لقد خُلقنا بحاجة إلى مكافآت فورية، حتى لو ليس من الحكيم فعل ذلك.
يُعبر المصطلح الاقتصادي (الزمن المرجعي أو التفضيل الزمني- time reference) عن أهمية الموازنة بين النتائج المستقبلية بالنسبة للنتائج الحالية، لكن هناك 10 أسباب تُفسر انصباب اهتمام الناس بالنتائج الحالية فضلًا عن النتائج المستقبلية، ولماذا ما يُعد غالبًا من الخطأ فعل ذلك.
- رغبة في تجنب تأخر المكافآت والمٌتع
بصفة عامة يرتبط إنكار الذات بعدم الراحة النفسية، لذلك يجب أن نُقّر أننا نريد الأشياء الآن وليس لاحقًا، فمن منظور تطوري فإن غريزتنا هي تحصيل المُتع والمكافآت على الفور كلما سنحت الفرصة لذلك، ومن الصعب مقاومة هذه الغريزة حيث منح التطور البشر والحيوانات رغبة قوية في المكافآت السريعة والفورية، ففي عصور ما قبل التاريخ كان في البيئات البشرية توافر الطعام شيء غير مؤكد لذا اقتضت الضرورة التطورية على كلًا من الإنسان والحيوان أن تتكون لديهم النزعة لتحصيل المكافئة الصغيرة الفورية بدلًا من تلك الأكبر لكن بعد فترة من الزمن، مما مكنهم من البقاء على قيد الحياة والتكاثر.
- الشك
نتعلم مدى حياتنا ألا نثق بالآخرين عندما يتعلق الأمر بإيفائهم لما وعودوا به مستقبلًا، قد تلعب أشياء أخرى دورًا في قدرة المرء على مقاومة تأخر إشباعه لمُتعه الفورية (علي سبيل المثال: الشعور بالعجز الكلي)، وببساطة تؤثر المدة القصيرة وعدم اليقين في الحياة على مرجعتنا المتعلقة بالوقت، فالصحة السيئة خاصةً تعتبر مؤشرًا قويًا للوفيات، فبالتالي تزيد من الشك وعدم اليقين بشأن ما إذا كان سيتم تلقي هذه المُتع والمكافآت في المستقبل أم لا.
- العمر
يميل الشباب عامةً لأن يكونوا مندفعين نحو رغباتهم وغرائزهم، فالخبرات الحياتية التي تحمل العديد من الدروس عن فكرة الزمن هي التي يمكن أن تُغير من المرجعية الزمنية التي يتخذها الفرد، فعلى سبيل المثال، فإن فقد أحد الأشخاص المقربين قد يشجع الشباب على التفكير في مستقبلهم الطويل الأجل، وأكثر تركيزًا عليه. وقال مارك توين ذات مرة “إن الحياة ستكون أكثر سعادة بشكل لا مُتناهي لو كان بإمكاننا أن نولد في سن ال80 ونقترب تدريجيًا لسن 18.” (ويمثل فيلم الحالة الغريبة لبنيامين بوتين The Curious Case of Benjamin Button، مثال درامي لفكرة الشيخوخة إلى الوراء).
- الخيال
إن مقاومة مكافأة فورية لصالح مكافأة طويلة المدى يتطلب القدرة على تصور المستقبل بشكل جيد، ووجود رؤية حية له، وهذه علامة تدل على النضج الاجتماعي عند الشباب، وقد يلعب التعليم في إنارة الأشخاص فيما يتعلق بقيمة المكافآت الفورية مقابل المكافآت بعيدة الأجل، كما أن قضاء بعض الوقت مع آبائنا قد يساعد في تذكيرنا بما ستكون احتياجاتنا عند وصولنا لنفس السن
- الذكاء والقدرات الإدراكية
يرتبط الذكاء العالي بالميل أكثر للتركيز على المستقبل، حيث يرتكز التخطيط للمستقبل على الدماغ التنفيذي الذي بدوره يرتبط بالذكاء من خلال وظيفة القشرة الجبهية في المخ، حيث يميل الأطفال ذوي القدرات العقلية العالية لكونهم الأفضل في تحويل انتباههم بعيدًا عن الجانب العاطفي للمكافآت، وهذا قد يفسر أيضًا لما الأفراد ذوي الذكاء الأقل نسبيًا يمتلكون مستويات أدنى من الأصول المالية، ويواجهون صعوبات مالية بشكل أكبر.
- الفقر
فالفقر وضغط الاحتياجات الحالية قد يعمي الشخص عن احتياجات المستقبل، مما يؤدي بالضرورة إلى التركيز أكثر على الحاضر.
- الاندفاع
فالذين يملكون شخصية متهورة ببساطة أكثر عرضة لأن في مزاج عفوي أغلب الوقت بدون التخطيط او معرفة عواقب الأفعال الحالية، وإظهار العدائية تجاه أي تأخير لإشباع رغباتهم فوريًا، وايضًا هم في خطر أكبر لبعض المشاكل مثل تعادي المخدرات والسمنة.
- الانضباط العاطفي
يرتبط مصطلح (التفضيل الزمني) ارتباطًا وثيقًا بالبيئة العاطفية مع نمو الطفل خلال مراحل طفولته المبكرة، فعادة ما يكوّن أطفال الآباء العاجزين عن الاستجابة أو غير المستجيبين قدرة ضعيفة لمقاومة وتأخير الاستجابة الفورية لرغباتهم، كما أن الأزمات العاطفية تؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة.
- أهمية المزاج
يتغير إحساسنا بالوقت بتغير الحالة المزاجية لنا، فيبدو كأن الوقت يمرّ ببطء شديد عندما يكون الدرس مملًا، ولكن يمرّ بسرعة عندما تكون مع شخص تحبه، كما في القول المأثور (أن الوقت يطير عندما نلهو)، وقد ثبت تجريبيًا أيضًا أن الأفراد في حالة الحنين والحزن يمر بهم الوقت ببطء.
- التنبؤ
يميل لناس عموما إلى اشتقاق المتعة من تنبؤ الأشياء الجيدة، والانزعاج من تنبؤ الأشياء السيئة، فالتجارب الممتعة مثل الإجازات أو المواعيد الغرامية يتم تأخيرها عمدًا للتخطيط لها جيدًا لفترة من الزمن، بحيث يُمكن الاستمتاع بها، ومن ناحية أخرى فإن الرغبة لتقليل رهبة التجارب السيئة (مثل موعد مع طبيب الأسنان مثلا) فيميل الناس لفعلها في وقت سابق وليس لاحق، مثل تفضيل الناس لدفع تذاكر وقوف السيارة على الفور بدلَا من تأجيل الدفع لاحقًا.
تختلف تفضيلات الناس من الطعام، فبعض الناس يفضلون نكهة الفانيليا وأخرون يحبون الشكولاتة، فإنهم ايضًا ليس لديهم نفس القدرة على الصبر، وكذلك تختلف التفضيلات الزمنية لهم، فبعض الناس يفضلون الحاضر والبعض الأخر المستقبل،
كطالب قرر الذهاب لكلية الطب وأن يصبح طبيبًا، و آخر آثر تحقيق مكاسب فورية من خلال الذهاب للمدرسة التجارية، يمكن أن يكون الاهتمام بالمستقبل أقل من الحاضر عقلانيًا، مع ذلك كما لاحظ الفيلسوف (جون إلستر- Jon Elster) أن العقلانية لا تعني الحكمة بالضرورة وتختلف عنها، حيث يُعرف الحكمة على إنها القدرة على اتخاذ القرارات من أجل تحسين رفاهية المرء وسلامته.
ترجمة: إيمان محمود
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح