من المعروف أننا لا نتواجد بمفردنا في هذا الكون الفسيح، فالكون يعج بمليارات المليارات من النجوم والمجرات، والأنظمة النجمية والكواكب والاجرام السماوية وغيرها. ولكن بالحديث عن موطننا درب التبانة وجاراتنا من النجوم، هل من الممكن أن يصطدم أيٌّ منها بنا؟
لقد تمَّ فحص ودراسة حركات أكثر من 300,000 نجم عن طريق المسبار الفضائي (غايا) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية إيسا (ESA)، والتي كشفت أنَّه من النادر احتمالية أن تزعج المواجهات بين النجوم سحابة المذنبات الواقعة بعيدًا عن نظامنا الشمسي، وترسل بعضها نحو الأرض في المستقبل البعيد.
لكن حتى إن كان النظام الشمسي يتحرك في مساره، وتتحرك النجوم الأخرى في مساراتها الخاصة خلال المجرة، فإنَّ تلك المواجهات القريبة محتومة ولا مفر منها على الرغم من أنَّ “قريبة” تعني الكثير من تريليونات الكيلومترات.
لكن كيف يكون وقع تأثير نجم على آخر؟
يحتاج النجم الذي يعتمد على كتلته وسرعته إلى الوقوع في نطاق يقارب الـ 60 تريليون كيلومتر قبل أن يبدأ في التأثير على المذنبات التي يمكن إطلاقها نحو النظام الشمسي، ومجموعة المذنبات تلك تسمى بسحابة “أورت” والمُعتقد أنَّها تمتد إلى حوالي 15 تريليون كيلومتر بعيدًا عن الشمس، أي بمسافة مئة ألف مرة بين الأرض والشمس، وعلى سبيل المثال فإنَّ مدار نبتون –الكوكب الأبعد- يبعُد بمتوسط مسافة حوالي 4.5 مليار كيلومتر أو 30 مسافة بين الأرض والشمس.
وتكون الجاذبية التي تؤثر على النجوم المارة بقرب سحابة (أورت) قادرةٌ على إزعاج مسارات المذنبات الموجودة هناك، وهي نفس الفكرة المسئولة عن بعض المذنبات التي تظهر في سمائنا كل مئات-آلاف السنوات، وهي أيضًا المسببة في وضع المذنبات في دورة تصادمية مع كواكب المجموعة الشمسية بما فيها الأرض.
يعتبر الهدف الرئيسي لمسبار (غايا) هو فهم حركات النجوم في الماضي والمستقبل، وجمع البيانات الدقيقة لمواضع النجوم وحركاتها على مدى وقت المَهمَّة –البالغة خمس سنوات-، وبعد 14 شهر من ذلك، وقد تمَّ وضع أكثر من مليار نجم منبعث مؤخرًا في القائمة الأولى والتي تضمنت مسافات تلك النجوم وحركاتها.
ومن خلال الجمع بين النتائج الجديدة والمعلومات الموجودة مسبقًا، بدأ علماء الفلك بشكل مفصل البحث في نطاق واسع لنجوم تمر بالقرب من شمسنا، وحتى الآن فإنَّ الحركات المتعلقة بالشمس تتعلق بأكثر من ثلاثمائة ألف نجم تمَّ تَتبّعهم خلال المجرة ، لمدة تصل إلى خمسة ملايين سنة في الماضي والمستقبل.
وقد تمَّ معرفة أنَّ 97 نجم منهم سيعبرون داخل 150 تريليون كيلومتر، في حين يمر 16 آخرين في حوالي 60 تريليون، ويعتبر هؤلاء الـ16 قريبين نسبيًا وخصوصًا من يقعون في مواجهة النجم (Gliese 710)، وقد توقع أنه بالمرور داخل 2.3 تريليون كم فقط –أو حوالي 16000 مرة قدر المسافة بين الشمس والأرض- ستكون واقعة داخل سحابة (أورت).
ولقد تمَّ تقدير المسافة مؤخرًا بفضل بيانات (غايا)، واعتقد العلماء أنه بنسبة 90% تقع في نطاقٍ بين 3.1 و 13.6 تريليون كم، أما الآن، فإن أكثر البيانات دقة تشير إلى مسافة في نطاق حوالي 1.5 و3.2 و3.1و 13.6 تريليون كم مع زيادة الفرصة أكثر لـ 2.3 تريليون كم، لكن من ناحية أخرى فإنَّ النجم (Gliese 710) يسافر ببطء أكثر من أغلب النجوم –بحوالي 50000 كم/س وهي أقل مقارنة بالمتوسط البالغ 100000 كم/س- بالرغم من امتلاكه كتلة تساوي 60% فقط من كتلة الشمس.
وتعني سرعة سفر النجم أنَّ لديه الكثير من الوقت ليمارس جاذبيته المؤثرة على الأجسام في سحابة “أورت”، والذي سيؤدي إلى احتمالية بعث وابل وأمطار من المذنبات لنظامنا الشمسي، ولكن لبطء وتيرة سفره فسيبقى كشيءٍ ظاهرٍ ولامع وسريع في سماء الليل، والأهم من ذلك أنَّ الدراسة الأخيرة استخدمت قياسات “غايا” لتقدير معدل “مواجهات النجوم” مع مراعاة أوجه عدم اليقين مثل النجوم التي قد تكون غير ملحوظة في القائمة الحالية.
لمدة 5 ملايين سنة في الماضي ومضيًا إلى المستقبل، فإنَّ معدل المواجهات عمومًا يقدر بحوالي 550 نجمة لكل مليون سنة واقعة في حدود 150 تريليون كيلومتر، ومنها حوالي 20 ستقترب من 30 تريليون كم، وهذا ما يعادل وجود إمكانية واحدة لمواجهة مغلقة كل 50000 سنة أو نحو هذا، ولكن من المهم ملاحظة أنَّه ليس مضمونًا أن يؤثر نجم على أيًا من المذنبات إن كانت الأرض على خط إطلاقها حين دخوله المناطق الداخلية للنظام الشمسي.
وسيتم إطلاق تلك التقديرات مع إصدار بيانات (غايا) المستقبلية، وسيتم عقد الدورة الثانية في إبريل المقبل والتي تحتوي على معلومات عن العديد من النجوم، مما يسمح بإعادة بناء البيانات لتصل إلى 25 مليون سنة في الماضي والمستقبل.
ترجمة وإعداد: دينا الخطيب
مراجعة علمية: آية غانم
المصدر: ESA