (كتل بنائية جزيئية-biological building blocks) كـ(السكريات-sugars) ومواد (عديدة التسكر-polysaccharides).

مستوحين الفكرة من عمليات (تكون رابطة كيميائية بين ذرتي الكربونcarbon–carbon bond-formation)، والتي تتم في النباتات، فلقد قام (بانيرجي-Banerjee) وزملاؤه بالتعرف على طريقة صناعية جديدة، والتي لا تقوم فقط باستخدام ثاني أكسيد الكربون لتحضير مركبات مفيدة، بل أيضًا تشمل ظروف تحضير سلسة. وهذه الطريقة الجديدة ليست فقط بسيطة، ولكنها أيضًا أكثر استدامة، وأرخص من تلك التي صممت لتحل محلها، كما أنها أيضًا تنطبق على مجموعة متنوعة من المنتجات.

ولقد تم استخدام (ثاني أكسيد الكربون) كمادة خام في الصناعات الكيميائية قديمًا- وإن لم يكن بدرجة كبيرة-؛ لصناعة (اليوريا- Urea)، والتي تستخدم بدورها كسماد بالإضافة لكونها وحدة بنائية للصناعات الكيميائية، والكربونات الحلقية، التي تستخدم كمذيب. ولقد تم تسويق هذه العمليات ليس بسبب أنها أكثر استدامة من الطرق الأخرى ،بل لأن الكيمياء المتاحة لعمل هذه المنتجات القيمة أوفر اقتصاديًا. والعلماء قد اهتموا بشرح دور ثاني أكسيد الكربون كمادة خام لسنوات عدة، ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، سواء أكانت المركبات الناتجة من ثاني أكسيد الكربون ليست مفيدة بشكل كافي لتبرير الإنتاج الصناعي، أو أن العمليات الداخلة في إنتاج (ثاني أكسيد الكربون) تستهلك الطاقة بصورة كثيفة أو غير فعالة لتبرير مزيد من التطوير.

العمليات التي تم اعتمادها بنجاح لصناعة منتجات تجارية من ثاني أكسيد الكربون قد سُبِقت بفتوحات علمية في مجالي الكيمياء، والتحفيز؛ فعلى سبيل المثال: ذلك العمل الرائد في تصميم عامل حفّاز يسمح لجزئ (ثاني أكسيد الكربون) بأن يتبلمر مع مركب آخر كأكسيد (البروبلين-propylene oxide) لخلق ما يعرف بالـ (polycarbonate polyols)، والتي تلعب بدورها دورًا هامًا كوحدات بنائية (للبولي يوريثان – polyurethanes) كما أنها بحد ذاتها -يقصد الـ(polycarbonate polyols)- تعد منتجات قابلة للبيع. وهذا العمل بدوره تم توسعته، وتسويقه بواسطة شركة (نوفومير (Novomer- شركة تكنولوجيا الكيمياء في (إيثاكا-Ithaca) بنيويورك كما أن شركة الكيمياء الدولية (باير -Bayer) قد اتبعت بدورها هذا الدور لثاني أكسيد الكربون باستخدام المحفز الخاص بهم. (بانيرجي- Banerjee) وزملاؤه قاموا الآن بإقرار كيمياء جديدة لصنع وحدات بنائية جزيئية جديدة من ثاني أكسيد الكربون.

المؤلفون استخدموا (كربونات السيزيوم -Caesium carbonate) وهو: ملح بسيط لتنشيط المواد العضوية التي يمكن مفاعلتها فيما بعد مع جزئ (ثاني أكسيد الكربون). وقد كان اكتشافهم الأعظم أن ثاني أكسيد الكربون يمكن مفاعلته مع (كربوكسيلات الفيوران-(FC) 2-furan carboxylate) لتكوين حمض ثنائي (كربوكسيلات الفيوران- (furan-2,5-dicarboxylic acid (FDCA). ومن الملحوظ أن الـ FC يستخرج بسهولة من الكتل الحيوية، والنفايات مثل: حطب الذرة، ونشارة الخشب. وعلاوة على ذلك فإن الـFDCA هو أحد المونمرات المستخدمة لبناء
(البولي إيثلين ثنائي كربوكسيلات الفيوران (polyethylene furandicarboxylate – PEF) وهو (بولستير- polyester) ذو أصل نباتي، والذي تم تسويقه لينافس البلاستيك الأكثر استخدامًا
(البولي إيثلين تيرفثالات- (polyethylene terephthalate (PET) والذي يتم استخلاصه من البتروكيماويات.
يوضح الشكل طرق تصنيع البولي (إيثيلين ثنائي كربوكسيلات الفيوران (PEF) :
a تم تسويق البوليمر (PEF) كبديل مستدام للبولي
(إيثيلين تيرفثلات- polyethylene terephthalate) وهو: البلاستيك الأكثر استخدامًا، ويتم تحضير الـ(PEF) في الطرق التقليدية من خلال تحويل الفركتوز
المستخلص من النباتات وعن طريق عملية تشمل أربع خطوات إلى حمض (ثنائي كروبكسيلات الفيوران- FDCA) والذي يمكن مفاعلته فيما بعد مع (الإيثيلين جليكول- ethylene glycol) لنحصل في النهاية على (PEF) .
b (بانيرجي- (Banerjee وآخرون أخبرونا بأن الـ(FDCA) يمكن تحضيره أيضًا من خلال مفاعلة (كربوكسيلات الفيوران-FC) مع (ثاني أكسيد الكربون) في وجود (كربونات السيزيوم). وهذا التفاعل بدوره يشكل جزء من طريقة أخرى لتصنيع الـ(PEF) ، والتي تعد أكثر استدامة من الطريقة المنصوص عليها في (a) وفي هذه الطريقة الجديدة فإن كتل النفايات الحيوية يتم تحويلها في البداية إلى (فيورفيورال- (furfural والذي يمكن أكسدته فيما بعد للحصول على الFC .

ولقد بيّن لنا (بانيرجي) ورفاقه كيف أن (كربونات السيزيوم) يمكن إعادة تدويرها ، فيما يفصل الناتج بسهولة من خليط التفاعل. كل هذه الخصائص بدورها ستساعد في تكبير حجم التفاعل حيث أن إنتاج الـ(PEF) يسفر عن انبعاثات كربونية أقل منه في حالة إنتاج الـ(PET) ، ولكن طريقة المؤلفين الجديدة للوصول إلى (FDCA) تقلل من بصمة (الكربون-Carbon footprint) الكلية أكثر من ذلك؛ فبمجرد تكبير حجم التفاعل نجد أن الطريقة الجديدة ربما تكون أقل هدرًا؛ حيث تحتاج مواد خام أقل، وطاقة أقل من الطرق التقليدية لتصنيع الـ(FDCA) والتي تستخدم (الفركتوز) كمادة بادئة.

عمليات التصنيع التي تضم ثاني أكسيد الكربون كمادة خام يمكن اعتبارها أكثر استدامة من العمليات الموجودة حاليًا فقط في حال ما إذا كانت الكيمياء المستخدمة تقلل من التأثيرات البيئية على مدى دورة الحياة الكاملة لهذه العمليات. وتعد بصمة الكربون إحدى مؤشرات عديدة تستخدم لقياس التأثير البيئي للمنتج. ثمة اعتبارات أخرى تشمل فاعلية زيادة الحامضية ( الأمطار الحمضية) أو تحفيز الأكسدة الكيميائية الضوئية ( الضباب ). وعلى الرغم من أن طريقة (بانيرجي) وزملاؤه تبدو أقل هدرًا من طريقة (الفركتوز) للوصول إلى الـ (FDCA)، إلا أنه ثمة حاجة لعقد مقارنة بين الطريقتين من جهة تأثيراتهم على مدى دورة حياتهم حتى نتأكد أن طريقة (بانيرجي) هي بالفعل أكثر استدامة.

أيضًا يعرض لنا المؤلفون كيف أن البنزين يمكن مفاعلته مع (ثاني أكسيد الكربون،
وكربونات السيزيوم) لتكوين (حامض البنزويك) في خطوة واحدة. هذا بدوره أمرٌ مثيرٌ للاهتمام؛ لأنه من المعروف منذ خمسينيات القرن الماضي أن حامض (البنزويك) يمكن تحويله إلى (حامض التيرفيثاليك- .(terephthalic acidوهو أحد المونمرات المستخدمة لتحضير الـ (PET)، وعلى الرغم من قلة الناتج من التفاعل الأول كما أخبرنا (بانيرجي- (Banerjee وزملاؤه، إلا أن الاكتشاف يثير احتمالية أن الـ(PET) مثلها مثل الـ(PEF) يمكن تحضيرها باستخدام ثاني أكسيد الكربون. وفي حال ما إذا أمكن تحسين كمية الناتج فإن هذه الكيمياء ستشكل تحسن ملحوظ في الطريقة الحالية عديدة الخطوات، والمستخدمة لصناعة حامض (التيرفثاليك).

أكثر من 45 مليون طن يتم إنتاجها سنويًا من ال(PET) مما يجعله أحد أكبر المصارف الصناعية الفعّالة لثاني أكسيد الكربون. وهذا يخبرنا بأن ليس ثمة تصنيع – يستخدم ثاني أكسيد الكربون- سيؤدي إلى انخفاضات كبيرة في تركيزات هذا الغاز في الجو. ومع ذلك فإن إيجاد استخدامات مستدامة للموارد الوافرة ك(ثاني أكسيد الكربون) كبدائل للموارد الغير متجددة يبقى هدف نبيل. وعلى نطاق أوسع فإن نتائج (بانيرجي- Banerjee) والعاملون معه تشير إلى أن الآلية الجزيئية التي وضعها الكيميائيون ستحذو حذو النباتات وستستخدم ثاني أكسيد الكربون بكفاءة لإنتاج المكونات الأولية، والمواد التي نحتاجها.

إعداد: (Eric J. Beckman)
ترجمة: (Mohamed Salem)
مراجعة: (Sara Hassan)
تصميم : (Sara Hassan)
المصدر: http://cutt.us/kP5J