1ـ هل الفلسفة غير مفيدة؟
فيم تستخدم الفلسفة؟ هذا إذا كان هناك شيئًا تصلح أن تستخدم فيه.
نفتتح سلسلة (هل الفلسفة غير مفيدة؟) بهذا المقال، حيث أن هدفنا هو التذكير بأن الفلسفة لا يجب أن تغيب عن فصولنا الدراسية ولا عن رؤوسنا.
هل الفلسفة حقًا غير مفيدة؟ وهل هي مجرد هواية ليس لها تطبيقات عملية؟
يبدو أن إجابة المشرعين الإسبان على الأسئلة السابقة هي نعم؛ حيث أنهم يرون أن تدريسها كمادة دراسية مضيعة للوقت وأنها ستكون إلزامية فقط في العام الأول من المدرسة الثانوية.
كما أن الدراسة الجامعية للفلسفة لا تسير على نحو جيد، فمعدل البطالة يقترب من (30%)
وبالتالي؛ فدراسة أي مجال دراسة جامعية يتوقف في الغالب على متطلبات سوق العمل.
إزاء هذه الحالة، هل دراسة الفلسفة تستحق العناء أم أنه من الأفضل تخصيص ساعات الدراسة لمواد أُخرى؟
شيء أكبر من مجرد فرصة عمل:
أكدت الفيلسوفة وكاتبة (خارج الفصل-Fuera de clase) (مارينا جارثيس-Marina Garcés) «ليس من المعقول أن تقتصرعلاقتنا بالمعرفة على مجرد تحصيل فرص عمل». ترى مارينا أن الأسئلة من نوعية كيف سنتدرب وفيما سنعمل؟ أسئلة ليس لها إجابة محددة حيث أن عدم توافق ما يُدرس مع التدريب العمي مسألة لا تعرض فقط للفلاسفة.
صرحت (أديلا كورتينا-Adela Cortina) فيلسوفة وأستاذة بجامعة بلنسية: «الجامعة ليست مكان لنشر العلوم المطلوبة فقط لسوق العمل. لا يجب أن يحدد سوق العمل ما يجب وما لا يجب أن يُدرس، فالمعيار يجب أن يكون حاجة المجتمع لبناء مستقبل أكثر إنسانية. إن تزويد الأشخاص والمواطنون بالمعرفة والقدرة على الإبداع لهو المفتاح». علاوة على ذلك، فإن الفلسفة هي علم ضروري، على الرغم من أننا قد نميل لمجالات ومهن أُخرى فقد أوضحت أديلا: «أن الفلسفة تساعدنا على تحديد المغزى من وراء ممارستنا وتحصلينا للعلوم التقنية، فمن دون الإلمام بعلم الفلسفة، قد تُستخدم هذه العلوم إما في المداواة وإما في القتل، إما لدمار دول و أشخاص وإما للقضاء على الفقر وتحقيق المساواة. مما يعني أن الفلسفة تدعونا للتأمل العميق وراء الأهداف والقناعات والتوجهات والذي بدوره يعمل على خلق مجتمع مُتزن».
كما يُفهم من مارينا جارثيس فإن الفلسفة علمٌ جامع وبالتالي؛ فإن الفلسفة تضع مسافة بين ما نعرفه وبين ما لا نعرفه. لذلك نجد أن الفلاسفة يناقشوا أمورًا قد نعتبرها نحن مُسلمات، باحثين عن أي تناقضات. من أجل ذلك، ترى مارينا أن الفلسفة يجب أن تكون مادة أساسية في المدارس الثانوية وحتى في مراحل التعليم الأساسي لأنها (لغة أساسية) لتعلم التفكير النقدي، فلا نستطيع أن نتحدث عن إعداد متكامل للنشأ دون الاعتماد على هذه الوسيلة الأساسية (الفلسفة). ختمت مارينا حديثها قائلةً أن الفلسفة لا تُنعت بأنها مفيدة أو غير مفيدة، بل هي ضرورية.
دليل لفهم الحياة:
واحدة من الانتقادات الشائعة الموجهة للفلسفة هي أنها لا تتطور، فمنذ ألفي عام ظل الفلاسفة يطرحون نفس الأسئلة دون التوصل لنتيجة نهائية. لم علينا متابعة الخوض في تلك الأسئلة؟ هل سنعرف يومًا: ماهي العدالة ولماذا يوجد هناك شيء بدلًا من لا شيء وهل نحن حقًا أحرارًا؟
لكن الحقيقة، كما أوضحت مارينا جارثيس في كتابها (فلسفة غير منتهية- Filosofía inacabada) أننا لا نُكرر نفس الأسئلة وإنما الخطاب الفلسفي ينشغل دائمًا بطرح المشكلات التي بحاجة لصياغة مفاهيم جديدة وليست العلة في ذلك عدم وجود حل وإنما لاختلاف الموقف والسياق التاريخي والاجتماعي والثقافي والسياسي.
على سبيل المثال، في علم الأخلاق حري بنا أن نذكر (بيتر سينجر- Peter Singer) -فيلسوف أخلاقيات استرالي – ومجهوداته المتعلقة بحقوق الحيوان وذلك بسنوات قبل ذيوع الحركات الاجتماعية بهذا الصدد، بالإضافة لدوره في زيادة التبرعات لدول العالم الثالث. ذلك الاهتمام بشأن حقوق الحيوان الذي نلمسه حاليًا بفضل دراسته لهذه المشكلة من وجهة نظر فلسفية وطرحه أسئلة سُبق وطُُرحت على مر التاريخ.
أما فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد، يبرز في جزء كبير من النقاشات السياسية والاقتصادية في العقود الأخيرة أفكار متعلقة ب(العدالة التوزيعية-la justicia distributive) والتي تُنسب إلى (جون راولز- John Rawls) وإجابات (روبرت نيزوك- Robert Nozick) -من خلال عقيدته الليبرالية- بنفس الشأن، وكلاهما من الفلاسفة.
من الضروري أيضًا الإشارة لدور الفلسفة في التفكير في مشاكل جديدة تمامًا كما فعل (جون بوستورم- Nick Bostrom) مع الذكاء الاصطناعي و (بيونج تشول هان-Byung-Chul Han) عندما سأل نفسه كيف تؤثر التكنولوجيا على المجتمع المعاصر؟
مفاد القول، أن الفلسفة ليس شغلها الشاغل طرح أسئلة لا إجابات لها وإنما كما قالت أديلا كورتينا: «تنشغل الفلسفة بطرح أسئلة تُمثلنا نحن كجنس بشري والتي إذا كففنا عن طرحها سنفقد إنسانيتنا». كما صدقت على وجود تطور بالفلسفة فالإجابات المتعددة التي قدمتها الفلسفة من الأفضل معرفتها حتى يتسنى لنا العيش بشكل أفضل. كما أضافت مارينا جارثيس: «التفكير هو نفسه إعادة التفكير لكن دون العودة لنقطة الصفر». فهناك دائمًا حوار مع التقاليد.
وسيلة للديموقراطية:
الفلسفة ليست فقط دليل مقبول لفهم الحياة وإنما كما ذكرت الفيلسوفة (مارثا س. نوسباوم-Martha C. Nussbaum): «العلوم الإنسانية هي أساس الديموقراطية». تمدنا الفلسفة بوسائل التفكير النقدي الذي يتيح لنا مناقشة الأمور المتعلقة بالتقاليد والسلطة. كما فعل سُقراط من قبل عندما أوضح أنه كثيرًا ما نستخدم مصطلحات لسنا على دراية بمعانيها.
بالإضافة لدور الفلسفة فإن لدراسة التاريخ أهمية حيث أنها تتيح لنا الفرصة لمعرفة موقعنا بين دول العالم وعلاقتنا بالثقافات الأخرى، كما أن للأدب والفنون دورًا في تحفيز خيالاتنا لخلق وجهات نظر مختلفة.
هذه العلوم الإنسانية الثلاثة تتداخل وتساعدنا على المشاركة في النقاشات السياسية دون التركيز فقط على كسب نقاط لصالح ما نعتبره (حزبنا). فمثلًا، يمكن أن نبدأ في النظر في القواسم المشتركة المطروحة من الطرف الآخر أو أن أحد الأُطروحات قد سبق وحاولوا تنفيذها.
أما فيما يتعلق بالسؤال، فيما تستخدم الفلسفة؟ أجابنا (كارلوس فيرنانديث ليريا-Carlos Fernández Liria) بأن الديموقراطية تُحتم على المواطنين وضع إرادتهم جانبًا معطيين لأنفسهم الفرصة لكي يفكروا بمنطقية، وهذا يجسد المعنى العميق للنموذج السياسي الشهير لأفلاطون. هذا النموذج المعروف بالملك الفيلسوف. فالمنطق يتيح لنا الفرصة لمناقشة القرارات السياسية التي تكون ضد إرادتنا أو رغباتنا.
يتوجب علينا أن نُذكر بأن الفلسفة ليست مقصورة على الجامعات وإنما -كما كتبت مارينا جارثيس- أن الفلسفة هي عبارة عن التوتر المستمر كالحادث سابقًا بين أكاديمية أفلاطون و (ديوجانس-Diógenes). صحيح أن الفكر الفلسفي يتطلب وجود نظام ومنهج إلا أنه لا بأس بجرعة كبيرة من الفوضى.
ختامًا، تقول أديلا كورتينا: «ليس هناك وجود فعلي لفلاسفة حقيقيين، فالفلاسفة الذين يحصرون أنفسهم في مكاتبهم وقاعتهم الدراسية ويسدون الأبواب والنوافذ ليسوا فلاسفة حقيقيين، بينما يوجد أخرون يؤمنون بأن الفلسفة تولد في المجتمع ولأجل المجتمع ويعملون في كلًا من المحيط الأكاديمي والاجتماعي وهؤلاء هم الفلاسفة الحقيقيون».
ترجمة: رُقية التهامي
مُراجعة: مُحمد فتحي
المصدر: https://verne.elpais.com/verne/2017/01/23/articulo/1485172191_865768.html