إنه يتربص بكَ أينما ذهبت، ينتظرك بين التربة والصخور، يتسلل إلى منزلك كاللص من خلال الطوابق السفلية، صاعدًا على مواسير المياه المستمدة من الآبار، مخترقًا لأي حاجز أمامه، وإذا قررت مقاومته وأحكمت إغلاق منافذ الدخول إلى منزلك؛ فاعلم أنه ينتظر هذه الخطوة منك حتى يتثنى له التجمع داخل بيتك والتفرد بك، و إذا طالت سنين مرافقته إياك؛ فمن الضروري أن تدق ناقوس الخطر وتطمئن على رئتيك، فمن المحتمل أن يكون مسها شره وأصابها السرطان، أنا لا أتحدث هنا عن الشيطان، بل أتحدث عن غاز الرادون.
أ- ما هو غاز الرادون؟
يعتبر الرادون واحد من أوائل العناصر المشعة التي تم اكتشافها، وعلى مر التاريخ منذ اكتشافه تواجد بعدة أسماء؛ حيث وصفه الفيزيائي الألماني (فريدريش دورن – Fredrich E. Dorn) أثناء دراسته لعنصر الراديوم عام (1900م) بأنه (إنبعاث الراديوم – radium emanation)، ليأتي بعدها الكيميائيين البريطانيين (وليام رامزي – William Ramsay) و (روبيروت جراي – Robert Gray ) ويحصلان عليه في صورة معزولة عام (1908م) ويطلقان عليه اسم ( نيتون – niton)، واستمر هذا الإسم حتى عام (1923م)، حيث استقر اسمه على الرادون تيمنًا بالعنصر المشتق منه (الراديوم).
غاز الرادون هو عنصر كيميائي يمتلك الصيغة (Rn)، ويتواجد في المجموعة ال(18) في الجدول الدوري (الغازات النبيلة)، ويتولد هذا الغاز من التحلل الإشعاعي لعنصر الراديوم كما أسلفت، وهو عديم اللون والرائحة والطعم، أخف من الهواء ب(7.5) مرة، ومن الهيدروجين ب(100) مرة، ويتحول هذا الغاز إلى سائل عند درجة حرارة (-61.8) سليزيوس، ويتجمد عند (-71) سليزيوس، وعند زيادة التبريد؛ يضئ الرادون باللون الأصفر، ثم إلى البرتقالى والأحمر عند درجات حرارة (-195) سليزيوس.
ب- أين يوجد؟
الرادون عنصر شحيح الوجود في الطبيعة بسبب قِصَر عمر نظائره، بالإضافة إلى ندرة وجود مصدر وجوده ( الراديوم)، ويتواجد في الغلاف الجوي بصورة ضئيلة جدًا بالقرب من الأرض متسربًا من التربة والصخور، حيث تتواجد نسب من عنصر الراديوم (يتولد الراديوم من التحلل الإشعاعي لليورانيوم، ويتواجد الأخير في أنواع مختلفه من الصخور)، حيث يتواجد هذا الغاز بنسبة (4*10^-13) ميللي جرام لكل كيلو جرام من القشرة الأرضية.
ج- ما الحاجة إليه؟
قديمًا كانت هناك بعض الاستخدامات لغاز الرادون، حيث كان يُستخدم كعلاج إشعاعي للسرطان، كما أنه كان متواجدًا في المنتجعات الطبية حول الينابيع الساخنة، حيث أُعتقد لفترة أنه يمنح بعض الفوائد الطبية، أما الآن، فيستخدم كبادئ لبعض التفاعلات الكيميائية، كما يستخدم في دراسة التفاعلات الخاصة بكيمياء السطوح.
د- لماذا هو مخيف؟
غاز الرادون هو ثاني أكبر مسبب لسرطان الرئة في العالم بعد التدخين، حيث أعلنت منظة الصحة العالمية في عام (2009م) أن غاز الرادون هو السبب الرئيسي لأكثر من (15%) من حالات سرطان الرئة حول العالم، والسبب في ذلك هو إطلاق غاز الرادون لجزيئات ألفا والتي وإن كانت لاتستطيع اختراق الجلد ولكن بإمكان الغاز الدخول إلى الخلايا الداخلية عن طريق الاستنشاق والتفاعل معها.
يهاجم أيضا غاز الرادون الأطفال مسببًا لهم سرطان الدم، ويعتبر الأطفال هم الأكثر تضررًا من غيرهم من البالغيين، حيث زيادة سرعة انقسام الخلايا ومعدل الأيض العالي الذي يمتلكونه يجعل التضرر الجيني أكثر خطورة>
وفي محاولة للتقليل من تأثير غاز الرادون على صحة الأنسان، أطلقت منظمة الصحة العالمية مشروعًا دوليًا يهدف إلى زيادة وعي البلدان المختلفة بمخاطر غاز الرادون، وجمع البيانات، والتشجيع على المبادرات الهادفة إلى الحد من مخاطر هذا الغاز، ويقول الدكتور (مايكل ريباتشولي – Michael Repacholi) منسق وحدة الصحة الإشعاعية والصحة البيئية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «إن غاز الرادون يشكل خطرًا صحيًا يمكن التقليل منه بسهولة في جميع أنحاء العالم، ولكنه لم يحظ حتى الآن باهتمام واسع النطاق»، ويضيف قائلًا: «الرادون المتواجد في منازلنا هو المصدر الرئيسي للإشعاع المؤيّن الذي نتعرض له، ويشكل (50%) من إجمالي الأشعاع الذي يتعرض له السكان في العديد من البلدان».
إعداد وتصميم: Ahmed Fahmy
مراجعة وتحرير: Amira Esmail
المصادر: