عوامل الحفز

IMG_20170907_113348

هل تستمتع بعروض خفة اليد المعروضة على التلفاز؟ هل يُبهرك إخراج ذلك الساحر أرنبًا من قبعته الفارغة صغيرة الحجم؟ وتتسائل كيف بإمكانه فعل ذلك؟ حسنًا؛ إذا كانت إجابتك هي نعم؛ فدعني أُخبرك أن الكيميائيين ينبهرون مثلك تمامًا، ولكنهم يمتلكون ساحرهم الخاص؛ إنه العامل الحفاز، فهل تُريد رؤية العرض؟

ما هي عوامل الحفز؟

ببساطة؛ العامل الحفاز هو المادة التي تزيد من معدل التفاعل الكيميائي دون أن تُساهم في هذا التفاعل أو تشارك فيه. وهي تتواجد في حالات المادة الثلاث؛ الصلبة، والسائلة، والغازية. بالنسبة لصورتها الصلبة؛ فإن معظم المحفزات في هذه الحالة تكون أكاسيد أو كبريتيدات أو هاليدات العناصر الفلزية أو أشباه الفلزات، كما أن بعضها يتفرع إلى مواد أُخرى تعرف ب( المواد الحفازة الداعمة catalyst supports)، وتعتبر تفاعلات المواد الحفازة الصلبة هي أكثرها تعقيدًا؛ حيث تعتمد على خصائص سطح العامل الحفاز مثل هيكله البلوري والإلكتروني، أما في حالتها السائلة والغازية فعادةً ما تُستخدم في صورتها النقية أو مخلوطة ببعض المذيبات.
إلى حد كبير جدًا، تتباين أشكال تفاعل المواد الحفازة مع المتفاعلات، على سبيل المثال لا الحصر؛ تفاعلات الأحماض مع القلويات (acid-base reactions)، وتفاعلات الأكسدة والاختزال (oxidation-reduction reactions)، وهي تفاعلات تعتمد في كثير من الأحيان على عوامل حفازة.

ولكن كيف تعمل؟

إن ميكانيكية عمل العامل الحفاز  بكل بساطة عبارة عن تفاعل كيميائي بين المحفز نفسه وأحد المتفاعلات الداخلة في التفاعل الرئيسي، ينتج عنه مركب وسطي قادر على التفاعل بصورة أسرع مع جزيء آخر من نفس النوع أو مع متفاعل آخر مختلف داخل التفاعل الرئيسي؛ لينتج عنه المركب النهائي المرجوّ من التفاعل، وأثناء تفاعل ذلك المركب الوسطي مع المتفاعلات الأخرى؛ فإن العامل الحفاز يتشكل من جديد دون أن يحدث أي تغيير كيميائي له.

أنواعه:

تنقسم عوامل الحفز مقارنةً بنوع المواد الداخلة في التفاعل إلى:

أ-  عوامل حفز متجانسة (Homogeneous Catalysts) : وهي عوامل حفز لها نفس الحالة  الفيزيائية للمواد المتفاعلة، سواء كانت صلبة أو سائلة أو غازية، ويتميز هذا النوع من المواد الحفازة بأنها سهلة التحضير، وبكونها تتمتع بانتقائية عالية ونشاط عالي، ولكن يُعيبها صعوبة فصلها عن المنتج النهائي من التفاعل.

ب- عوامل حفز غير متجانسة (Heterogeneous catalysts): وهي عوامل حفز لها حالة فيزيائية مختلفة عن المواد المتفاعلة، وتتميز تلك المحفزات بصورة عامة بسهولة فصلها عن خليط التفاعل، وإعادة تدويرها، وإدخالها في عمليات التدفق المستمر في التصنيع ((continuous flow processes، ولكن أهم ما يميزها حقًا هو:

  1. لا تُكوِّن أملاح عضوية أثناء التفاعل.
  2. قابلة للتجديد وإعادة التدوير.
  3. يسهل التعامل معها.
  4. تخزينها آمن وذات تاريخ صلاحية ممتد.
  5. أكثر نشاطًا من المحفزات المتجانسة.

محفزات طبيعية (الإنزيمات):

العمليات الحيوية التي تحدث داخل أجسام الكائنات الحية هي في الأساس عبارة عن تفاعلات كيميائية، والمسؤول عن تنظيم تلك التفاعلات الكيميائية هي الإنزيمات؛ حيث تقوم بدور العامل الحفاز داخل جسم الكائن الحي، وبدونها فإن تلك التفاعلات لا تحدث بشكل ملحوظ.
تحفز الإنزيمات جميع عمليات التمثيل الغذائي داخل الجسم، وهذا يشمل عمليات الهضم؛ حيث تُحوِّل الجزيئات المعقدة (كالدهون والبروتينات والكربوهيدرات) إلى جزيئات بسيطة، كما تتضمن عمليات تحويل الطاقة وتخزينها، وبناء بعض الجزيئات الضخمة (macromolecules) من مركبات طليعية أصغر (precursors)، ويتسبب نقص الإنزيمات في الأجسام البشرية إلى العديد من الأمراض الوراثية مثل (البوال التخلُّفي-phenylketonuria) و(البهاق-albinism).
للإنزيمات أيضًا تطبيقات صناعية وطبية قيمة؛ ففي العصور القديمة اعتمدت بعض الصناعات بشكل أساسي عليها مثل عمليات تخمير النبيذ والبيرة والخبز، أما في القرن التاسع عشر واكتشاف الوظيفة الفعلية لتلك الإنزيمات كعوامل حفز؛ تزايدت أهميتها في العديد من الصناعات الطبية، كقتل الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض، وزيادة فاعلية التئام الجروح، وتشخيص بعض الأمراض.

تطبيقات ثورية للمحفزات (من الغث إلى الثمين):

«اكتشفنا بالصدفة وبطريقة ما أن هذه المادة تعمل»، هكذا صرح (أدم روندينون -Adam rondinone) أحد الباحثين في (مختبر أوك ريدج القومي – Oak Ridge National Laboratory) التابع لإدارة الطاقة الأمريكية، وأضاف قائلًا: «كنا نحاول دراسة الخطوات الأولى من التفاعل المقترح، وحينها أدركنا أن هذا العامل الحفاز قام بالتفاعل كاملًا من تلقاء نفسه»، ولكن ماذا فعلوا؟
قام روندينون وزملائه بتصميم عامل حفاز، مستخدمين الكربون والنحاس والنيتروجين، وذلك عن طريق دمج أجزاء نانوية (Nano Particle) من النحاس داخل ثغور مكونة من الكربون الممزوج بنسبة عالية من النيتروجين، حيث يبلغ طول تلك الثغور (50-80) نانومتر، (1 نانومتر= جزء من المليون من المليميتر)، وعند إمرار تيار كهربي قوته (1-2) فولت، قام العامل الحفاز بتحويل محلول ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء إلى إيثانول، وبنسبة تصل إلى (63%)،  نتيجة التجربة كانت مفاجئة لسببين مهمين:

  1. استطاعت عكس عملية الاحتراق (الناتج عنها ثاني أكسيد الكربون من الأساس) بطريقة فعالة وبأقل كمية من الكهرباء
  2. تمكنت من إنتاج كميات كبيرة وغير متوقعة من الإيثانول (حيث كانوا يتوقعون تكون مواد كيميائية منخفضة القيمة بالإضافة إلى الميثانول).

و يضيف روندينون معلقًا على التجربة:

«نحن استطعنا تحويل ثاني أكسيد الكربون، تلك المادة التي تعتبر من النفايات الناتجة من عملية الاحتراق إلى وقود ذو استخدام عالي»، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الإيثانول؛ حيث تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية سنويًا إلى مليارات الجالونات من الإيثانول لخلطة بالجازولين، ويضيف قائلًا: « الإيثانول كان حقًا مفاجئة؛ حيث من الصعب الحصول عليه مباشرةً من ثاني أكسيد الكربون، بل وبعامل حفاز واحد».

«هذا النوع من التفاعلات الكهروكميائية عادة ما تُنتِج خليط من المواد المختلفة وبكميات قليلة مثل الميثان والإيثيلين وأول أكسيد الكربون، تلك المواد التي لاتتمتع أيًا منها بنسبة عالية من الطلب والتداول» هكذا علق كولن جيفري من موقع (نيو أطلس – New Atlas) على تلك التجربة.

إعداد: Ahmed Fahmy    

مراجعة: Amira Esmail

المصادر:
(1)
APA:Polshettiwar, V., & Varma, R. S. (2010). Green chemistry by nano-catalysis. Green Chemistry, 12(5), 743. doi:10.1039/b921171c
http://sc.egyres.com/nyUkO
(2)
http://sc.egyres.com/Trg5R
(3)
http://sc.egyres.com/QnnJ8

(4)
     APA: http://www.sciencealert.com/scientists-just-accidentally-discovered-a-process-that-turns-co2-directly-into-ethanol      
http://sc.egyres.com/mhsDu

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي