ما هو الجسم الأكثر لمعانًا عبر الكون؟
قد تتخيل أن النجوم مثل الشمس هي أكثر الأجسام المضيئة في الكون، فهي تشع كم هائل من الحرارة والضوء على مدى ملايين السنين، أو انفجار (المستعر الأعظم-Supernova) الذي يفوق كل الطاقة الصادرة من مجرته للحظات، ولكن الجسم الأكثر لمعانًا عبر الكون يجعل الشمس تبدو مثل مصباح صغير، والمفارقة أنه للبحث عن هذا الجسم علينا أن ننظر لأكثر الأجسام ظلامًا عبر الكون وهي الثقوب السوداء.
ظاهرة غريبة
في عام 1930 لاحظ الفيزيائي (كارل جانسكي-Karl Jansky) تداخل موجات مع خطوط التليفون قادمة من الفضاء الخارجي ولم يتم التعرف على مصدر هذه الموجات، بعد ذلك تم استخدام تلسكوبات الراديو لمعرفة مصدرها، عندما نظر العلماء لهذه الإشارات وجد أنها أجسام مشابهة للنجوم حيث تشع كميات هائلة من الطاقة والموجات الكهرومغناطيسية والضوء المرئي ولكن لم يتعرفوا على ماهيتها فأسموها (أشباه النجوم-Quasars)، وكان المصدر يبعد حوالي 4 مليار سنه ضوئية، فاق لمعان هذه الأجسام نجوم المجرات التي تحتويها مجتمعة(1).
عدة سنوات من البحث عن ماهية هذه الأجسام اتضح أنها توجد في المجرات التي تحتوي على (ثقوب سوداء ضخمة-Supermassive black holes) حيث كتلتها أكبر من الشمس بملايين المرات، لا يمكننا مراقبة الثقوب السوداء مباشرةً حيث أنه لا يمكن حتى للضوء الهروب من جاذبيته ولكن يمكننا مراقبة تأثيره على المنطقة المحيطة به، في بداية الكون كان يوجد الكثير من الغبار والغازات المنتشرة بجانب هذه الثقوب السوداء مما أدى لجذب الثقوب هذه الكميات الهائلة من المادة لتسقط بداخلها، ولكن المادة لا تسقط مباشرة بداخله بفعل الجاذبية ولكن تدور حوله مكونة ما يسمى (القرص المزود- Accretion disk) حتى تسقط فيه بالنهاية، يشابه هذه الحركة دوران الأرض حول الشمس بفعل جاذبيتها، ولكن ما سبب الضوء والحرارة الهائلين الناتجين عن هذه الظاهرة(2)؟
تدور الجسيمات حول الثقب الأسود بسرعه تقترب من سرعة الضوء بسبب جاذبيته الهائلة، تتصادم الجسيمات مع بعضها حيث تدور في اتجاهات مختلفة بسرعة عالية مولدة ضوء وحرارة أكبر من كل النجوم التي تحتويها المجرة بأكملها، حيث قدر لمعان «3C 273» (أول شبيه نجم-Quasar) مُكتشف بأكثر من لمعان الشمس ب 4 تريليون مرة مما يجعله أكثر لمعانًا من مجرة درب التبانة بكل نجومها(2).
بجانب الحرارة والضوء الهائلين تحدث ظاهرة أخرى مثيرة تسمى (Relativistic jets) وهي أنها تطلق الكثير من المادة والطاقة في الفضاء بسرعة هائلة تقترب من سرعة الضوء، حيث لم يستطع العلماء تحديد سبب هذه الظاهرة حتى الأن والصورة التالية الملتقطة بواسطة مقراب هابل توضح امتداد المادة التي يطلقها الثقب الأسود في الفضاء وهو يمتد بطول خمسة ألاف سنة ضوئية ولتخيل مدى طوله فهو يقرب المسافة من الشمس لبلوتو ذهابًا وإيابًا 1.5 مليون مرة(3)!
المجرات النشطة-Active Galactic nuclei
تقع أشباه النجوم ضمن مجموعة تسمى بالمجرات النشطة وهي المجرات التي يكون مركزها ثقب أسود ضخم يشع كمية من الطاقة تفوق باقي نجوم المجرة، حيث أن مجموع الطاقة الصادرة من المجرات العادية تحسب بمجموع طاقات النجوم التي تحتويها هذه المجرة بينما المجرات النشطة تفوق الطاقة الناتجة من مركز المجرة باقي الطاقة الصادرة من المجرة بأكملها(4).
للمجرات النشطة ثلاثة أنواع وأتضح لاحقًا أن كل هذه الأنواع هي نفس الشيء ولكنها تواجهنا من زوايا مختلفة حيث أنها تعتمد على الاتجاه الذي تواجهنا به هذه المدافع العملاقة التي ذكرت سابقًا باسم (Relativistic jets) فإذا كانت موجهة ناحيتنا بميل تصنف المجرة أنها ضمن أشباه النجوم، وتعتبر من أبعد الأجسام في الكون المرئي حيث يبعد شبه النجم ULAS J1120+0641 حوالي 29 مليار سنة ضوئية عنا! (4)
بينما إذا كان المدفع موجة في اتجاهنا مباشرة يكون اسمه (Blazer) حيث أن معظم ما نراه منه هو الإشعاع المنطلق من هذه المدافع، وإذا كانت تواجهنا بصورة عمودية تسمى (مجرات سايفرت-Seyfert Galaxies) وهي الأقل إضاءة بالنسبة لنا لأن الغبار المنتشر حول الثقب الأسود يمنع الضوء من الخروج منه، وهذا النوع هو الأكثر انتشارًا بين المجرات النشطة حيث يمثل حوالي 10% من إجمالي المجرات في الكون، وأيضًا مجرات سايفرت أقرب لنا بكثير من أشباه النجوم حيث تتيح لنا دراسة فتره حياه المجرات النشطة ومعرفه كيفية تكونها (4).
أجسام من الماضي
ليبقى أي ثقب أسود قادرًا على إصدار هذا الكم الهائل من الطاقة والضوء يجب أن يبتلع من المادة ما يساوي كتلة من 10 ل 100 نجم كل عام ليبقى على قيد الحياة، وأيضًا أن حجم الثقب يزداد لدرجة لا تسمح بتكون الأقراص المزودة حيث تبتلع المادة مباشرةً، لذا فهي أجسام محدودة العمر وتواجدت في فترات بداية الكون حيث كان يوجد الكثير من المادة المنتشرة، حيث أن أقرب شبه نجم لنا يبعد حوالي 2 مليار سنه ضوئية، ولكن من الممكن أن تتكون مجددًا في المستقبل حيث من المتوقع أن تصطدم مجرتنا درب التبانة ومجرة (أندروميدا-Andromeda) المجاورة لنا خلال 4 مليار عام ونتيجة لهذا الاصطدام سيتوفر الكثير من المادة للثقوب السوداء في مراكز المجرتين ليعيدوا تشغيل محركهم مرة أُخرى(5).
إعداد وتصميم: Mohamed Omar
مراجعة: Mohammed Sherif
المصادر
Redd, Nola Taylor, Space com Contributor | August 23, and 2012 06:13pm ET. -1 “Quasars: Definition & Facts About Brightest Objects in the Universe.” Space.com. Accessed September 5, 2016. http://www.space.com/17262-quasar-definition.html.
“Amazing Cosmic Objects: Pulsars, Neutron Stars, Quasars, & Magnetars.” Futurism, -2 February 17, 2014. http://futurism.com/whats-the-difference-between-pulsars –
quasars-and-magnetars/.
“Relativistic Jets.” NuSTAR. Accessed September 5, 2016. -3 http://nustar.ipac.caltech.edu/page/relativistic_jets.
“Active Galaxies and Quasars – Introduction.” Accessed September 5, 2016. -4 http://imagine.gsfc.nasa.gov/science/objects/active_galaxies1.html.
Death by a blackhole, Neil deGrasse Tyson -5