كيف تغرس ذكريات خاطئة؟
كلنا نحب الحيل المضحكة – على افتراض أنها ليست مؤذية – سواءً كانت مفعمة بالحيوية أو محفوفة بالمخاطر، حتى أن من نمارس عليه الحيلة يقدر النكتة!
أنا واثق بأن لك حيلك المفضلة: لصق دولار على الرصيف بالصمغ، ملء مكتب زميلك في العمل بالبلالين، نقل سرير رفيقك بالحجرة للبدروم…. بينما هو نائم عليه.
وقد تتضمن بعض الحيل الأخرى ما هو أكثر حيوية، كالوسائد المصدرة للصوت، القيء المزيف، الصعقة الكهربائية باليد. ولكن لنكن صادقين، تلك ألاعيب صبيانية قد ولى زمنها. إلا أنه في سبيل رفع مستوى الحيل الذي نوليه للرفع من مستوى الحيل، فما رأيك في القيام بحيلة لا تقوم على القنابل كريهة الرائحة، بل على العلم؟
كيف تغرس ذكريات خاطئة في أصدقائك، في أربعة خطوات:
جادل كارل ساجان في كتابه، “عالم مسكون بالشيطان” (The Demon-Haunted World)، بأن غرس الذكريات الخاطئة في الناس ليس فقط ممكنًا، ولكنه في الحقيقة في منتهى السهولة حين يُمارس بالطريقة الصحيحة مع الشخص الساذج، وقدم كأمثلة هؤلاء من يمارسون العلاج النفسي أو التنويم المغناطيسي، الذين يقنعون ضحاياهم بأنهم اختُطفوا من قبل كائنات فضائية، أو تعرضوا للاعتداء أثناء طفولتهم. يعد التمييز بين الذاكرة والخيال لدى هؤلاء غير واضح، وتُعد الأحداث التي لم تكن أبدًا في أرض الواقع جزءًا من ذاكراتهم على أنها أحداث حقيقية. بل من الممكن أيضًا أن يتذكروا بشكل حي أحداث لم تحدث قط وكأنها قد حدثت بالفعل!
يقول ساجان بأن “من الممكن تلويث الذاكرة”، فـ “من الممكن غرس الذكريات الخاطئة في أي عقل، حتى من يعتبرون أنفسهم أقوياء غير قابلين لمثل تلك الألاعيب”.
توفر لنا ملحوظات ساجان لمحة للخطوة الأولى من مخططنا لغرس ذكرى، والتي تتميز بالقابلية للأداء بسبب حقيقة بسيطة: أصدقاؤك – الذين هم بلا شك صادقين، ظرفاء، داعمين، وأذكياء – على الأحرى لا يمتلكون جميعًا عقولًا ناقدة لا يمكن اختراقها. إذن، فالخطوة الأولى هي اختيار واحد من أصدقائك الذين، وفقًا لتقديرك، مؤهلين لأن يُخدعوا. ضع في الاعتبار ضرورة أن تكون قد مرت خمسة سنوات على علاقتك بذلك الصديق، وقد شاركته العديد من الخبرات. فذلك سيعزز من مصداقيتك لديه، وبالتالي من فرص نجاحك.
فور أن اخترت هدفك، فالخطوة التالية، وهي الأكثر حسمًا، أن تلفق ذكرى. ولابد أن تكون تلك الذكرى قد “حدثت” منذ عامٍ على الأقل، وألا تكون معقدة بشكل غير ملائم، ولا ذكرى تتضمن شحنة قوية من العواطف.
فقد بينت الدراسات أنه من السهل أن تجعل الناس يستدعون تفاصيل خاطئة صغيرة عن حدثٍ ما، إلا أن الذكريات المزيفة كلما كانت أكثر تعقيدًا وتحديدًا، كلما كان من الأصعب غرسها، إلا أنه ليس مستحيلًا. فبعد 3 لقاءات، نجح باحثون جامعة غرب واشنطن (Western Washington University) في جعل أفراد التجربة يستدعون تفاصيل عن إيقاعهم من غير قصد لوعاء من الشراب على أهل العروسة أثناء استقبالهم بالزفاف. كما وصفت عالمة النفس إليزابث لوفتس (Elizabeth Loftus) بجامعة غرب واشنطن، في مقالة لها بمجلة سينتفك أميريكان (Scientific American) عام 1977[1].
“أثناء اللقاء الأول مع أحد المشاركين، حين سألناه عن الزفاف الخيالي، قال: “ليس لدي أدنى فكرة. فلم أسمع قط عن ذلك”. وفي اللقاء الثاني مع نفس المشارك، قال: “كان ذلك الزفاف في الهواء الطلق، وأتذكر أننا كنا نجري واصطدمنا بشيء، وعاء من الشراب أو ما شابه، و (إمم) تسبب ذلك الوعاء بفوضى كبيرة، ونلنا الكثير من الصراخ”
تساعدنا العواطف في تذكر الأحداث بشكل أكثر حيوية. (فعلى سبيل المثال، من الأرجح أنك قادر على استرجاع تصرفاتك وأماكن تواجدك أثناء حدث عصيب)[2]. إلا أن هدفك قد لا يتقبل ذكرى خاطئة إذا قلت له أنهم مروا بشحنة عاطفية كبيرة. عام 1999، نجح باحثون من جامعة كولمبيا البريطانية (University of British Columbia) في إقناع 26% من أفراد التجربة بأنهم تعرضوا لهجوم من حيوان شرس أثناء طفولتهم[3]، إلا أن طرق التجربة المعقدة لن تصلح في الحيل البسيطة.
اختيارك للذكرى المناسبة سيمنحك أفضل الاحتمالات للنجاح. فتقضي وقتًا أسهل في غرس ذكرى “حدثت” في وقت بعيد في الماضي. ومنذ أن الهدف هو إعداد حيلة، فسأوصيك باختراع ذكرى خاطئة مضحكة، لا مثيرة للرعب.
وإن أردت المزيد من التحدي، حاول أن تغرس ذكرى قد “حدثت” مؤخرًا. على سبيل المثال، من الممكن أن تخترع مشهدًا في حانة حيث تشتري لصديقك الكثير من المشروبات، ولم يرد إليك المال. بتلك الطريقة، من الممكن أن تنجح في جني بعض المال (والذي ستعيده لصاحبه طبعًا).
اخترت الذاكرة والهدف؟ يبقى أمامك الاستعداد! ستحتاج إلى عدد من الأشياء من أجل توفر حدٍ أدنى من فرص النجاح للحيلة. فأولًا، عليك أن تشكل عدة تفصيلات قصصية حول الذاكرة الخاطئة. وكن محددًا بقدر ما تستطيع. ماذا كان صديقك يرتدي؟ ماذا كانت الظروف التي أدت للحدث؟ كيف كان المحيط؟ من كان هناك؟
إذا كنت ماهرًا بتعديل الصور، فمن الممكن أن تحاول أيضًا إضافة صورة. ففي عام 2002، قام علماء نفس[4] بتعريض 20 فردًا لذكريات طفولة خاطئة عبر استخدام صورة مزيفة. وعبر ثلاثة لقاءات، وُجه الأفراد للتفكير حول الصورة، والتي أظهرتهم في بالونة هواء ساخن، واستطاعوا أن يجعلوهم يتذكروا الحدث بتدريبات صورية موجهة[5]. في النتيجة النهائية للدراسة، انتهى 50% من الأفراد إلى استدعاء ذكريات خاطئة بشكل كامل أو جزئي!
ستحتاج أيضًا لمن يعينونك بالتأييد، وكلما كانوا أكثر كلما كان أفضل. وظهرت قوة التأييد في غرس الذكريات الخاطئة عام 1990 من خلال بباحثين بكلية ويليامز (Williams College). ففي دراستهم[6]، اتُهم المشاركون على نحو زائف بأنهم سببوا عطلًا بجهاز كمبيوتر عن طريق الضغط على زر خاطئ، ووفقًا لدكتورلوفتس:
“أنكر المشاركون الأبرياء في البدء التهمة، ولكن حين أعلنت واحدة من المتعاونين مع الباحثين بأنها رأتهم يؤدون الفعل، أعترف الكثير من المشاركين بالفعل، واعتنقوا ذنب ارتكاب الفعل، ومضوا يوردون التفاصيل المتناسقة مع ذلك الاعتقاد”.
الآن صرت مستعدًا لتفعيل خطتك. حين تبدأ، كن مثابرًا، فالذكرى قد لا تنغرس في الحال؛ وفي الأغلب ستضطر لاستدعائها عدة مرات على امتداد أيام أو حتى أسابيع. إضافة لذلك، لا تخشى ضغط من حولك. فأنت ومؤيدينك يجب أن تستغلوا جملًا مثل:
- “أنت حقًا لا تتذكر هذا؟”
- “ماذا؟ ألم تكن هناك؟!”
- “ذاكرتك بشعة!”
الذاكرة ليست ثابتة، بل هي متقلبة متحولة، ومن السهل التلاعب بها، فهي كالكشكول الذي يمكن فكه وتقطيعه وإعادة تنظيمه وجمعه.
يقول كارل ساجان[7] “ربما نحن فعلًا ما نذكره”، فالإنسان “مجرد مجموعة من فتات الذكريات، جُمعت في نسيج نحن قد ابتكرناه. وإذا نظرنا إلى الأمور بالذكاء الكافي، فقد جعلنا من أنفسنا قصة سهلة التذكر”.
يظل أمر غرس ذكرى خاطئة في شخص وجعله يصدقها بالكامل يحتاج لبعض الجهد. فحتى في المختبر، كانت نسبة نجاح الباحثين أقل من النصف.
إلا أنه من الممكن القيام بذلك، فانطلقوا يا أصدقائي وحيكوا بأخيلتكم الذكريات!
—————————————–
[1] http://sc.egyres.com/Hv2FW
[2] http://sc.egyres.com/I7WHb
[3] http://sc.egyres.com/cnOap
[4] http://sc.egyres.com/91vKv
[5] http://sc.egyres.com/c8XHb
[6] http://sc.egyres.com/3vTVB
[7] http://sc.egyres.com/v778m
المصدر:
ترجمة وتصميم: هشام كامل
تحرير: يُمنى أكرم
#الباحثون_المصريون