في مقالة نشرت في دورية العلوم (Science) أجاب مرصد مرصد بيير أوجيه (Pierre Auger Observatory)، وهو مرصد لرصد الأشعة الكونية في الأرجنتين، عن الأسئلة المتعلقة بتلك الجسيمات الكونية القادمة من خارج مجرتنا درب التبانة. وتشير المقالة التي حملت العنوان « Observation of a large-scale anisotropy in the arrival directions of cosmic rays above 8 × 10¹⁸ eV»، إلى أن فهم ودراسة توزيع اتجاهات الأشعة الكونية القادمة إلينا تعد هي الخطوة الأولى في معرفة المكان الذي تولدت فيه تلك السيمات خارج المجرة.

وقد تمكن العلماء من تسجيل بياناتهم بواسطة أكبر مرصد للأشعة الكونية قد بناه الإنسان، إنه مرصد بيير أوجيه (Pierre Auger Observatory) الموجود في الأرجنتين. وكان من ضمن المشاركين في البحث البروفيسور ديفيد نيتس وبريان فيك، أساتذة الفيزياء في جامعة ميشيغان التقنية.

وقد قال البروفيسور كارل هاينز كامبيرت، وهو أستاذ بجامعة فوبرتال في ألمانيا والمتحدث باسم مرصد أوجيه والذي يضم أكثر من 400 عالم من 18 دولة مختلفة،:

“لقد أصبحنا قريبين جدًا من معرفة أين وكيف نشأت تلك الجسيمات الاستثنائية، وهي مسألة ذات أهمية كبرى لدى علماء الفيزياء الفلكية”.

إن الأشعة الكونية هي مزيج من العناصر النووية من الهيدروجين حتى الحديد، ودراستها تساعد العلماء في فهم المادة القادمة من خارج النظام الشمسي، بل ومن خارج مجرتنا. تساعدنا الأشعة الكونية في فهم تركيب المجرات، وكذلك العمليات التي تساهم في تسريع الأنوية إلى ما يقارب سرعة الضوء، وبدراسة تلك الأشعة فقد يساعد في فهم الآلية التي تتكوّن بها تلك الأنوية.

وقد قال الفلكيّ كارل ساجان ذات مرة:

“النيتروجين في حمضنا النووي، الكالسيوم في أسناننا، الحديد في دمائنا، والكربون في فطائر التفاح، كل ذلك خلق بداخل الإنهيارات النجمية. لقد خلقنا من النجوم”.

ببساطة، إن فهم الأشعة الكونية وأين نشأت قد يساعدنا في فهم الأسئلة الأساسية حول نشأة الكون، والمجرات وحتى أنفسنا.

من النادر جدًا أن تزيد طاقة الأشعة الكونية الواصلة إلينا عن 2 جول؛ فمعدل وصول تلك الأشعة لغلافنا الجوي قد يصل إلى واحد لكل كيلومتر مربع فقط في السنة، أي ما يعادل شعاعًا واحدًا يضرب منطقةً بحجم ملعب كرة قدم مرة كل قرن.

الجول هي وحدة قياس الطاقة، وتعادل واحد من 3600 واط في الساعة، فعندما يضرب شعاع كونيّ واحد الغلاف الجوي للأرض فإنه يتشتت في بعضة ملايين من الثانية.

يمكن اكتشاف بعض الجسيمات النادرة لأنها تكوّن تدفقات من الإلكترونات والفوتونات والميونات خلال التفاعلات المتوالية مع أنوية الغلاف الجوي. هذه التدفقات تجتاح الغلاف الجوي بسرعة تقارب سرعة الضوء على هيئة قرص أو طاولة عشاء كبيرة بقطر يصل لعدة كيلومترات. وقد تحوي أكثر من عشرة مليار من الجسيمات.

في مرصد بيير أوجير يتم الكشف عن الأشعة الكونية بواسطة إشعاع شيرينكوف، حيث يمر الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من الجسيمات المشحونة خلال وسط ما مثل الماء، بسرعة أكبر من سرعة الجسيم ذاته خلال نفس الوسط، ومن ثم يقيس العلماء إشعاع شيرينكوف الناتج بواسطة الكاشف، وهو عبارة عن هيكل بلاستيكي يحتوي 12 طنًا من الماء. عدة كواشف فقط التي تلتقط الإشعاع من بين 1600 كاشف.

وتنتشر تلك الكواشف على مساحة 3000 كم مربع بالقرب من مدينة مالارغو في غرب الأرجنتين. ويمكن استخدام عدد مرات وصول تلك الجسيمات إلى الكواشف، بواسطة أجهزة GPS، في معرفة الإتجاه الذي أتت منه تلك الجسيمات.

بدراسة توزيع اتجاهات وصول أكثر من 30 ألف جسيم كوني، اكتشف أوجير تباينًا، وهو أن اختلاف معدل وصول الأشعة الكونية يعتمد على الاتجاه الذي تنظر إليه. وهذا يعني أن الأشعة الكونية لا تأتي بشكل منتظم من كل الإتجاهات، وإنما من الممكن أن يكون هناك اتجاه ذو معدل أعلى من الآخر.

إن هذا التباين كبير عندما تبلغ قيمة الإنحراف المعياري 5.2 (أي فرصة حوالي اثنان في عشرة مليون) في اتجاه كان توزيع المجرات فيه كبير نسبيًا. وعلى الرغم من أن هذا الإكتشاف بشير إلى أن أصل تلك الجسيمات من خراج المجرة، إلا أن هناك أشعة كونية أخرى مجهولة المصدر.

ويشير الاتجاه إلى مساحة واسعة من السماء بدلًا من مصدر محدد؛ وذلك لأن تلك الجسيمات نشطة جدًا وتنحرف مساراتها عدة عشرات الدرجات بفعل المجال المغناطيسيّ لمجرتنا.

إن هناك أشعة كونية رصدت بطاقة أعلى من تلك المستخدمة في دراسة مرصد بيير أوجير، بعض منها لديه طاقة حركية تعادل طاقة ضرب كرة تنس. وبم إن انحرافات تلك الجسيمات من المتوقع أن تكون أقل بسبب طاقاتها العالية، وبالتالي تكون متقاربة من مصدر نشأتها. إن مثل هذه الجسيمات نادرة جدًا، ويتم الآن إجراء الدراسات لمعرفة أي من الأجسام المجرية التي تنتج تلك الجسيمات.

إن أجراء هذا النوع من العلوم ليس محتكرًا على شخص واحد، ولكن أكثر من 400 عالم يشاركون في هذا البحث. في جامعة ميشيغان التقنية، أستاذ الفيزياء ديفيد نيتز يساهم في الألكترونيات التي تسجل الإشارات في خزانات الماء. وقد استخدم شفرة لبرمجة الدوائر كي تحول إشعاع شيرينكوف الملتقط بواسطة الكواشف في خزانات الماء إلى إشارات رقمية. هذا يساعد أجهزة المعالجة على فهم الإشارة واتخاذ المزيد من القرارات حول الإشارات المسجلة في تلك الخزانات وإذا ما كانت تحتاج المزيد من التحليل.

وقد قال نيتز أيضًا:

“إنني أتصور كيف ممكن أن نذهب من المفهوم إلى بناء أداة فعلية تساعد في معالجة هذا العلم. وهذا ما أفعله في مهمتي العلمية، الأجابة على كيفية معالجة تلك القياسات”

جزء من تطوير مرصد أوجر هو استبدال لوحات الدوائر القديمة بلوحات أحدث لديها القدرة على معالجة الإشارات بشكل أسرع وأدق ودمج الإشارات القادمة من الكواشف الإضافية. وتحتوي تلك الكواشف الإضافية على كواشف مشعة على سطح كل كاشف، بالإضافة إلى أنابيب مضخمات ضوئية (Photomultiplier tube) فوق كل كاشف.

ترجمة: Mohammed Abkareno

المصدر: Phys.org

ولتحميل المقالة الأصلية من دورية (Science)

«Observation of a large-scale anisotropy in the arrival directions of cosmic rays above 8 × 10¹⁸ eV»