من المآدب والموائد الضخمة إلى مجرد توفير قوت اليوم؛ تحاول الدكتورة أليكس بوفوي Alixe Bovey استكشاف الوصفات ومكونات الطعام التي تم طهيها واستخدامها في العصور الوسطى.
كتب الطبيخ في العصور الوسطى
هناك أكثر من خمسين مخطوطة محفوظة تم كتابتها باليد عن فنون الطهي وصناعة الطعام في العصور الوسطى موجودة في مكتبات مختلفة في أرجاء العالم اليوم، بعض هذه المخطوطات تم كتابتها بواسطة حكماء تلك الفترة وبعضها الآخر مخطوطات تحتوي على علاجات طبية استخدم فيها النظام الغذائي بشكل أساسي في طرق العلاج بها وجزء منها ركز في محتواه على أساليب الطعام وأشكاله في الاحتفالات والأعياد الكبرى في تلك الفترة من التاريخ، ولكن الأغلب من هذه المخطوطات احتوت على وصفات وشكل أطباق الطعام في تلك الفترة ولكن اقتصر ذكر أغلب هذه الوصفات على تلك التي كان يتم طهيها في منازل النبلاء والأثرياء دون غيرهم من باقي فئات الشعب.
صورة توضح قيام الملك ريتشارد الثاني بتناول الطعام مع دوقات منطقة يورك، غلوستر وأيرلندا
غذاء الأغنياء والأثرياء
كان النظام الغذائي عند النبلاء والأثرياء يختلف كمًا وكيفًا عمن دونهم من المستويات الإجتماعية الأقل، فقد وفرت لهم الضياع الكبيرة والأملاك الواسعة التي امتلكتها هذه الطبقة الأرستقراطية أنواعًا مختلفة من الطعام الفاخر مثل اللحوم الطازجة أو الأسمالك النهرية بالاضافة إلى أنواع عديدة من الفواكه والخضروات الطازجة، وبناء عليه؛ تمتعت الأطباق التي كان يتم طهيها في قصور هذه الطبقة بنكهة كبيرة ومتنوعة وخاصة إذا أضفنا إلي ذلك كمية التوابل المتوفرة التي تضاف إلى هذه الأطباق مثل الكراوية وجوزة الطيب والزنجبيل والفلفل وغيرها.
وبجانب هذه الأطباق كانت هناك أطباق أخرى معروفة في بلاط الأثرياء استخدم فيها سكر القصب واللوز والفواكة المجففة من التمور والتين والزبيب، ولتعلم عزيزي القارئ أن أغلب هذه السلع من التوابل وغيرها كان يتم استيراداها من خارج البلاد التي تقطنها هذه الفئات الغنية وبأثمان باهظة جدًا حتى أن القصور الملكية وقصور النبلاء كان بها قسم مخصص لجلب التوابل من هذه البلاد والاحتفاظ بها في القصر، أضف إليها استخدام ما يعرف حاليًا بـ “الصلصات الحارة” التي كانت لها شعبية كبيرة في قصور نبلاء العصور الوسطى وكان يًخصص لطبخها طباخين محددين.
الطعام المطبوخ
في تلك الفترة من التاريخ؛ كان طهي الفاكهة والخضروات أمرًا شائعًا دون استخدامها في صورتها الأصلية “الخام”، فقد كان هناك اعتقادًا شائعًا بأن استخدام هذه الأنواع- الفاكهة والخضروات- في شكلها الخام يسبب الأمراض كما ذكر كتاب”The Boke of Kervynge” وهو كتاب مخطوط في فن الطهي تم تدوينه يدويًا في عام 1500م ذكر فيه أحد الطهاة قائلًا: “احذروا من استخدام السلطات الخضراء والفاكهة النيئة لأنها ستكون سببًا في جعل سيدكم مريضًا”.
مخطوطة تصف أنواع الطعام محفوظة في المكتبة البريطانية
الولائم وموائد الطعام العادي
كانت مآدب وموائد الطعام التي يتم تحضيرها في الأعياد الكبرى تحتوي على أطباق مذهلة ومختلفة من الأذواق فقد كانت هذه الاحتفالات فرصة هامة للنبلاء لإظهار مدى ثراءهم وإبراز مكانتهم الإجتماعية في شكل أنواع الطعام التي تشهدها قصورهم وخاصة أنواع الحلوى والفطائر وأنواع اللحوم من طعام الطواويس والأسمالك وخنازير البحر والحيتان الصغيرة، أضف إلى ذلك استخدام الزعفران وخشب الصندل الأحمر للحصول على اللون الأصفر المستخدم في صبغ الأطعمة، ولكن أكثر الأطباق إغراءً على هذه الموائد هي التي عًرفت باسم” تماثيل السكر أو منحوتات السكر” أو التي عُرفت آنذاك بمسمى (السوتيلتس sotiltees) وهي عبارة عن تماثيل حلوى من السكر تم نحتها على هيئة أشكال مختلفة وغريبة مثل السفن والقلاع ونحت سكري لفلاسفة مشهورين وبعض صور خرافات ذلك العصر، ووصف هذه الأطباق بأنها أطباق خاصة متفردة يحظر تناولها أثناء تناول الطعام العادي لذا تم تخصيص مائدة خاصة بها وباقي الحلويات على عكس ما يتم هذه الأيام من مشاركة الحلويات والأطعمة الرئيسية على نفس المائدة، ولقيمتها الكبيرة؛ كانت أطباق النحت هذه يمكن تخصيصها كمجاملة لبعض الشخصيات.
إحدى صفحات كتاب “the boke of kokery”
وجبات الفقراء
أما أولئك الذين كانوا يعيشون أسفل الهرم الإجتماعي وهم الفقراء وعامة الشعب كان غذائهم أقل إثارة للإعجاب عن الأغنياء، فقد كان من الصعب أن يشمل طعامهم اللحوم الطازجة أو الأسماك (رغم أن بعضهم كان يعتمد على الأسماك بشكل أساسي وهم ساكني السواحل)، واقتصر أغلب طعامهم على الأطعمة المحفوظة التي يتم تمليحها أو تخليلها بعد موسم الذبح أو الحصاد مثل لحم الخنزير المقدد والرنجة المخللة وبعض الفواكة المحفوظة، ويلاحظ تفضيل هذه الطبقة للحوم الخنازير عن لحوم البقر والأغنام التي فضل الفقراء الاحتفاظ بها لأنها كانت موردًا هامًا لبعض احتياجاتهم من المأكل والمشرب مثل اللبن والجبن وخيثارة اللبن التي تُعرف حاليًا باسم الرائب.
وعلى الرغم من هذا التباين والاختلاف بين أطباق الأغنياء والفقراء إلا أن كلاهما كان يتناول وجبة معروفة تُسمى بـ “بوتاج” وهي عبارة عن حساء سميك يحتوي على بعض اللحوم والخضروات والنخالة وكانت هذه المكونات هي الطبق الفاخر منه و يُسمى “الميرتو”، أما البوتاج العادي فقد كان حشو الحساء فيه من حبوب Frumently وهو خليط من القمح والحليب والمرق، أما الخبز فقد كان متاحًا لجميع الطبقات الإجتماعية ولكن اختلفت جودته وسعره تبعًا لنوع الحبوب المستخدمة في صناعته، وكان بعض الناس يستخدمونه كوجبة أساسية في الطعام بعد إعداده بشكل مختلف يكون فيه الخبز عبارة عن شرائح سميكة ولكنها مجوفة لذا أطلق عليه خبز الخندق لتجويفه وسمكه، وقد تم استعماله بشكل كبير كطبق أساسي في الطعام عند الطبقات الدنيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة: عمر بكر
المصدر:
https://www.bl.uk/the-middle-ages/articles/the-medieval-diet#authorBlock1