جوانب من حياة المجتمع المصري القديم

المجتمع-المصري-القديم

مثلت الذرية أهمية ونعمة كبيرة عند المصريين القدماء، فقد قال الحكيم (بتاح حتب) -الذي يُعد من أشهر حكماء عصر الدولة القديمة-: «إن السعيد من كثر أهله وعياله فالكل يوقرونه من أجل أبنائه»، بل ربط الحكماء المصريين بين حالة الضعف والفوضى التي تصيب المجتمع، وبين قلة النسل لسبب أو لآخر. ومثال على ذلك، حكيم الثورة الاجتماعية الأولي (إيبوور) الذي وصف حالة الفوضى، والضعف في ذلك الوقت فقال: «حقًا لقد غدت النساء مقلات، وما من واحدة تحمل، وما عاد خنوم يهب أطفالًا». كل ذلك أدى إلى اهتمام المصريين بمحاربة العقم بكافة الوسائل.

كما استخدموا العديد من الطرق والوسائل لمعرفة نوع الجنين، ومنها على سبيل المثال تجربة إنبات القمح والشعير وإروائه ببول الحامل فإذا خرج نبات القمح فالجنين ذكر، وإذا خرج نبات الشعير فالجنين أنثي. هذا وقد تضمنت بردية (كاهون) الكثير من الملاحظات لتمييز العقيمات، والتكهن بجنس الجنين، وذلك من خلال ملاحظة الثديين أو لون البشرة، والعينين، واستخدام التعاويذ.

– مرحلة الطفولة

كان الأطفال في مصر القديمة عونًا لآبائهم وذويهم؛ إذ كانت الزراعة في حاجة إلى الأيدي العاملة، ويبدو أن المصريين القدماء لم يواجهوا ما يمنع كثرة الذرية من الناحية المادية فقد قال المؤرخ اليوناني (ديودور الصقلي): «يرعى عامة المصريين أولادهم في يسر واقتصاد فيطعمونهم عصيدة يطبخونها من مواد رخيصة وافرة، ومن سيقان البردي بعد شيها على النار، وجذور نباتات مائية يستسيغون طعمها نيئة ومطبوخة ومشواه».

كان الأطفال حتي سن الرابعة لهم لعبهم الخاصة بهم مثل الكرات من القماش أو الجلد، والتماسيح التي تحرك أفواهها، والعرائس والدمى الصغيرة من الطين أو الفخار، أو لعب خشبية لها أذرع أو أقدام متحركة. ومثال علي ذلك واحدة من العاج عثر عليها في قبر فتاة تدعي (حابي) وترجع لعصر الدولة الوسطى، وتمثل اللعبة فرقة من أقزام راقصة تعتلي أفرادها مسرح صغير، ويقودها رئيس يضبط القاع لهم بالتصفيق.

نهاية رحلة الطفولة اتسمت بالحيض عند الفتيات، وحفل الختان للذكور؛ لكن ذلك لا يعني أن الختان كان منتشرًا انتشارًا واسعًا فالأمر غير محسوم حتى الآن فقد وجدت بعض المومياوات غير المختونة.

تربية وتنشئة الاطفال

شهد كتاب الإغريق أيضًا باهتمام المصريين بتربية أطفالهم فيقول ديودور الصقلي: «إن ما يميز حياة المصريين أن الطفل عندهم يلقى حظه الكامل من التربية والرعاية»، فقد عمل الآباء علي تعليم أبنائهم آداب السلوك فينصح الحكيم (بتاح حتب) ابنه قائلًا: «اذا وجدت رجل أكبر منك سنًا أكثر منك حكمة فأصغي إليه، أحن ظهرك أمامه دليلًا على الطاعة». ومن نصائح الحكيم (آني) من عصر الدولة الحديثة: «لا تقعدن إذا كان غيرك ممن هو أكبر منك سنًا واقفًا».

كما اهتموا بتعليمهم آداب المائدة فقال الحكيم (كاجمني): «إذا جلست مع أشخاص كثيرين فاصطنع الزهد في الطعام حتي لو كنت شديد الرغبة فيه.. ». كما حثوا على الصمت، وفرقوا بين الصامت الذي يرونه من العقلاء، وبين العاطفي المندفع، ويقصد بالصامت هنا الرجل الذي يسيطر على مشاعره لحكمته.

كما حثوا علي بر الوالدين فيقول (عنج شاشنقي): «تمثال من حجر خير من ولد أحمق».

كما حرص (خوف حر) -محافظ اسوان في عصر الأسرة السادسة- على تسجيل محبة والديه ورضائهما عنه فقال: «كنت محبوبًا من أبي مرضيًا عني من أمي.. »، كما كان الأبناء يقومون برعاية قبور الوالدين، وتأدية الشعائر الدينية، وتقديم القرابين صدقة على ارواحهم.

الميراث

لا يوجد وثائق تشير إلى قواعد صريحة للإرث بين البنين والبنات حتي نهاية عصر الدولة القديمة، وإنما كان ينتقل إلى الورثة الشرعيين وهم الأبناء وأبنائهم. وقد عهدت الأسرة المصرية أوقافها إلى الابن الأكبر في بعض عصورها، ثم جعلت الإشراف على ميراثها كله في عصور أخرى، ولكنها في الحالتين لم تكن تسمح له بالتصرف في الميراث لحسابه الخاص، وربما كانت التركة بعد وفاة الابن الأكبر تؤول إلى من يليه في السن من أخوته. كما اتفق الباحثون أن الفتيات كان يرثن الأثاث، والجواهر الثمينة من الأم.

هناك ما يشير في الدولة الوسطي، والحديثة أن التركة أصبحت تنتقل إلى جميع الأبناء ذكورًا وإناثًا كبارًا وصغارًا، ولكن عاد الابن الأكبر إلى امتيازاته في العصر المتأخر إلا ان الأمر انتهي بوجود قانون يساوي بين الذكور والإناث في حق الأرث في الأسرة الخامسة والعشرين.

هوامش:

(ديودور الصقلي Diodorus Siculus): مؤرخ يوناني عاش في القرن الأول الميلادي، قام بزيارة مصر عام 59 ق.م. كتب مؤلفات في (التاريخ العام General History) بعنوان (المكتبة التاريخية) وقد افرد الجزء الأول منه لتاريخ مصر. تناول أوضاع مصر السياسية والاجتماعية والدينية.
يُؤخذ عليه أنه جعل تأسيس منف تاليا لتأسيس طيبة.

المصادر/

http://sc.egyres.com/st7Lq

http://sc.egyres.com/75kWm

http://sc.egyres.com/jbwjC

W.M.F.Petrie, and Quibell, Naqada and Ballas.London,1896,p. 34

محمد بيومي مهران؛ الحضارة المصرية القديمة، الجزء الثاني.

دراسات في حضارة مصر القديم؛ احمد امين سليم، سوزان عباس عبد اللطيف.

#الباحثون المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي