هل اختارت عائلتك مكان المصيف لهذا العام؟ يؤسفني أنَّكم ستمحوا جزيرة (هاواي – Hawaii) من القائمة، وتذهبوا للأسكندرية مثلًا؛ لأن هاواي أفسدت خططتك لكسب السُمرة الصيفية (summer tan)، عندما منعت -تلك الجنة على الأرض- السائحين من استخدام كريمات الحماية من الشمس. هل تريد أنْ تعلم السبب؟ لأنَّ هاواي تفضل مصلحة الأحياء المائية على راحتك الشخصية.
هل تبدو مركبات (الأوكْسِي بَنْزُون – Oxybenzone) والـ (octinoxate) مألوفةً لك؟ كيف لا؟ لقد استخدمتها كثيرًا، بل ومسحتها على وجهك أكثر من مرة؛ هذا لأنها من أهم المركبات الداخلة في صناعة كريمات الحماية من الشمس.
تقينا هذه المركبات من الحروق، أو حتى السرطانات التي قد تسببها أشعة الشمس؛ عن طريق امتصاص الأشعة الفوق بنفسجية الضارة قبل أنْ تصل إلى الجلد…يبدو هذا مغريًا، بل بطوليًا، لكنَّها في نفس الوقت تُبيد حياة الشعاب المرجانية؛ فهي توقف نموها وتفقدها صبغتها، بل وتدمر تركيب الـ(DNA) الخاص بها، وبالتالي لن تستطيع التكاثر، مسببةً أضرارًا يصعب علاجها.
ضارة للحد الذي يمنعني من استخدامها؟
تعتقد أنْ الأمر مبالغ فيه؟ لا ينبغي أنْ تقتل تلك المسحة على وجهي مستعمراتٍ مرجانية، أو تهدم نظمًا بيئية (layer of lotion into the ocean)، لكن إذا حسبنا ما يُغسَل عن جميعَ الزوار، فإنه يُضيف للمحيط في بقعة سياحية واحدة 4 كيلوجرامات من الجسيمات المعدنية النانوية، لكل يوم.
دعني أشرح لك بالتفصيل: عندما تُغسل مركبات (الأوكْسِي بَنْزُون – Oxybenzone) والـ(octinoxate) عن الجسم، وتنتشر في الماء، فإنها تتفاعل معه مكونةً مركب (بيروكسيد الهيدروجين – Hydrogen peroxide)، وهو عامل مؤكسد يهدد نمو الكائنات الدقيقة البحرية، والتي تسمى بالعوالق النباتية (Phytoplankton).
ألم تدرك الكارثة بعد؟ إنَّ العوالق النباتية تمثل قاعدة سلسلة الغذاء البحري، وبالرغم من صغر حجمها -مجهرية الحجم- إلا أنَّ جميع الكائنات البحرية، باختلاف أحجماها وأنواعها، تعتمد عليها في الغذاء، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فلو خسرنا العوالق النباتية؛ ستهلك الأسماك والطحالب وقنافذ البحر، وحتى الثدييات المائية بالمقابل تدريجيًا.
وتشير دراسة أُخرى إلى أنَّ بعض المكونات الداخلة في تركيب كريمات الحماية من الشمس، تَنْشُر عدوى فيروسية بين المرجان، مما يخلف فرصًا أكثر لتبييضه.
خسارة للسياحة في هاواي؟
هل تستوعب ماذا سنخسر لو ماتت الشعاب المرجانية؟ ليس فقط ألوانها المبهجة، بل سنخسر الحياة على الكوكب تدريجيًا.
تدل الألوان الزاهية للشعاب المرجانية على صحة المستعمرة؛ فهي تعيش في علاقة تكافلية مع طحلب (الزوزانتلي – zooanthellae) الصغير، والذي يَمدُّها بالغذاء والأكسجين، وتقدم له المسكن بالمقابل، لكن إذا ساءت الظروف المحيطة: كأن ترتفع درجة حرارة الماء، أو تزيد حموضته، يغادر طحلب (الزوزانتلي) المستعمرة باحثًا عن ظروف أكثر ملائمةً، فلا يحرمها مصدر غذائها فحسب، بل وألوانها الزاهية أيضًا.
تُسمى هذه بظاهرة بياض المرجان (coral bleaching)، ويُستدل بها على تدهور الأحوال البيئية في هذه المنطقة، بالتبعية عندما تموت الشعاب المرجانية، تَنقُص نسبة الأكسجين في المياه، فالشعاب المرجانية تقوم بالبناء الضوئي، مما يعني موت الأسماك، والحيتان، والسلاحف.
أي خلل يحدث في النظام البيئي البحري، يعد كارثة لبقية النُظم البيئية؛ لأن 70% من الأكسجين في الهواء الجوي -الذي نتنفسه نحن- قادم من البناء الضوئي في المحيطات! نعم أنت تدين بأنفاسك لتلك العوالق النباتية والنباتات البحرية وعشب البحر، وعندما تنقص نسبة الأكسجين وتموت المملكة النباتية من المحيطات، سنفقد البَلايين من البشر.
مما سيعني بالطبع خسارة للسياحة في هاواي.
هل لازلت تعتقد أن الأمر مبالغ فيه؟ وأنه بعيدٌ عن الحدوث على أرض الواقع؟
في السبعينيّات، كانت الشعاب المرجانية تغطي 50% من جزر الكاريبي، لكنها الآن انحسرت لـ 8% فقط.
ولمّا وعت أستراليا لهذا الخطر غدت تنفق حاليًا 500 مليون دولار لإنقاذ الحاجز المرجاني العظيم (the Great Barrier Reef)، والذي يعد موطنًا لأكثر من 600 نوع من الشعاب المرجانية -والذي يعتبر أكبر تجمع حيوي على الأرض- ماتت نصف الشعاب المرجانية في الفترة من 2016 وإلى 2017.
نعم، الأمر قريب، ويحدث على أرض الواقع، ويمسّ بالهواء الذي تتنفسه.
وما البديل؟
هل نستغنى عن استخدام كريمات الحماية من الشمس؟ لكن ماذا عن الحروق والسرطانات التي قد تنجم عن الأشعة الضارة؟ يدخل مركب الـ(octinoxate) في أكثر من 3500 نوع من الكريمات، أي من 40 – 70% من محتوى الكريمات التي تُقَدم لنا نحن مرتادو الشواطئ، ومن هنا لن يسري قانون ولاية هاواي الأمريكية -الذي وقعَهُ حاكمها- إلاا اِعتبارًا من 1يناير 2021، مما يترك الكثير من الوقت للشركات المُصنّعة لتجد بدائل صديقة للبيئة.
1- النباتات مثلًا؟ إنها تقوم بعملية البناء الضوئي منذ ملايين السنين. لماذا لم تحترق؟ أو تُصاب بأضرار الأشعة فوق البنفسجية؟ لأنها تفرز مواد طبيعية تحجب الأشعة الشمسية: مثل مادة ال(Shinorine) التي تفرزها البكتيريا الزرقاء (Cyanobacteria) بنفسها، وبالمناسبة توجد هذه المادة في منتجات الحماية من الشمس بالفعل، فهل يمكننا أنْ نكتفي بها؟
2- حماية مادية لا كيميائية: في التسعينيات، وقبل انتشار الكريمات التي تحتوي على مواد طبيعية، كانت هناك كريمات بها عناصر معدنية مثل: أكسيد الزنك، وثاني أكسيد التايتنيوم تعمل كحاجز مادي يحجب عنا أشعة الشمس. تذكر أن الكريمات الحالية تعتمد على امتصاص أشعة الشمس الفوق بنفسجية قبل أنْ تصل للجلد.
عظيم! إذًا لماذا استغنينا عنها؟ لأنها كانت تشكل بقعة بيضاء لا تذوب بسهولة. كان الأطفال يشعرون بالإحراج حين تضعها لهم أمهاتهم، فتصبح لديهم أُنوفٌ بيضاء.
خاتمة
ليست كريمات الحماية من الشمس فقط ما يهدد ازدهار الشعاب المرجانية، بل هناك العديد من العوامل الأخرى والتي منها: الاحتباس الحراري والصيد المفرط للأسماك من أجل الاستغلال التجاري والتلوث خاصةً الناتج عن المخلفات الزراعية، ومياه الصرف الغير معالج، والعديد من العوامل الأخرى التي تهدد مستقبل تلك المستعمرات.
هذا هو سحر النظام البيئي إذا فُقِد عنصر منه -مثل الشعاب المرجانية مثلًا- فسوف ينهار النظام كاملًا، ولن يَسقُط وحده، فسرعان ما ستتداعي بقية الأنظمة البيئية خلفه.
عرضنا لهذه المشكلة، ما هو إلا لنشجعكم على المبادرة الفردية، أنت بنفسك تستطيع إنقاذ ليس فقط حياة الشعاب المرجانية وحسب بل وربما النظم البيئية كافة.
المصدر
ترجمة: أمنية يوسف فرج
تدقيق لغوي: محمود الدعوشي
تحرير: زياد الشامي