لا زال البحث جاري ولا زال العلماء يقومون بمحاولات للتعرف على طبيعة المكون السريّ للكون وماهيته، آملين من الحظ أن يحالفهم يومًا ليكتشفوا سر تلك المادة الخفية. وخاصةً أنَّ المادة المظلمة غير مرئية ولا تتفاعل مع أي شيء. ولكن يعتقد أنَّها الأكثر انتشارًا عبر الكون من المادة العادية.
وتبعًا لتلك النظرية فإنَّ مليارات من جسيمات المادة المظلمة تمر بالأرض كل ثانية، لكن لا نستطيع ملاحظتهم لأنهم يتفاعلون مع المادة العادية تفاعلًأ ضعيفًا، عبر الجاذبية فقط. لذا قام الباحثون باختبار نموذج بدائي لراديو يمكنه سماع نغمة جسيمات المادة المظلمة الغامضة، وسيتم البحث عن «موجات المادة المظلمة» باستخدام ما يسمى «راديو المادة المظلمة».
يأمل الباحثون أن يكتشفوا طبيعة جسيمات المادة المظلمة باستخدام كواشف ضخمة تحت الأرض، حيث يلتقطوا إشارات من جسيمات المادة المظلمة أثناء اصطدامها بمادة الكاشف. ومع ذلك فستنجح تلك الطريقة فقط إذا كانت جسيمات المادة المظلمة ثقيلة كفاية لتحدث طاقة تصادم قابلة للقياس.
يقول عالم الفيزياء النظرية (بيتر جراهام) من معهد كافلي للجسيمات الفلكية والكونيات، وهو معهد مشترك مع جامعة ستانفورد وقسم الطاقة ومعمل مسرع الجسيمات (سلاك)،:
«إذا كانت جسيمات المادة المظلمة خفيفة جدًا، فالاحتمال الأكبر أنه سيتم اكتشافها كموجات وليس كجسيمات، وجهازنا سيتولى البحث في ذلك الاتجاه».
يعتمد راديو المادة المظلمة على مفهوم غريب في ميكانيكا الكم يسمى (الطبيعة المزدوجة للجسيمات). وينص على أنَّ كل جسيم يمكن أن يسلك سلوكًا مزدوجًا، سلوك جسيم أو سلوك الموجة. فالفوتون على سبيل المثال هو جسيم أساسي لا كتلة له ويحمل القوة الكهرومغناطيسية. فالإشعاع الكهرومغناطيسي والضوء ما هم إلا حزمة متدفقة من الفوتونات التي يمكن وصفها كموجات بما في ذلك موجات الراديو.
وستكون مهمة راديو المادة المظلمة هي البحث عن موجات المادة المظلمة. فمن الممكن أن يكتشف (الفوتونات الخفية)، وهي جسيمات افتراضية شبيهة بالفوتونات لكن كتلتها صغيرة، أو يكتشف الأكسيونات التي يعتقد العلماء أنه يمكن إنتاجها من الضوء في وجود مجال مغناطيسي.
ويقول سابتارشي شودهوري طالب بالسنة النهائية في جامعة ستانفورد:
«إنَّ البحث عن الفوتونات الخفية سيبقى منطقة غير معروفة تمامًا، أمَّا بالنسبة للأكسيونات فراديو الطاقة المظلمة سوف يسد الثغرات في التجارب الحالية».
التقاط ذبذبات المادة المظلمة
يلتقط الراديو العادي موجات الراديو باستخدام الهوائيّ ومن ثَمّ يحولها إلى صوت، تعتمد الفكرة كما تبدو على محطة الإذاعة، فالمستمع يختار محطة ما بتعديل دائرة كهربائية تتذبذب فيها الكهرباء بتردد رنيني معين، وإذا تطابق التردد المختار مع تردد المحطة -رنين-، يمكن حينها للمستمع أن يسمع البث. يعمل راديو المادة المظلمة بنفس الطريقة حيث توجد دائرة كهربية في مركزه يمكن تعديل ترددها، إلى أن يصبح تردد الجهاز يماثل تردد موجة جسيم المادة المظلمة، وبمعرفة ذلك التردد سيستطيع العلماء معرفة كتلة المادة المظلمة.
تعتمد الفكرة على التحرك ببطء خلال ترددات مختلفة كما لو كان قرص راديو تتم إدارته من أوله لآخره. ويتوقع العلماء أنَّ الإشارة الكهربية للمادة المظلمة ستكون ضعيفة جدًا.
يشارك جراهام مع فريق من باحثي (كيباك)، قائد الفريق هو كينت إرفين. حيث يعمل فريق إرفين على تطوير أجهزة تقيس شدة المجال المغناطيسي المعروفة بأجهزة (التداخل الكمي فائق التوصيل)، اختصارًا (SQUIDs). والذي سيعمل مع أجهزة مُكَبِّرَة للإشارات الضعيفة للبحث عن أي إشارات محتملة.
سيبحث راديو المادة المظلمة عن جسيمات تتراوح كتلتها بين واحد على تريليون إلى واحد على مليون من الإلكترون فولت -واحد إلكترون فولت يساوي بليون مرة كتلة البروتون- مما يمثل مشكلة كون ذلك المدى من الكيلو هيرتز إلى الجيجا هيرتز يحتوي على ترددات تستخدمها محطات البث. يقول إرفين:
«تعد حماية الراديو من الإشعاع غير المرغوب فيه شيء مهم وصعب للغاية، وفي الحقيقة نحتاج إلى العديد من الطبقات السميكة من النحاس لكي يتم ذلك، ولحسن الحظ يمكننا تحقيق ذلك باستخدام طبقة رقيقة من معدن فائق التوصيل».
من مميزات راديو المادة المظلمة أنه لا يحتاج للحماية من الأشعة الكونية، وهناك ميزة أخرى أنه يمكن تشغيله حتى في قبو الجامعة على عكس التجارب المباشرة التي يجب أن تجرى في أعماق الأرض لحجز الجسيمات الساقطة من الفضاء، ويختبر الباحثون الآن نموذج مُصغر يمكنه العمل على مدى صغير من الترددات، إلى أن يتم تشغيل جهازين واحد في جامعة ستانفورد والآخر في (SLAC).
يقول آران فيبسوهو باحث في المشروع:
«هذا العلم جديد ومثير، ومن العظيم أن يكون باستطاعتنا اختبار مفهوم جديد لاكتشاف الجسيمات باستخدام جهاز قليل التكاليف نسبيًا ومخاطره أقل».
واليوم يخطو الباحثون عن المادة المظلمة أولى خطواتهم آملين أن يكملوا بحثهم عن المادة المظلمة في السنوات المقبلة منتظرين المزيد من النتائج المستقبلية، فهل سيحالفهم التوفيق؟
ترجمة: بسمة خالد
المصدر: