تتزايد أعداد الولادة القيصريّة بشكل جنونيّ حول العالم، ويحذّر خبراءُ الصحة العامة من أنّ هذا يُعدّ بمثابة جرسِ إنذار.
في الوقت الذي تشير فيه التجارب الحياتيّة إلى أنّ عمليّة الولادة القيصريّة تُعدّ بلا شك مُنقذةً للحياة، فإنّ سلسلةً جديدة مكوّنة من ثلاثة أبحاث تكشف أنّه يتمّ اللجوء إليها بشكلٍ مفرط وخطير في الدول صاحبة الطبقات ذات الدخل المتوسّط والمرتفع.
وعند تحليل مؤشّرات الولادة حول العالم كشفَ البحثُ أنّ معدّل الخضوع للعمليات القيصريّة قد تضاعف مع بداية القرن الواحد والعشرين، ليزداد من 12% عام 2000 إلى 21% عام 2015. وإذا لم يتمّ أخذ هذه الأرقام على محمل الجدّ، فسوف تستمرُّ في الزيادة، وهذا سيعرّضُ السيّدات والأطفال لأخطار غير ضروريّة بتاتاً. وقد علّق مارلين تيميرمان الباحثُ الرئيس للسلسلة البحثيّة وأستاذُ طبّ النساء في جامعة أجاخان بكينيا وجامعة جينت في بلجيكا قائلاً:
«إنّ الحملَ والولادة عمليّتان طبيعيّتان، وتتمّان بشكلٍ آمن في أغلب الحالات».
ويضيف:
«زيادةُ اللجوء إلى العمليات القيصريّة يثير القلق؛ ﻷنّه محفوفٌ بالأخطار على النساء والأطفال».
تُعدّ العمليات القيصريّة في غاية الأهميّة عند ظهور مضاعفاتٍ أثناء الولادة، مثل النزيف واضطراب وضع الجنين. لكن مثلها كمثل أيّ عمليةٍ جراحية؛ يأتي النفعُ محفوفاً بالأخطار.
تُعدّ عمليّة الاستشفاء بعد الولادة القيصريّة أكثر تعقيداً، وتستغرق وقتاً أطول بالمقارنة مع الولادة الطبيعيّة. وقد أشارت بعض الدراسات إلى زيادة خطر الوفاة بنسبة 60% في الولادة القيصريّة مقارنةً بالولادة الطبيعيّة، وقد تصل إلى 700% في بعض الأحيان.
كما تزداد فرصةُ حدوث مضاعفات مثل النزيف، والحملِ خارج الرحم، ووفاةِ الجنين في الولادة التالية لكلّ عمليةٍ قيصريّة. تقول جين ساندال الخبيرةُ في مجال صحّة الأمومة والطفولة بكلية الملك في لندن:
«الجراحةُ القيصريّة هي أحد الجراحات الكبيرة التي تحمل الكثير من الأخطار الواجب أخذها في الاعتبار».
وتستأنف جين حديثها قائلةً:
«إنّ زيادة اللجوء إلى هذه الجراحة لأسبابٍ غير طبيّة يأتي محفوفاً بالأخطار التي من السهل تفاديها، لذلك نفضّلُ استخدامَ الجراحة القيصريّة عند الحاجة الطبيّة فقط».
يجب أن نقلّل من هذه الجراحات، إذ تشيرُ تقديراتُ منظّمة الصحّة العالميّة إلى أنّ حالات الولادة المُلزِمة طبيّاً بالخضوع للجراحة القيصريّة هي ما بين 10 و 15% فقط، ولا شيء غير ذلك يقلّلُ من معدّلات وفاة الجنين والمولود.
لكن للأسف فشلت -حتّى يومنا هذا- العديدُ من الدول في اتّباع هذه الإرشادات.
وعلى الرغم من إشارة الأبحاث إلى أنّ 25% من الدول تقلّل من اللجوء إلى الجراحة القيصريّة، إلا أنّه لا زال هناك 60% أخرى تُفرِط في استخدامها.
يزداد معدّل العمليات القيصريّة في كلٍّ من أمريكا الشمالية وأوروبا الغربيّة وأمريكا اللاتينيّة والكاريبي بمعدّل 2% كلّ عام على مدى آخر 15 عاماً. وتفوقُ في بعض المناطق الأخرى أعدادَ الولادة الطبيعيّة، فالصين والبرازيل تحديداً تملكان أعلى معدّلات الولادة القيصريّة غير الضروريّة.
ولنكونَ واضحين فإنّ جزءاً من هذا الاهتمام الزائد بالجراحة القيصريّة يأتي نتيجةً لاختلاف الدخلِ والوصولِ للخدمات الصحيّة.
في الطبقة ذات الدخل المرتفع تملكُ المرأة حريّةَ الاختيار بين الجراحة القيصريّة والولادة الطبيعيّة، ويأتي ذلك نتيجةً لأسباب متعدّدة مثل الخوفِ من الولادة الطبيعية أو تأثّرِ قاع الحوض والوظيفة الجنسيّة.
أما عن ذوي الدخل المتوسّط والمنخفض، فقد اتّضح للباحثين أنّ فرصةَ خضوعهم للجراحة القيصريّة أقلّ بستّ مرات من ذوي الدخل المرتفع، ممّا يشير إلى أنّ للمال دوراً في اتّخاذ هذا القرار غير الطبيّ.
ويملك بعض المنتسبين للمهن الطبية حافزاً ماليّاً قوياً لدفع السيّدات للجراحة، علماً بأنّه لا تتمّ مقاضاتُهم بعد قرار الجراحة القيصريّة المبنيّ على الاختيار وليس على الحالة الطبيّة. وقد علّقت آنا بيلار بيتران خبيرةُ الصحّة العامة والولادة في منظّمة الصحّة العالميّة قائلةً:
«على الرغم من الإجماع الدوليّ على أنّ العمليات القيصريّة قد فاقت المستوى الطبيعيّ في العديد من الدول، إلا أنّ التدخّلات الفعّالة لتنظيم اللجوء إلى هذه الجراحة تُعتبر بعيدة المنال».
وفي الوقت الراهن نشرت منظّمة الصحّة العالميّة دليلاً إرشاديّاً إلى جانب سلسلة الأبحاث التي استكشفت وسائل الحدّ من الاستخدام غير الضروريّ للجراحة القيصريّة، ومن ضمنها الوسائل التعليميّة للسيدات والعائلات، والإرشادات السريريّة، وترشيحات للأبحاث المستقبليّة.
لكن حتى هذه الإرشادات تُعدّ مثيرةً للجدل في بعض الأحيان، خاصّةً عندما تتعارض مع حقّ الأمّ في اتّخاذ قرارها الشخصيّ بشأن جسدها.
لذلك على الرغم من أنّ السلسلة البحثيّة لم تشرْ إلى أنّ قرار النساء من مسبّبات اللجوء المفرط إلى الولادات القيصريّة، إلا أنّه يجب مراعاة حقوق النساء في اختيار مصائرهم في عمليّة الولادة.
تمّ نشر السلسلة المذكورة في مجلة The Lancet
وتمّت ترجمة هذا المقال من ScienceAlert
ترجمة: أيمن النحراوي
مراجعة علمية وتحرير: نسمة المحمدي
تدقيق لغوي: رؤى زيات
تحرير: نسمة محمود