جِد لي عائلة لا يوجد لديها «غضب»، وأنا سوف اكتشف هذا الغضب وأُخرجه لأُريه لهم؛ هذه وظيفتي كمُعالِج مُختَص!
كل عائلة لديها غضب، إنَّه أمر محتوم لا مفر منه في الحياة وفي العائلة، ببساطة لأنَّه حرفيًا مربوط بادمغتنا. إنَّه جزء من الوظائف الفسيولوجية لأعضائِنا، تمامًا مثل الرموش والمرفقين وأصابع القدم.
هناك العديد من الوسائل التي تستطيع العائلات استخدامها للتعامل مع الغضب، اعتمادًا على راحتهم وتكيُّفهم معها.يمكنهم أن يستخدموا الغضب كسلاح؛ على نحو تصويري يقومون بضرب رؤوس بعضهم البعض به، يمكنهم أن يتعاملوا بدفن الغضب بعيدًا تحت الأرض، أو يمكنهم أن يتجاهلوا الغضب ويتظاهرون بأنَّه ليس موجودًا.
•هناك ثلاثة أنواع من العائلات غير المتكيفة مع الغضب، وتتعامل معه بطريقة غير مريحة:
1. العائلة التي تستخدم الغضب كسلاح:
في هذه العائلة، يتم استخدام الغضب من قِبَل فرد أو أكثر كمصدر للقوة أو السُلطة. وهذا الغضب يُمكن التعبيرعنه بمجموعة متنوعة من الوسائل العدوانية، مثل الصُراخ، أو الشتائم والإهانات، أو التعليقات الشائِكة، أو القيام برمي وتكسير الأشياء، أوغيرها من التخويفات والتهديدات الماديَّة.
*الدرس الذي يتعلَّمه الأطفال: الشخص الأكثرغضبًا يفوز.
2. العائلة التي تدفن الغضب:
هذه العائِلة تُظهِر الغضب على أنَّه شيء غير مقبول أو شيء سيء. مشاعر الغضب يتم اعتبارها سلوك غير مُحبَّب، وغير مُكترِث، ومُتمرِّد.. ويتم مقابلتها بالسلبية أو العقاب..
*الدرس الذي يتعلَّمه الأطفال: الغضب سيء. إذا كنت تشعُر بالغضب، فأنت شخص سيء، لا تتحدث عن هذا الموضوع.
3. العائلة التي تتجاهل الغضب:
هذه العائلة تتعامل مع الغضب كما لو أنَّه غير موجود. عندما يقوم أحد الأفراد فيها بإظهار نوع من الغضب، فإنَّه يتلقى القليل من التفاعل أو الاستجابة. فالغضب غير مرئي..
*الدرس الذي يتعلَّمه الأطفال: الغضب أمرٌ عديم الفائِدة.. لا تهتم به، لا تتحدَّث عنه.
الأطفال الذين ينشئون في أحد هذه الأنواع الثلاثة من العائلات، لا أحد منهم لديه الفرصة ليتعلَّم الكثير عن الغضب؛كيفية الاستماع إلى رسائله،كيفية التحكُّم به، كيفية التعبير عنه، أو كيفية استخدامه بطريقة صحيَّة. فبُناءً على السابق، جميع هؤلاء الأطفال تتم تنشئتهم في عائلات مُهمِلة عاطفيًا.
دعنا نُركِّز بشكل مُحدد على آخر نوعين: العائلات التي تدفِن الغضب، وتلك التي تتجاهل الغضب. هذان النوعان من العائلات يتشابهان في أن كل الأطفال الذين ينشئون فيهما يتلقون رسالة تقول: عندما يُزعجك شيءٌ ما..لا تتحدَّث..لا تتحدَّث..لا تتحدَّث!
وهذا ما يجعل كلا النوعين من العائلات أرضًا خصبة ل«السلبية العدوانية-Passive Aggression».
ولأنَّ الغضب مرتبط بالدماغ البشري، فهو موجود في كل إنسان، سواء أردناه أم لا. عندما تكون في بيئة لديها تعصُّب مُزمِن تجاه هذا النوع من المشاعر بعينه، فإنَّك بشكل طبيعي وتلقائي ستقوم بكبت مشاعر الغضب متى ظهرت، وهذا يسبب مشاكل كبيرة لك وأيضًا في عائلتك.
القيام بدَفع الغضب لأسفل يشبه تمامًا دَفع الماء لأسفل. يجب أن يذهب إلى مكانٍ ما، لذا رُبما يتسرَّب إلى تحت الأرض ويبقى هناك، أو رُبما يبقى جُزئيًا تحت السطح، يتموَّج ويتكدَّر مُنتظرًا الفرصة لكي يندفع خارجًا.
في هذين النوعين من العائلات المتعصِّبة ضد الغضب، فإنَّ الغضب يذهب تحت الأرض، ولكنَّه لا يختفي، بل يبقى هناك.. وعليه أن يخرج بطريقةٍ أو بأُخرى، في وقتٍ ما، بوسيلةٍ ما، وعلى الأرجح موجهًا ناحية شخصٍ ما.
ويدخل الفرد في «السلبية العدوانية».
•السلبية العدوانية (Passive-Aggression):
هي التعبير الغير مُباشِر عن الغضب والاستياء، مدفوعًا بالمشاعر التي لا يتم التحدُّث عنها بشكل مباشر.
-(مولي) شعرت بالقلق وعدم الراحة أثناء جلوسها لتناول العشاء مع العائلة. كانت مُدركة تمامًا أنَّ والديها يرفضان الحديث إلى بعضهما أو إقامةأي تواصل حتى بالعين.
-والد (جول) تأخَّر ساعة في المجيء لاصطحابه من تدريب كرة القدم. بينما (جول) يجلس مُنتظرًا على الرصيف، وجد نفسه يتسائَل إذا كان والده غاضبًا من الجدال الذي دار بينهما الليلة السابقة.
-(جيسيكا) وجدته أمرًا موجعًا عندما قامت أُمها بمعاملتها بصمتٍ وبرود، وقد بذلت مجهودًا كبيرًا لتبدو غير مُتأثِّرة بذلك.
هناك العديد من الدراسات البحثية التي أكدَّت بوضوح وجود رابط بين السلبية العدوانية بين الوالدين، والمشاكل التي تحدث لدى الأطفال.
في دراسة أُجريَت عام 2016م بواسطة بروفيسور دايفيس (Patrick T. Davies)،أظهرت أنَّ الأطفال الذين ينشئون في مثل تلك البيئة من التعبير الغير مُباشِر والعداء بدون حل، يكونون أقل إحساسًا بالثقة والأمان، ويتحمَّلون مسؤولية أقل تجاه مشاكلهم الشخصية، ويكونون أيضًا أكثر عُرضةًللاكتئاب، والقلق، والانسحاب الاجتماعي.
وأحد المظاهر الصعبة الأخرى للسلبية العدوانية، هي أنَّ مُعظم الناس غير واعيين تمامًا بسلوكهم السلبي العدواني الشخصي. غالبًا هُم أيضًا غير واعيين بغضبهم الشخصي المدفون بعيدًا، و لا بالاستياء الذي يغذيه ويدفعه.
4 خطوات لتُصبح أقل سليية عدوانية:
1. تقبَّل أنَّ لديك غضب، تقبَّل أنَّك طبيعي وصحي، تقبَّل قيمة هذا الغضب ونَفعه، وأنَّه بإمكانك استخدامه لجَعل علاقاتك أفضل.
2. قُم بزيادة معرفتك ووعيك بالغضب. راقب الغضب في غيرك من الناس، راقب الغضب في نفسك. عندما تبدأ بمحاولة الشعور بغضبك، ستبدأ بكَسر الحائط الذي يعترض طريقك.
3. اقرأ كل مايمكنك عن «تأكيد الذات-assertiveness»، وهي مهارة تسمح لك بالتعبير عن غضبك بطريقة توصل رسالة إلى الطرف الآخر بدون شكل دفاعي. اشتري كتابًا عن هذا الموضوع إن استطعت.
4. عندما يحدث شيئًا ما يجعلك تشعُر بالغضب، لاحظ هذا الشعور جيدًا وانتبه له. تمرَّن على التعامل معه وتحمُّله. طبِّق ما تعلمته عن «تأكيد الذات».
وعندما يكون هناك شيء ما يزعجك..
تحدَّث..
تحدَّث..
تحدَّث!
المصدر:
https://goo.gl/KPas1k
ترجمة وتصميم: يُمنى أكرم
مراجعة لغوية:أمنية أحمد عبد العليم