الأسطورة والخرافة والمعتقد في الفن التشكيلي
الأسطورة
عبارة عن حكاية ذات أحداث عجيبة خارقة للعادة أو عن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها.
وفي تعريف الأسطورة يقول (لابيير (La Pier- و(فارنزورث (Farnsworth -الأسطورة عبارة عن شائعة أصبحت جزءًا من تراث الشعب الشفهي، ومن الناحية اللغوية كثيرًا ما نستخدم كلمة شائعة مكان أسطورة والعكس صحيح .[1]
ووفقًا لبحث نشرته دار المعارف البريطانية[2] عن« الانثروبولوجيا الاجتماعية تطرقت إلى الأحاديث المنقولة، فعرفتها أن « حكايات الناس وأساطيرهم التي تنتقل شفاهًا من جيل إلى آخر وتُحفظ من الضياع بقوة ذاكرة الذين يتوارثونها طبقة بعد طبقة وأنها تخدم غرضين أساسيين، فهي من ناحية تخبرنا عن تاريخ الشعوب، ومن زاوية أخرى فهي ثقافة تصويرية تحدد مكانة صاحبها في المجتمع الذي يعيش فيه.
مميزاتها
1- عمقها الفلسفي الذي يميزها عن الحكاية الشعبية.
2- كانت الأسطورة سابقًا مثل العلوم حالياً أمرًا مسلمًا بمحتوياته.
3- في معظم الأحيان تكون شخوص الأسطورة من الآلهة أو أنصاف الآلهة وتواجد الإنسان فيها يكون مكمًلا لا أكثر.
4- تحكي الأسطورة قصصًا مقدسة تبرر ظواهر الطبيعة أو نشوء الكون أو خلق الإنسان وغيرها من المواضيع التي تتناولها الفلسفة خصوصًا والعلوم الإنسانية عمومًا.
أنواع الأساطير
الأسطورة الطقـوسية
وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه.
أسطورة التكوين
وهي التي تصور لنا عملية خلق الكون.
الأسطورة التعليلية
وهي التي يحاول الإنسان البدائي عن طريقها، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره، ولكنه لا يجد لها تفسيرًا، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية، تشرح سر وجود هذه الظاهرة.
الأسطورة الرمزية
إن تنوع الأساطير أدى إلى تنوع المناهج التي تتناول الأساطير بالدراسة، ولهذا فقد ظهرت عديد من المناهج: [3]
المناهج التي ظهرت
المنهج اليوهيمري
الذي يعد من أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال وفضلاء غابرين.
المنهج الطبيعي
الذي يعتبر أبطال الأساطير ظواهر طبيعية، ثم تشخيصها في أسطورة، فاُعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.
المنهج المجازي
بمعنى أن الأسطورة قصة مجازية، تخفي أعمق معاني الثقافة.
المنهج الرمزي
بمعنى أن الأسطورة قصة رمزية، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
المنهج العقلي الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم ارتكبه أفراد في تفسيرهم، أو قراءتهم أو سردهم لرواية أو حادث.
التحليل النفسي الذي يحتسب الأسطورة رموزًا لرغبات غريزية وانفعالات نفسية. وإن علم الأساطير، حتى الآن، لم يصل إلى مرحلة النضج التي تؤهل مدارسه المتنافرة، المتعارضة للاندماج.
خصائص الأسطورة
- تكتب أو تنقل شفاهية باللغة الفصحى .
- خطاب الجد والحقيقة وليست للمؤانسة .
- مقدسة، تمتلك قوة الاعتقاد الملزم للمجتمع .
- تصدر عن تأملات و خيالات جمعية لا فردية .
- تتناول موضوعات إنسانية شاملة، تخص جدل الإنسان مع نفسه وما يحيط به.
خصائص الخرافة
الخرافة هي الحديث المستملح المكذوب الغير حقيقي، أجروه على كل ما يكذبونه من الأحاديث وعلى كل ما يستملح ويتعجب منه وراوي الخرافة والمستمع إليها على حد سواء يعرفان منذ البداية، أنها تقص أحداثًا، لا تلزم أحدًا بتصديقها، أو الإيمان برسالتها.
وهي تختلف عن الأساطير في أن الخرافة تناقلها الناس بلغتهم الدارجة، في الوقت الذي احتفظت فيها الأساطير بلغة فصيحة. كما أن الأسطورة ترجع إلى ما قبل الأديان، أما الخرافة فقد ظهرت بعد الوثنية، ولذا يغلب عليها الطابع التعليمي والتهذيبي والبطل في الحكاية الخرافية يكون نموذجًا متخيلًا بعيدًا عن الواقع إلى درجة لا يصلح لأن يكون مثالًا يحتذى به على أي صعيد. فالمزج الصبياني بين اللامعقول والواقع، يتميز في الجني الذي لا يعرف من أي مكان يأتي عندما يفرك علاء الدين المصباح، وبعد أن ينهي مهمته، يرجع ولكن لا يعرف إلى أين ويقصد بها الإمتاع والمؤانسة. ولكنها ذات بنية معقدة، فهي تسير في اتجاهات متداخلة، ولا تتقيد بزمان حقيقي أو مكان حقيقي.
العقيدة أو المعتقد
هي الأمور التي يجب أن يُصَدِّقَها القلب، وتطمئن إِليها النفس، حتى تكون يقينًا ثابتًا لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك . وسُميت عقيدة؛ لأَنَّ الإِنسان يعقد عليه قلبَه، بمعنى أن يكون إيمانًا جازمًا لا يتطرَّق إِليه شك لدى معتقده، ويجب أَن يكون مطابقًا للواقع، لا يقبل شكًا ولا ظنًا؛ فإِن لم يصل العلم إِلى درجة اليقين الجازم لا يُسَمى عقيدة
وقد حوت الأعمال الفنية عالميًا ومحليًا على تصوير لأساطير وخرافات ومعتقدات في مختلف العصور، تكون خاصة بالفنان أو المجتمع الذي يعيش فيه.
فالفنان «كارافجو» قدم تصورًا أسطوريًا لنزول الوحي على القديس «ماثيو»، وقد رسم الملاك نازلًا من السماء ليملي بعض الأمور على القديس، وقد هرع القديس لمكتبه ليسجل هذا الوحي، فقد عبر الفنان عن شخصية حقيقية في حدث أسطوري ليعبر عن واقع تأملات القديس ماثيو، وفسرها بهبوط الوحي عليه من السماء.
كارافجوCaravaggio –وحي القديس ماثيو – 1602 – 292 x 186 سم – زيت على توال – كنيسة كونتاريللي , سان لوجي ديل فرانسيس روما , ايطاليا
بينما عبّر «عبد الهادي الجزار» عن البطل الشعبي الأسطوري الذي يقهر الأسود بسيفه، فهو رجل عادي بملابس عادية وإمكانيات محدودة، لكنه يمتلك صفات شخصية أسطورية تجعل منه البطل الذي يحتاج إليه المجتمع لينصر الخير والحق، ويعطي الشعب الأمل في التغلب على الظلم والفساد.
عبد الهادي الجزار – أبو السباع
وقد يعبر الفنان عن مواضيع خرافية ليست لها علاقة بالواقع لأغراض مختلفة، كالرمز لحاله نفسية أو مجتمعية، فرسم «جويا» لوحته الشهيرة «ساترن يأكل أحد أبناءه» في المرحلة التي يُطلِق عليها مؤرخو الحركة الفنية في أوروبا «المرحلة السوداء»، وتشمل السنوات الأخيرة من عمر غويا، إذ تعكس الحال المزاجية التي سبقت وفاته، وما صاحَبَها من فقده حاسة السمع واضطرابه النفسي الشديد بسبب غزو الجيوش الفرنسية بلاده. في تلك المرحلة اتسمت أعمال غويا بألوانها القاتمة، وشخوصها المشوهة والمخيفة، وجنوح موضوعاتها إلى كل ما هو غريب وقاسٍ في الميثولوجيا الغربية. غير أن هذا العمل المُسمى (ساترن يأكل أبناءه) يعتبر من أهم الأعمال التي رسمها غويا خلال هذه المرحلة.
يتناول أسطورة الروماني «ساترن»، التي تتداخل وتتشابه إلى حد كبير مع أسطورة «كرونوس» الإغريقية، ذلك الذي استولى على العرش بعد أن قتل أباه «أورانوس»، الذي لم يكن يعرف العدل. وتقول الأسطورة أن «كرونوس» هذا لم يكن أفضل من أبيه أورانوس، بل كان أظلم منه، وأشد طغيانًا، أما سبب التهامه أولاده فهو ما سمعه من نبوءات مفادها أن أحدهم سيقضي عليه. أراد كرونوس أن يتفادى تحقق هذه النبوءة المروعة، وفكر في إقامة حصن يحميه من هجمات أبنائه المحتملة، لكنه لم يستطع التوصل إلى فكرة صائبة في هذا الشأن، فلجأ إلى حيلة وجدها أكيدة الفائدة، فأصدر أوامره إلى زوجته «ريا»، فكانت تسلمه كل مولود فور ولادته، حتى بلغ عددهم خمسة مواليد، ابتلعهم واحدًا تلو الآخر في جوفه.
وحين أدرك ريا المخاض للمرة السادسة، عزمت على ألاّ تسلم المولود إلى أبيه، فأتت بحجر، وألبسته أردية ليبدو مثل مولود صغير، وبعثت به إلى كرونوس الذي ابتلعه وهو يظن أنه ابنه. ونقلت ريا مولودها الذي أسمته «زيوس» إلى كهف جبل مهجور، وحين أصبح يافعًا أوعزت له بفكرة الانتقام من والده، فقدم له شراب الخردل الذي أفرغ ما في أمعائه ليخرج أبناؤه وينضموا إلى شقيقهم في حرب ضد أبيهم وأتباعه. انتهت المعركة بهزيمة كرونوس، وأصبح زيوس حاكم السماء والأرض، وعاقب كل من دافع عن الظلم والطغيان.
ساترون يأكل أحد أبناءه
التعويذة أو الشيطان الصغير
فرانشيسكو جويا
عبد الهادي الجزار
وعبر الفنان هنا عن حديث مكذوب وغير معقول ألا أنه مستملح ومتوارث من جيل لجيل، البطل غير واقعي ومتخيل ولكن الخرافة تُحكى بهدف التعليم والتهذيب والعبرة.
أما الفنان المصري «عبدالهادي الجزار» فقد عبر عن خرافة «التعويذة» في شكل مسخ خرافي أو شيطان صغير بجسم شبه أدمي مغطى بالشعر، وذي قرنين، وقد تدلت من أذنيه رسومات مبهمة سحرية كما رُسمت أخرى على جبهته ووجهه وعلى الحائط خلفه، فقد جسد الشيطان في تصوره ليخترق غموض الخرافة الشعبية، فالغموض في الحياة الشعبية شيء في الحقيقة لا وجود له لأن كل فترة أو كل رمز أو كل عقيدة في الحياة الشعبية لابد أن يكون لوجودها سببًا ما ولابد أن لها أصولًا، وحينئذٍ فلابد أن ذلك الغموض هو عند من لم يعرف خفايا الحياة الشعبية. فمثلًا الأحجبة التي تعلق على الصدور أو الجباه إذا فتحتها وجدت بداخلها بعض آيات من القرآن تحوي معاني تتصل بالدعاء لمنع الشر.
أما «رفائيل» فكان مثل فناني عصره يعبر عن العقيدة الدينية في عصر النهضة، فتناولت أعماله لقطات من قصص دينية، أصبحت المعتقد الديني الخاص بالفنان كفرد والمجتمع ككل، فهو معتقد موروث وملزم للإنسان في ممارساته اليومية.
فهو يعتقد كفنان وكإنسان في قصة صلب المسيح، ومراحل هذا الصلب التي يصور إحداها في العمل التالي، حين كان يسير المسيح حاملًا الصليب الخشبي صاعًدا به صخرة الجمجمة التي سوف يُصلب فوقها، ولكنه يسقط من شدة التعب والإرهاق وحوله والدته وأهله وكذلك الجنود.
رفائيل Raphael– المسيح يسقط في طريقه لصخرة الجمجمة – (1514 – 1516 ) – 229 x 318 سم – زيت على توال – متحف ديل برادو – مدريد
عبد الهادي الجزار – النذر
بينما يعبر الفنان المصري «عبدالهادي الجزار» عن نوع آخر من المعتقدات الشعبية الموروثة، وهو الاعتقاد في «النذر» ويُعرف على أنه «أن يوجب المكلَّف على نفسه أمرًا لم يلزمه به الشارع»، فالمصريون وروثوا اعتقادًا في النذر لتلبية الرغبات والتعهد بإيفاء النذر حين تحقق تلك الرغبات، ورغم الاختلاف الديني حول صحة النذر إلا أن المصريين ما زالوا يمارسون هذا المعتقد حتى الآن.
عداد: سمر يسري فرماوي
مراجعة علمية: دينا فوزي
مراجعة لغوية: شريف صبري
تحرير: ندى أحمد
المراجع
- صلاح نصر، الحرب النفسية- معركة الكلمة والمعتقد، الجزء الأول، ص311
- The Psychology of Rumor, Allport and Postman 1948, P.163
- الاسطورة و التراث – سيد القمني – المركز المصري لبحوث الحضارة – مصر – ص .33 – 35
- صلاح نصر، الحرب النفسية- معركة الكلمة والمعتقد، الجزء الأول، ص311
- The Psychology of Rumor, Allport and Postman 1948, P.163
- الأسطورة و التراث – سيد القمني – المركز المصري لبحوث الحضاره – مصر – ص .33 – 35
- طلال حرب – معجم أعلام الأساطير والخرافات في المعتقدات القديمة – دار الكتب العلمية – لبنان – 1999