مَنْ منا لا يعرف بُرج خليفة الذي تَمْ اِفتتاحه في عام 2010 بدبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، تلك الدولة التي شَهدَتْ في الأعوام الأخيرة تقدمًا هائلًا في مجال العمارة والتشييد.
يُعرف بأعلى ناطحة سحاب تم تشييدها حتى الآن حيث يبلغ ارتفاعه 828 م أي 2716.5 قدم، ولكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أنه سيتراجع للمركز الثاني بحلول عام 2019 بعد افتتاح «برج جدة» البالغ ارتفاعه أكثر من كيلومترًا كما صرح الملياردير السعودي (الأمير الوليد بن طلال) ليصبح بذلك الأطول، بالإضافة إلى أنه عمل مُذهل معماريًا ليس له مثيل، وأيضًا عملية تنفيذه الإنشائية ليس كناطحات السحاب العادية.
دَعوني أسرد لكم بعض الملاحظات العامة عنه قبل الدخول في تفاصيل الإنشاء والتصميم.
- يتكوَّن البرج من 160 طابق، وهو أكبر عدد طوابق في العالم، وكما ذكرنا مِنْ قبل ارتفاعه والذي يقرُب ثلاث أضعاف ارتفاع (برج ايفيل-Eiffel Tower)، وضعف ارتفاع مبنى (الإمبير ستيت-the Empire State Building).
- يُعد أطول مبنى قائم بذاته أي أنه مبنى غير مُرفق بأبنية أُخرى، فهو متعدد الاستخدامات (سكني، فندقي، تجاري، مكتبي، ترفيهي، تسويقي وبه ساحة لانتظار السيارات أيضًا) _كما موضح بالصورة_ بمساحة كُلية 460000 متر مربع.
- يحتوي على 57 مِصعد، حمولة المِصعد الواحد (10-12) فرد، يستغرق صعود المصعد مسافة طويلة بسُرعة 10 متر لكل ثانية.
- به أعلى مِنصة مُراقبة في العالم، حيث يُمكنك مشاهدة المدينة بأكملها بزاوية 360 درجة بدون أي عوائق، حتى 95 كيلومترًا.
- مزيج من الخرسانة والفُولاذ، حيث تم استخدام أكثر من 45000 متر مكعب خرسانة في الأساسات، حيث تَزن القواعد ككًل ما يُقارب 110000 طن محمُولة على 192 (خازوق-Pile) بعُمق أكثر من 50 متر، واستخْدَم المبني نفسه 330000 متر مكعب من الخرسانة أي ما يُعادل 100000 فيل! و39000 طن من حديد التسليح.
- حقق البرج رقمًا قياسيُا عالميًا من حيثُ تركيب الواجهة من الألمنيوم والزجاج، على ارتفاع 512 مترًا! بدأ تركيبه في 2007 واكتمل بنهاية 2009، يُعادِل وزن الألومنيوم المُستخدَم 5 طائرات طراز A380.
- في نهايتُه يوجد (الهوائي-antenna) طوله يصل 220 متر، ووزنه 3500 طن.
- شارك فيه أكثر من 12000 شخص من العُمال والمهندسين لبنائه، واستغرق حوالي 22 مليون ساعة عمل، بالإضافة إلى التكلفة العامة للمشروع وهي 5 مليار دولار.
سنتطرق الآن إلى تفاصيل التصميم والإنشاء.
من حيث التصميم: يستَمِّد برج خليفة تصميمه من شكل (زهرة الصحراء-hymenocallis) والتي تسكُن المنطقة، حيث أنه يرتكز على قلب مركزي خارج مِنه ثلاث أجنحة (وهو شكل زهرة الصحراء)، عندما تنظر إليه من فوق ستجده على شكل حرف (Y).
ونظرًا لارتفاعه العالي تم تصميمه كمبنى خرسانة مُسلحة مع خرسانة عالية المُقاومة من مستوى الأساس إلى مستوى 156، ومن هذا المستوى لأعلى نقطة فيه مُصمم (كهيكل فولاذي مُدعم-Steel structure braced frame)
أما من حيث (النظام الإنشائي الهيكلي –structural system) المُكوِّن للبرج باختصار:
أولًا طريقة اختيار النظام الهيكلي:
تَم الاختيار على أساس الأهداف التالية مع الأخذ في الاعتبار النظام المعماري (من المعروف إن نجاح أي نظام إنشائي أنه لا يتعارض مع النظام المعماري):
- اختيار نظام إنشائي مقاوم، صُلب، سريع التنفيذ، ذو جودة عالية بتكلفة أقل.
- الاستفادة من التطورات التكنولوجية في مواد البناء، مع الأخذ في الاعتبار العمالة المُدربة، وطريقة البناء.
- دمج أحدث الابتكارات في التحليل والتصميم والمواد وطرق البناء.
- الحد من حركة البناء مثل (العجلة-acceleration) و(السرعة الالتوائية- torsional velocity) طبقًا لمعايير التصميم والمُقايسات المقبولة.
ثانيًا نظام مقاومة الأحمال الجانبية (كالرياح والزلازل):
يتكون من جدران خرسانية مُسلحة عالية المُقاومة تسمي (كور-Core walls)، مربوطة بالأعمدة الخرسانية المُسلحة الخارجية من خلال (حوائط القص-Shear walls)، عرض وشكل البرج يقل كلما صعدنا لأعلى كل سبع طوابق، هذا النظام يُقلل تأثير الرياح الديناميكي.
ثالثًا هندسة الرياح:
لا شك أن دراسة الرياح واحدة من أهم الاهتمامات الأساسية أثناء تخطيط وتصميم ناطحات السحاب، وبالطبع تم عمل دراسات واسعة النطاق من بداية المشروع لدراسة سلوك الرياح في المنطقة ومقاومتها، سنجد أن التغيير في شكل المبنى على طول ارتفاعُه يُحدث تقليل لقوة الرياح على البُرج.
رابعًا (النظام الهيكلي للطوابق-Floor Framing system):
نظام كَلٍ مِنْ الجزء الفندقي والسكني يتكوَّن من (بلاطات خرسانية لا كمرية-Flat Slab) بسُمك يتراوح بين 200 إلى 300 مم، (ببحور-Spans) تساوي تقريبًا 9 أمتار.
بالنسبة لأعلى البرج يتكوَّن من بلاطة لا كمرية بسُمك يتراوح بين 225 إلى 250 مم، أما عن النظام في وسط البرج عند منطقة الكور نجدها تتكون من بلاطة لاكمرية مُحاطة بكمرات لدعمها وزيادة قوتها وهو ما يُعرف (بالتحزيم).
خامسًا نظام الأساسات:
ناطحة سحاب بهذا الارتفاع يلزمُها أساسًا قويِّ وعميق أيضًا، فالنظام المُستخدم هو (حصيرة خرسانية-Raft) أو لبشة و(خوازيق-Piles) أي (لبشة على خوازيق-Piled raft foundation).
سُمك اللبشة 3700 مم من خرسانة عالية المقاومة، تَمْ صبها على طبقة حماية بسُمك 100 مم موضعه على طبقة حماية من الماء على الأقل بسُمك 50 مم.
إما بالنسبة للخوازيق فهي (خوازيق حفر-bored pile) قُطرها 1500 مم من خرسانة عالية المقاومة، تَم الحفر وصبها في مَكانِها.
لتنفيذ هذا البرج تم استخدام (سقالات-climbing formwork system) وهو نوع خاص من السقالات يُستخدَم في ناطحات السحاب والأبراج.
تنقسم السقالة إلى أربع أقسام، قسم عند (الجدار المركزي-Center Core Wall) وباقي الأقسام على الثلاث (أجنحة-Wing Core Wall) المكونة للبرج-كما موضح بالشكل- ويُوضح أيضًا تسلسل البناء حيث يتم صب البلاطات وبعدها يتم صب الحوائط والأعمدة.
في النهاية نجد أن بُرج خليفة يُمثل إنجازًا كبيرًا من حيث الاستفادة من أحدث التصاميم والمواد وتكنولوجيا البناء ويوضح لنا مدى تطور الهندسة المدنية.
إعداد: ساره محمد
مراجعة: إسلام سامي
تصميم: محمد الجوهري
المصادر:
- http://sc.egyres.com/k3ie9
- http://sc.egyres.com/QAoHg
- http://sc.egyres.com/A2MKN
- http://sc.egyres.com/fPoYI
- http://sc.egyres.com/I2PR3
- http://sc.egyres.com/kPgNi