للوهلة الأولى قد تبدو هذه الصورة وكأنها صورة طبيعية لفتاة تدور، ولكن وبعد فترة قصيرة، تبدو لنا هذه الراقصة وكأنها غيرت الاتجاه التي كانت تدور به، ولأكثر من عِقد كان من يشاهد هذه الصورة يشك في صحته العقلية، ولكن واقع الأمر، تغيير الاتجاه هذا متعلق بدماغنا وبرؤيتنا نحن.
صمم هذه الصورة مصمم الويب الياباني (Nobuyuki Kayahara) في عام 2003، ومنذ بداية العقد الأول من هذا القرن اُستخدمت بشكل واسع كطريقة لتحديد ما إذا كان يغلب على الشخص استخدام دماغه الأيمن والذي يوصف بأنه (مبدع)، أم الدماغ الأيسر والذي يوصف بأنه (منطقي). حيث أُخبر مشاهدي الصورة أنهم إن رأوا الفتاة واقفة على قدمها اليسرى وترقص من اليسار إلى اليمين -مع عقارب الساعة-، فإنهم من الذين يغلب عليهم استخدام دماغهم الأيمن، أما إن رأوا عكس ذلك فهذا يعني أنهم يغلب لديهم استخدام دماغهم الأيسر.
ولكن هذا التصنيف يسبب ارتباكًا كبيرًا لدى كثير من الناس؛ ذلك أن معظم الذين شاهدوا الصورة رأوا أن الفتاة تدور من اليسار إلى اليمين -مع اتجاه عقارب الساعة-، ثم بعد ذلك يرون الراقصة تغير اتجاه دورانها.
ولكن، في الواقع لا تكشف هذه الراقصة الدوارة عن ما إن كان دماغك الأيسر هو الذي يسيطر عليك أم الأيمن -فضلًا عن أن هناك شكوك بالأصل في المواضيع الخاصة بتحديد أي جزء من دماغك تستخدم أكثر- ولكنها تكشف عن «التفضيل البصري» لدى الشخص الذي يشاهدها وهي تدور.
والآن دعونا نطرح بعض التساؤلات وسنجيب عليها ..
ماهو التفضيل البصري؟
كما تم التوضيح في ورقة بحثية عام 2010، فإن رؤيتنا لها عدة تفضيلات، إننا نُفضّل أن نرى أو نفسر رؤية الأشياء بطريقة معينة دون الأخرى، فنحن مثلًا تعودنا أن نرى البرق يأتي من الأعلى، كما أننا نفترض عادة أن الأشياء الصغيرة هي بطبيعة الحال أشياء بعيدة، رغم أنها قد لا تكون كذلك.
يفترض الباحثون المؤلفون للدراسة أن مَيلنا لرؤية الفتاة تدور في اتجاه عقارب الساعة يعود إلى أن نظام الإبصار لدينا يفضل أن يرى الأشياء من الأعلى على رؤيتها من الأسفل. فعندما قام الباحثون بتغيير زاوية الكاميرا تغيّر إدراك المشاهد للصورة؛ على سبيل المثال عندما ارتفعت زاوية الكاميرا 10 درجات بالنسبة إلى الخط الأفقي رأى المشاهدون أن الفتاة تدور عكس عقارب الساعة في 60 % من المرات التي شوهدت فيها الصورة.
الخدع البصرية، لماذا تنخدع أدمغتنا؟
الراقصة الدوّارة هي مثال رائع على صور الخدع الملتبسة (ambiguous illusion)، أو الخدع البصرية؛ فهذه الصور يمكنها التحول من شيء لآخر، بتغيَّر تصور الشخص لِما تكونه هذه الصور.
صورة الراقصة الدوارة على وجه الخصوص تعمل بفكرة تسمى (إدراك وضع استقرار ثنائي-Bistable perception ) ويقصد به عندما يكون هناك شيء أو شكل ثنائي الأبعاد ملتبسًا بحيث يمكن أن يُرى من منظورين مختلفين بسبب عدم وجود بعد ثالث.
يحدث هذا لأن هذه الصورة هي من فئة الصور الظليّة، أي التي تشبه الظل، فهي ليس لها عمق ولا ألوان لتحديد ملامح الجسم، ولا تستمد أي إشارة على اتجاهها من البيئة المحيطة بها، إنها أشبه بأن ترى شخصًا يسير في الظل بعيدًا عنك، فلا تعرف إن كان يسير قادمًا نحوك أم أنه يبتعد ذاهبًا!
وفي هذه الحالة التي يفتقد فيها العقل للمعلومات التي تمكنه من إدراك الصورة- اتجاهها في هذه الحالة- يكون الأمر متروكًا للدماغ ليعوض المعلومات الناقصة ويفسر هو الاتجاه الذي تدور به هذه الصورة الظلية.
رغم هذه النتائج المثيرة للاهتمام، إلا أن الفريق بحث فقط ميلنا البصري لمشاهدة الصورة من اتجاه ما ولم يستطع تفسير لماذا يرى بعض الناس من البداية أن اتجاه الدوران عكس اتجاه عقارب الساعة (من اليسار إلى اليمين).
- ومن الأمثلة المشهورة أيضًا للخداع البصري هذه الصورة المعروفة باسم (زوجتي وحماتي- My Wife and My-Mother-In Law)، حيث يمكن رؤية فتاة شابة تارةً، وامرأة كبيرة في السن تارةً أخرى.
إن الآلية الكامنة وراء عملية إدراك وضع الاستقرار الثنائي هي نفس الآلية العامِلة في الإدراك البصري العادي للأشخاص المشاهدين؛ تجميع المعلومات من الصورة بهدف إدراكها، ولهذا قضى العلماء كل هذا الوقت حتى يتوصلوا إلى السبب الحقيقي وراء هذا التصور الملتبس.
إن ما يسبب هذا التغير في تحديد الاتجاه هو شيء موجود كليًا خلال نظام الرؤية لدينا. يقول الدكتور توماس توبينو رئيس قسم علم النفس بجامعة فيلانوفا لصحيفة نيويورك تايمز: «إذا تمكنّا من فهم لماذا ينعكس إدراكنا لهذه الأشياء، فإننا عندئذٍ في طريقنا لفهم كيفية مساهمة النظام البصري في تشكيل الوعي البشري- أي تجربتنا الواعية».
ووفقا لتوبينو، فإن الأشخاص الذين لا يرون أي تغير في الاتجاه، فإن هذا قد يكون عائدًا إلى أن هيكل عصبي واحد هو الغالب أكثر.
ترجمة: Hanan Gamal
مراجعة: Ahmed Abd Elkareem
تصميم: Omnea Abd El-Aleem
المصدر: http://sc.egyres.com/F5rEf
# الباحثون_المصريون