لابد وأنك سمعت كثيرًا عن (الدوبامين – Dopamine)، ولكن هل فكرت أن تُلقي عليه نظرةً مقربةً تتيح لك الدخول إلى عالمه؟ وأن تعرف ماذا يفعل بك؟ وكيف تستطيع الإستفادة من هذا (الناقل العصبي – Neurotransmitter) المدهش؟ هيا بنا في رحلة تأخذنا داخل الجهاز العصبي وبالأخص داخل غرفة الدوبامين.
ولكن… ماذا تعني كلمة ناقل عصبي؟
النواقل العصبية كثيرة جدًا في جسم الإنسان، منها بطل حكايتنا والأدرينالين وغيرها. لكن ماذا تعني كلمة ناقل عصبي؟ دعنا نقسمها لجزأين: ناقل، وهو الذي يقوم بنقل أي شيء من مكان لآخر، لكن في إطار حديثنا هنا، فإنه يقوم بنقل رسالة عصبية، تحمل أوامر معينة من منطقة لأخرى في جهازك العصبي، وتتميز هذه الرسالة بطبيعة كيميائية.
هل يُعد الدوبامين ناقلًا عصبيًا؟
بالطبع! فهو من أهم النواقل العصبية في جسم الإنسان؛ فهو مسؤول عن إطلاق صافرة البداية لتبدأ الأعصاب في الاستجابة تبعًا لأوامره، أو يُطلِق صافرة النهاية فتتوقف عن تلقي رسالته. ولأنه من أعرق النواقل العصبية؛ فهو موجود في الجهاز العصبي لمعظم الكائنات الحية من بداية رحلة التطور مرورًا بمحطة الإنسان.
من المسؤول عن إنتاج الدوبامين؟
يُنتَج الدوبامين من منطقتين هامتين في مخ الإنسان وهم:
- (المادة السوداء – Substantia nigra).
- (المنطقة السقفية البطنية – Ventral Tegmental).
المادة السوداء: عبارة عن شريحة من الأنسجة تقع في الدماغ المتوسطة، وهي مسؤولة عن الحركة والكلام.
المنطقة السقفية البطنية: وهي الجارة العزيزة للمادة السوداء، تقع أيضًا في الدماغ المتوسطة، وهي مسؤولة عن العديد من العمليات الهامة مثل:
- التحفيز
- التفكير
- المشاعر
- الإدمان
أما الدوبامين فيلعب دور الجوكر في كل هذه العمليات. هل تتذكر مشاعرك عند رؤيتك لقطعة بيتزا؟ وعندما خرجت مع صديقك وقررتما الذهاب لتناول المثلجات؟ هل تتذكر كلمة (ممتاز) التي قالها لك معلمك للمرة الأولى وقررت الحصول عليها مرارًا وتكرارًا؟
أنا أعرفه جيدًا لأني شعرت به بعد الانتهاء من كتابة محتوى هذا المقال!
كان هو المؤثر الأول الذي يحفزك للقيام بكل هذا، فلم تكتفِ بقطعة بيتزا واحدة وتناولت الثانية والثالثة حتى أنهيتها، كان هناك مؤشرًا داخليًا يطلب المزيد. يُسمى هذا الدور بتأثير الدوبامين المحفز.
ما علاقة الدوبامين بقائمة إنجاز أعمالك (To-do list)؟
هل تتذكر شعورك عندما قمت بوضع قائمة إنجاز مهام في الصباح، وقمت بإنهاء كم كبير منها في نهاية اليوم؟ ربما كان هناك صوتًا داخليًا يتردد قائلًا «سأقوم بعمل قائمة أخرى غدًا، وسأنجز كل ما فيها هذه المرة!» لا تخف! لم أقم بالتجسس عليك، أنا فقط أعرف من صاحب هذا الشعور، إنه الدوبامين يا صديقي!
يدخل الدوبامين في نظام المكافأة. ولكن ما هو نظام المكافأة هذا؟
هو نظام دماغي يقوم بخلق دافع غريزي لإنجاز شيء ما ليبقيك على قيد الحياة، مثل الأكل والشرب وتكوين العلاقات والنجاح أيضًا.
يلعب الدوبامين دور البطولة في سيناريو المكافأة الدماغي، فهو الناقل العصبي الوحيد الذي يُشعرك بنشوة الإنجاز، ويعطيك شعورًا قويًا بالراحة والسكينة عند إرضاء غريزة ما مثل السابق ذكرهم.
ولكنهم يقولون أن الدوبامين هو هرمون السعادة…!
الدوبامين لا يُعتبر هرمون السعادة، فبعض الناس يفسرون الشعور الذي يحدث لهم عند إنهاء مهمة ما بنجاح أو ربما تناول قطعة من الشيكولاتة -تتبعها المزيد- أنها تشعرهم بالسعادة لأنه هو السبب وراء ذلك! لكن هذا خطأ. الدوبامين هو السعادة الناتجة عن الإنجاز أو الحصول على شيء كنت تريدة بالغريزة. والدليل على ذلك، أنهم بعد مراقبة بعض الأشخاص عند الشعور بالتوتر، مثل الجنود المحاربة، وجدوا هناك نسبة من الدوبامين أيضًا. إذاً فالدوبامين ليس هو سبب السعادة المجرّدة. لكن هل فكرت في البحث عن هرمون السعادة الحقيقي؟
الدوبامين والذاكرة… ما العلاقة؟
ذكرنا سابقًا أن الدوبامين الذي يُفرز من المادة السوداء له علاقة بالذاكرة والكلام، وهذا صحيح، فهو يوجد بكميات متوازنة جدًا؛ حيث أن أي زيادة أو نقصان في نسبة إفرازه يمكنها أن تسبب مشكلة في التعلم والذاكرة. فهو يُعتبر بمثابة (الجندي المجهول) حيث أن وجوده أثناء حدوث حدث معين في حياتك، يُعني أنك ستتذكره جيدًا، وانعدامه يعني عدم قدرتك على تذكر هذا الحدث. وبربط هذا الناقل العصبي مع مبدأ المكافأة الذي ذكرناه في السطور السابقة، يبرز هنا دوره في عملية التعلم، إذا لم تشعر بالحافز الذي يشجعك على التعلم؛ لن يستطيع الدوبامين مساعدتك في ذلك! حيث أن طرق التعلم التقليدية والمملة، تجعل عملية التعلم مفتقرة للحافز؛ فلا يُفرز. وبالتالي فإن تنويع طرق التعلم واتباع الطرق الحديثة المشجعة والتي تُبنى على طرق حل المشكلات، هي الحافز القوي الذي يتصادق مع الدوبامين لينتج علاقة تعلم قوية ومليئة بالإثارة.
إن الدوبامين حقًا رائع، بدأت أشعر بالرغبة في إدمانه!
وهذه هي المشكلة. يرتبط الدوبامين ارتباطًا وثيقًا بالإدمان. هل تعلم أن تأثيره يُعادل تأثير تناول المخدرات؟ بل تلعب المخدرات على طريقة عمله؛ حيث أن مبدأ المكافأة هو المسؤول عن هذه العملية، كلما تعاطيت مخدرًا كلما شعرت بالنشوة كلما طلبت المزيد! وهكذا… إلى أن تصل إلى مرحلة الإدمان الحقيقة.
وهذا ما يحدث في علاقات الحب، حيث أن كل طرف «يُدمن» وجود الطرف الآخر في حياته، فكلما تقرّب كل طرف من الآخر؛ كلما شعر كل واحد منهم بضرورة وجود الآخر في حياته، حتى تتحول العلاقة إلى ضرورة لبقاء الحياة، وحينها يُفرز هذا الناقل العصبي وتبدأ رحلة المعاناة بمجرد انفصال الطرفين لأنها تحولت إلى إدمان.
وفي النهاية…
خلقنا الله في أحسن تقويم، وخلق كل شيء في أجسامنا بمقدار معلوم، لا يصح لنا العبث بهذه المقادير إلا في الحدود المسموحة لنا، إذا قُمنا بالحفاظ على توازن الطبيعة بداخلنا وخارجنا سننعم بحياة مستقرة وهانئة، بل ومليئةً بدوبامين النجاح.
إعداد: Shaimaa Afifi
مراجعة وتصميم: Amira Esmail
المصادر:
(1) http://sc.egyres.com/V6pla
(2) http://sc.egyres.com/XayQL