تخيل نمر جائع ينقض على فريسته ليصيدها! هذا ما تبدوا عليه أحدث الأفكار التي ينوى العلماء اتباعها لجمع النفايات الفضائية. تقول الوكالة الفضائية (The Aerospace Corporation):
“إن (مركبة بران-Brane craft) ستقوم بإحاطة نفسها حول تلك النفايات التي تحوم في مدار الأرض، ومن ثم تقوم بجذبها إلى الغلاف الجوي للكوكب، مما يؤدي إلى احتراقها نتيجة الاحتكاك الشديد؛ وبالتالي نكون قد تخلصنا من أحد المشكلات التي تهدد الاقمار الصناعية ورواد الفضاء”.
مؤخرا قام برنامج الأفكار الابداعية المبتكرة ((NASA Innovative Advanced Concepts (NIAC)، والذي تدعمه وكالة ناسا الفضائية، بمنح تمويل إضافي لهذا المشروع، حيث يهدف هذا البرنامج إلى تمويل الأفكار المبتكرة التي يستهدف إطلاقها على المدى البعيد.
تتميز مركبة بران بخصائص مذهلة، حيث أنها مرنة الحركة، بطول وعرض يساوي ياردة مربعة، وبسمك أقل من نصف شعرة الرأس؛ إلا أن هذا يجعل الأجهزة الالكترونية الموجودة بها معرضة للخطر، حيث أن هذا السمك لن يحميها من الأشعاعات الكونية أو الجسيمات الفضائية الصغيرة.
يقول الدكتور (سيغفريد جانسون-Siegfried Janson) الباحث في الوكالة الفضائية:
“يجب أن تكون هذه المركبة مضادة للرصاص، حيث أن جسم قطره يساوي خمسة ميكرومترات قادر على اختراق الطبقة الخارجية للمركبة والذي يصل سمكه لعشرة ميكروامترات”.
لهذا قامت الشركة المصنعة بتصميم هذه المركبة لتكون ذات مرونة عالية، ففي حالة اصطدام أحد الخلايا الشمسية من قبل مذنب صغير، فهذه الخلية وحدها ستتلف دون حدوث أي عطل لباقي الخلايا، وكذالك الأمر بالنسبة للأجهزة الرقمية والمحللات الدقيقة، فإن تلف أحدهم فإن باقي الأجهزة سيستمر في العمل؛ كما صمم خزان الوقود بنفس الفكرة، حيث سيكون محصورًا بين غلافين رقيقين وتم تقسيمه إلى عدة أجزاء حتى يستمر في العمل في حالة ثقب أحد أجزاءه.
وبالرغم من هذا تظل الإشعاعات الكونية مشكلة رئيسية، حيث أن الأجهزة الدقيقة لن يمكنها تحمل تلك الظروف الفضائية القاسية؛ لهذا تقدم وكالة ناسا المساعدات الممكنة للشركة المصنعة للبحث في كيفية حماية المركبة من الاشعاعات خلال رحلتها القصيرة في الفضاء.
تهتم وكالة الفضاء بتصميم مركية بران لتكون ذات كفائة عالية ورخيصة الثمن أيضًا؛ حيث أن هذا التصميم الرقيق لن يكون خفيف الوزن ليستخدم وقود أقل فقط، بل أيضًا سيكون من السهل توصيلها بصواريخ إطلاق وإطلاق العديد منها دفعة واحدة، ثم تعمل الخلايا الشمسية كمحركات توجيه صغيرة تقوم بتوجيه كل مركبة في اتجاه أحد النفايات.
تخطط الشركة إلى إطلاق العديد من المركبات بشكل متتابع وبكميات كبيرة للمساعدة في التقليل من التكاليف قدر المستطاع، فبعد أن تقوم كل مركبة بإحاطة أحدى النفايات، ستقوم بالتوجه إلى الأرض حيث سيتم احراق كلًا من المركبة والتفايات معًا.
تعد مشكلة التفايات المحيطة بالأرض معروفة منذ عشرات السنين، إلا أن بعد كل عملية إطلاق تصبح أكثر خطورة؛ فهناك أكثر من خمسمئة ألف قطعة من تلك النفايات تدور حول الأرض، هذا بخلاف النفايات صغيرة الحجم والتي تعد خطيرة أيضًا؛ فقطعة صغيرة قادرة على أن تسبب ضررًا كبيرًا عند اصطدامها بمركبة فضائية بسرعة 17.500 ميل/ساعة. لهذا تقوم وكالة ناسا بمتابعة مسار محطة الفضاء الدولية (ISS) بشكل مستمر تجنبًا لتلك النفايات.
عادة ما تصطدم السفن الفضائية بمخلفات المراكب الفضائية السابقة، مسببة ثقوب وأضرار جسيمة؛ ففي عام 2009 حدث اصطدم للقمر الصناعي إيريديم-33 بالقمر كوزموس-2251، مؤديًا لتحطمهما، ومخلفًا مجموعة كبيرة من النفايات التي تستمر في الدوران حول الأرض حتى الآن.
وفي ظل سعيها من أجل التخلص من النفايات الفضائية، ستساعد التكنولوجيا المستخدمة في إنشاء مركبة بران في التقليل من حجم الأقمار الصناعية المستخدمة لأغراض الاتصالات؛ حيث يوفر برنامج وكالة ناسا للأفكار المبتكرة المتقدمة تمويل مادي لمدة عامين للمختبرات التي تعمل في تطوير تقنية الغلاف الرفيق (Thin Film)، حيث يهتم الباحثون في البحث لكيفية تطوير هذه التكنولوجيا ومعرفة أي التقنيات ستحقق النتائج المأمولة.
يقول الدكتور جاسون: “نحن نحاول جذب اهتمام الحكومات والشركات الآخرى المهتمة بهذا المجال، للوصول به إلى مستوى أعلى”، مشيرًا إلى أن الاستعداد إلى الفضاء قد يكلف ملايين الدولارات، ولكنه بمجرد أن يتم إطلاق مركبة بران وفي غضون سنوات قليلة، سنتمكن من تقليل وزن المركبات الفضائية الآخرى لأقل من كيلوجرامين، إذا تم تطويرها طبقًا للأفكار المبتكرة.
ترجمة: مجدي ممدوح محمد رشاد
مراجعة: Mohammed Abkareno
المصدر: Space.com