Green Book: الدليل إلى بقعةٍ آمنة (ترشيحات الأوسكار 2019)

الاخضر

||أن تكون منبوذًا|أن تكون منبوذًا|أن تكون منبوذًا|أن تكون منبوذًا

إذا لم أكن أسودًا بما يكفي، ولم أكن أبيضًا بما يكفي، فمن أكون؟

عندما يتحول العالم إلى ساحةٍ أشبه بساحة الشطرنج؛ على كلٍ أن يلتزم فيها ببقعته الخاصة، حيثُ الأسود والأبيض
وعلى الجميع أن يبقى في مكانه المُقرر له وإلا.. تنقلبُ الساحة إلى حلبةِ صراعٍ مليئةٍ بالنزاعات والشقاقات العنصرية.
هل يمكن حينها حقًا لأي دليل أن يرشد الهائمين المنبوذين إلى ملاذٍ آمن، حتى لو كان الكتاب الأخضر؟

فيما يلي نناقش معًا فيلم Green Book المرشح للفوز بأوسكار أفضل فيلم لعام 2019.

في تجربة هي الأولى من نوعها، يعمل المخرج بيتر فاريلي منفردًا للمرة الأولى على فيلم درامي، وهو على غير ما عهدناه من أعماله مع أخيه بوبي فاريلي. فالأخوة فاريلي مشهورين بالأعمال الكوميدية الخفيفة مثل فيلم (غبي وأغبى- Dumb and Dumber) و فيلم (أنا، نفسي، وآيرين- Me, Myself, and Irene) والعديد من الأفلام الأخرى.

في فيلم (الكتاب الأخضر-Green Book) تدور الأحداث خلال فترة الفصل (segregation) بين ذوي البشرة البيضاء والسمراء في الولايات الجنوبية في أمريكا المشهورة حتى يومنا هذا بالتعصب الشديد والعنصرية، خلال ستينيات القرن العشرين (1960). نستطيع من خلال القصة الحقيقية للصديقين (توني ليب) و(دون شيرلي) أن نرى ماهية العنصرية وتأثيرها وكيفية التغلب على مثل هذه الصفات. الفيلم ذو إيقاع هادئ وعلى الرغم من أنه يبدو فيلما بسيطًا إلا أنه يحمل الكثير من المعاني والأهداف العظيمة التي تجذب انتباهنا ليس فقط لما حدث منذ زمن طويل ولكن إلى حقيقة أن ما حدث ما زال يتكرر ويزداد حتى يومنا هذا. وقد استطاع فاريلي أن يحافظ على جودة الفيلم والمستوى المُتقَن بدون أن يفقد الفيلم خفة الظل التي تخفف من حدة المواقف العصيبة التي يتعرض لها البطلان والقدرة على الإمتاع. على الرغم من حصول الفيلم على العديد من التقييمات العالية والآراء الجيدة من النقاد -والتي أتفق معها- إلا أن الفيلم له أيضًا الكثير من المعارضين؛ نناقش فيما يلي الفيلم بتفصيل أكبر.

 

ملخص قصة الفيلم

توني ليب (فيغو مورتنسن-Viggo Mortensen) إيطالي الجنسية يميل إلى العنصرية قليلًا ويعمل حارسًا بملهى ليلي. بعد إغلاق الملهى للقيام ببضع تصليحات، يُضطر توني إلى البحث عن عمل جديد، ويقابل أثناء بحثه الدكتور شيرلي (ماهرشالا على-Mahershala Ali)، وهو عازف بيانو كلاسيكي من أصل أفريقي-أمريكي على وشك بدء جولة موسيقية في الولايات الجنوبية وهو بحاجة إلى شخص بمواهب توني في معالجة المشاكل التي ستواجهه في تلك المناطق نظرًا للون بشرته.
قبل الانطلاق في الرحلة يأخذ توني عدة تعليمات من شركة التسجيلات وكذلك يعطونه الكتاب الأخضر قائلين «في بعض الأحيان ستمكثان معًا في نفس الفندق، وفي أحيان أخرى لن تستطيعا المكوث معًا». بعدها ينطلق البطلان من مكان لأخر حسب خطتهما، ويقابلان عدة مشكلات مختلفة ما بين الجولات.

 

العالم مليء بأشخاص وحيدين خائفين من أن يأخذوا الخطوة الأولى
– توني ليب

 

رغم أن الفيلم يتناول موضوع جاد إلا أن به الكثير من المواقف الطريفة، وقد أكد بيتر فاريلي إنها لم تكن مزحات جاهزة بل كوميديا طبيعية ناتجة من الاختلافات الشديدة بين الشخصيتين فتوني يأتي من أحياء البرونكس الفقيرة وقد توقفت دراسته عند الصف السادس ويستخدم دومًا ألفاظًا بذيئة، بينما الدكتور شيرلي حاصل على الدكتوراه في الفلسفة ودومًا يتصرف برُقي. نرى تغير شديد في شخصية توني من بداية الفيلم إلى نهايته، ففي البداية نرى توني يرمي كوبين بتقزز في سلة القمامة لأن عاملين أسمرين شربا فيهما، أما لاحقًا فيتحول توني إلى مدافع عن دون شيرلي ليس لشيء إلا لكونه صديقه. يعيب بعض النقاد ذلك المشهد لأننا نرى في البداية توني عنصريًا ثم فيما بعد يحاول تثقيف شيرلي عن قومه، ونوع الموسيقى التي يسمعونها، والطعام الذي يفضلونه، ولكني أراه بشكل مختلف، فأنا أظن إنها تعطي توني واقعية أكبر فذلك ما يحدث في الحقيقية، لا يكره المرء شخص أخر أو يعامله بعنصرية فقط لأنه لا يعرفه، بل قد تحدث أيضًا مثلما نري هنا فتوني يعرف الكثير عن الأشخاص السمر وقد رأى بملهاه العديد من فرق الجاز ومع ذلك لم يفكر توني بما يتعرضون له كأشخاص ولم يفكر بهم كآدميين حتى قابل تلك المواقف وجهًا لوجه مع دون شيرلي.

أن تكون منبوذًا

مشاهد أعجبتني

في أحد المشاهد بعد أن مُنع الدكتور شيرلي من تناول العشاء برفقة أصدقائه، قرر توني والدكتور الذهاب إلى حانة لذوي البشرة السمراء، وهناك لعب دون شيرلي على البيانو وأثار عزفه الإعجاب فانضمت إليه الفرقة الخاصة بالحانة. نرى حينها الدكتور شيرلي يعزف مبتسمًا بسعادة حقيقية لأول مرة منذ بدء الفيلم، لأول مرة يشعر بانتماء، لأول مرة يشعر إنه مقبول وسط من يشبهونه.

لن تربح أبدًا بالعنف، أنت تربح فقط عندما تحافظ على كرامتك
– الدكتور شيرلي

وفي مشهد آخر، وأثناء انطلاقهما على الطريق يوقفهم شرطيين، وبمجرد أن شاهدا شخصًا أسمرًا في الخلف بدءا في إهانته، فلكم توني أحد الشرطيين، ونتيجة لذلك قضيا ليلة في السجن. يستنكر دون شيرلي ما فعلة توني، فيرد توني قائلًا بأنه لم يحب الطريقة التي عاملا بها دون شيرلي، فيرد شيرلي قائلًا «كان عليّ احتمال ذلك طوال حياتي، ألم يكن بإمكانك احتماله لليلة واحدة؟!». ذلك المشهد رائع لأنه يجعلك واعيًا بمقدار العنصرية الموجودة، فأنت تتوقع من شخص عادي أن يكون عنصري لكن أن ترى شرطيًا من المفترض أن يحمي كل ما هو آدمي، يتصرف بوحشية وعنصرية، فذلك نوع آخر من الدناءة. من الجميل أيضًا أن المخرج بالإضافة إلى تلك المشاهد التي ترينا حقيقة أنفسنا، لم ينسى أن يعطينا أملًا، ولم ينسى أن يُذكرنا أن بعضنا ليس عنصريًا، وأن ليس كل من نقابله سيء، فنرى قرب نهاية الفيلم شرطيًا آخر يوقف توني ولكن هذه المرة كان ليخبره إن إطاره مثقوب ووقف ليساعده على تغييره ثم تمني لكليهما ليلة سعيدة، ويمكنك أن تري على وجهيهما ابتسامة بسيطة رائعة ناتجة من ظنهما أنهما على وشك التعرض لمشكلة جديدة لينتهي الأمر بشخص يساعدهما بدلًا من أن يؤذيهما.

اسم الفيلم

يشير اسم الفيلم إلي دليل صممه (فيكتور هيجو جرين-Victor Hugo Green) يسمى (الكتاب الأخضر للسائق الأسمر- The Negro Motorist Green Book) ليستطيع المسافرين من ذوي البشرة السمراء إيجاد أماكن آمنة تأويهم نظرًا إلى أن أغلب الأماكن مسموحة لذوي البشرة البيضاء فقط، بالإضافة إلى أن هناك خطر دائم من أن يتعرض ذوي البشرة السمراء للهجوم والاعتقال من قِبل الشرطة بدون أي سبب منطقي. ظل الكتاب الأخضر يُنشر بين 1936-1966. وقد أشار المخرج بيتر فاريلي إلى أنه لم يكن يعلم عن هذا الكتاب من قبل بل اكتشفه بالصدفة بعد تصوير أكثر من منتصف الفيلم، وقد علق بأن أغلب الناس من السمر الآن لا يعرفون عنه شيئًا، ولكن إذا سألت شخصًا قد عايش الخمسينيات والستينيات فسيقولون بأنه نعم كان لدينا نسخة منه في المنزل.

أن تكون منبوذًا

 

القصة الحقيقية ومصير الصديقين

مصدر القصة هو نيك فالالونجا وقد شارك في تأليف الفيلم مع بيتر فاريلي وبراين كوري. كان نيك يبلغ من العمر 5 سنوات عندما بدء والده في العمل مع دون شيرلي. وقد كانت أغلب الأحداث مسجلة علي شرائط صوتية وشرائط فيديو صور نيك أغلبها بنفسه لوالده ومن خلالها كتبوا قصة الفيلم، وقد اكتشفوا الكتاب الأخضر عندما ذكره توني في أحد التسجيلات.
بعد تلك الجولة، استمر الدكتور شيرلي بالجولات والعروض، وعاد توني للعمل بالملهى، وقد أصبح مدير الملهى فيما بعد. ظل الإثنين صديقين حتى توفيا في 2013 يفصل بين وفاتهما شهور.

 أفلام شبيهة

يعتبر البعض الفيلم نسخة أكثر حداثة من فيلم يدعي Driving Miss Daisy. يحكي عن سيدة بيضاء عجوز وسائقها الأسمر.

تفاصيل أخرى

صدر الفيلم في 16 نوفمبر 2018، وهو مرشح للفوز بأوسكار أفضل فيلم لعام 2019، كما أن الممثل فيغو مورتنسن للفوز بأوسكار أفضل ممثل رئيسي، ورشح الممثل ماهرشالا علي للفوز بأوسكار أفضل ممثل ثانوي.
الفيلم حصل علي تقييم 8.3 من 10 على موقع IMDB.

 

أترك لك عزيزي القارئ في نهاية المقال إحدى تسجيلات دون شيرلي بعنوان Orpheus in the underworld وهو مأخوذ من أوبرا فرنسية، كما تم ذكره في الفيلم.

 

إعداد: سلمى عياد
المصادر:
• https://www.slashfilm.com/green-book-director-interview/
• https://www.thenational.ae/arts-culture/film/green-book-film-a-journey-through-the-racism-of-the-deep-south-1.798714

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي