عملات بلاد اليونان القديم

5596bf1ac46188175a8b45ed

||||||

تمثل العملات اليونانية القديمة أكثرَ القطعِ الأثريةِ جاذبيةً وجمالًا وذلك لعدة أسباب، أوَّلُها أنها أقدم العملات ظهورًا في العالم وهذا في حدِّ ذاته يضفي عليها بعضًا من هالة التميز والتفرد، وثانيها أنها تُمثِّل أعمالًا فنيةً حقيقية قام بها عمالٌ وفنانون مهرة جدًا صنعوها بأيديهم، لذا تمثل كل عملة منها عملًا جماليًّا فريدًا في حدِّ ذاته.

كانت مقاييس ضرب كل عملة فريدةً بما فيه الكفاية بحيث لا يستطيع أحدٌ القيام بهذا العمل سوى المتخصص بذلك، وقد كانت لكل مدينة عملتها الخاصة بها أيام اليونان، ولكُلِّ واحدةٍ منها رمز المدينة الخاص بها، حيث ظلت هذه الرموز مشهورةً وذات طابعٍ مميز حتى عصرنا الحالي، فرمز «البومة الآثينية» التي تُنسب لمدينة أثينا ما تزال موجودة في اليورو اليوناني، فالعملات بحد ذاتها عالمٌ مثير يتم اكتشافه وجمعه على نطاقٍ واسع، وبالرغم من أن بعض العملات لم يصل إلى الحد الأكبر من فن الضرب أو جمال الشكل إلا إنها تساوي أموالًا باهظة، فلحسن الحظ ليست أجمل النقود القديمة بالضرورة هي أكثرها ندرة وأثمنها قدرًا.

العملات اليونانية القديمة: 1000 عام من التاريخ

ظهرت أول العملات اليونانية في القرن 7 ق.م، وظهر آخرها في عهد الإمبراطور جالينوس ( 253- 268 ق.م )، لذا فإن عمر العملة اليونانية يساوي حوالي ألف عام تقريبًا. أما بالنسبة لتاريخ اليونان في ضرب العملة وفنهم فيها، فإن علماء المسكوكات يقسمونه إلى:

  1. الفترة القديمة: التي تمتد من بداية ظهور العملة حتى فترة الحروب الفارسية 480 ق.م
  2. الفترة الكلاسيكية: التي تبدأ وتنتهي مع فترة الإسكندر الأكبر حوالي عام 330ق.م.
  3. الفترة الهيلنستية: وهي الفترة التي تستمر حتى الفتح الروماني لبلاد اليونان في حوالي القرن الأول ق.م.

وقد واصلت المدن اليونانية ضربها للعملة حتى بعد استيلاء الرومان عليها، ففي عهد سيطرة الغاليين سُميت عملات هذه المدن باسم «عملات المحافظات اليونانية».

أولًا: الكورسيدس.. عملة الملك كرويسوس

وفقًا للمصادر، فإن أقدم العملات اليونانية يعود تاريخها إلى ملوك ليديا التي كانت تشهد رواجًا وثراءً كبيرًا في ضرب العملة، فحملت العملة صورًا للملك كرويسوس الذي يعتبر أهم ملوك ليديا وأكثرهم ثراء، وقد ضُرِبَت عملته من الذهب والفضة حيث كانت عبارة عن كتلة معدنية مسبوكة من الفضة والذهب، وبعد أن أصبح فصل الفضة عن الذهب ممكنًا ظهرت عملات من الذهب مستقلة وأخرى من الفضة مستقلة وذلك أيضًا في عهد الملك كرويسوس (561- 547ق.م)، وكانت قيمة العملة تُقاس بوزن المعدن المضروبة منه مع وضع بعض الرموز الخاصة بالمدن مثل رموز الأسد والثور وغيرها دون أن تحتوي هذه العملات على أي نص مكتوب. وفي خلال القرنين 7 و 6 ق.م، تبنَّى اليونانيون شكلًا جديدًا من ضرب العملة تميَّزَ بصورة السلحفاة وخاصةً في منطقة (AEGINA) آجينيا -أجانيطس الحالية- وذلك في عام 670 ق.م، وانتشرت هذه العملة آنذاك في جميع أنحاء العالم اليوناني بما في ذلك مستعمرات اليونان في منطقة البحر الأسود ومنطقة (MEGNA- GREACIA) (اسمٌ أُطِلَقَ على المناطق الساحلية في جنوب إيطاليا والتي استوطنها الإغريق على نطاق واسع).

ثانيًا: عملات يونانية قديمة

كانت العملات اليونانية القديمة عبارة عن كتلة من المعدن (الذهب أو الفضة أو البرونز) تم ضربها ووضع رموزٍ عليها تبعًا إلى المدن الأصلية التي ضُرِبَت فيها، وكان النقش الموجود على العملة محفورًا في قوالب معدنية مجوفة ثم يتم إدخال الفراغ المعدني الخام بين القالبين -قالب النقش وقالب العملة الخام- يتم بعدها ضرب القالب العلوي بمطرقة، وبذلك تُسك العملة التي تحتاج في ضربها لمهارة معينة ومختلفة لتظهر أجزاء العملة بشكل واضح وجيد.

مثلت أشكال النقود القديمة في منطقة آسيا الصغرى صورًا لحيوانات وكائنات حية حقيقة وليست خرافية، التي كانت آنذاك شعارًا للمدن المضروبة فيها العملة مثل أشكال سمكة التونة والخنزير البري والثور والإبل والنحل وغيرها. وقد تم تداول هذه العملات بشكلٍ أفضل في المدن الأكثر قوة سياسيًّا واقتصاديًّا، وبالتالي اختلفت أوزان العملة من مدينة إلى أخرى، حيث كانت عملة منطقة آجينيا التي سُمِّيَت «الدراخما الفضية» بوزن حوالي 6.28 جرام من الفضة وكانت هذه العملة المثال الأول للعملة التي رسَّخت لنفسها وأصبحت معيارًا نقديًّا في ميزان التجارة في ذلك الوقت. ومع حلول عام 510 ق.م، بدأت أثينا اليونانية بهدف توسيع حجم تجارتها وثروتها بضرب عملة عُرِفَت باسم (tetradrachm) أو تترادريشتم، وكان وزن الفضة فيها حوالي 4.36 جرام. وشيئًا فشيئًا، أصبح المعيار الأثيني في ضرب العملة هو الأكثر استخدامًا في جميع العصور القديمة حتى ظهور الإسكندر الأكبر وملوك الفترة الهيلنستية.

عملة آجينيا – حوالي 400 ق.م
عملة أثينا (تترادريشتم) – حوالي 420- 405 ق.م
عملة أثينا (تترادريشتم) – حوالي 349 ق.م

ثالثًا: العملات اليونانية في الفترة الكلاسيكية:

خلال الفترة الكلاسيكية وصلت العملات اليونانية إلى مستوى فني استثنائي تم فيها تداول العديد من العملات الفضية والذهبية التي مُثِّلَت فيها أساطيرُ المدن وآلهتها الخاصة فيما عُرف بـ «البطل الأسطوري للمدينة»، أو رمزها المقدس مثل عملة جزيرة رودس التي ضرب عليها صورة الوردة الأسطورية، بجانب أول استخدام للنصوص على العملة وهو اسم المدينة.

عملة رودس –حوالي 305– 274ق م

رابعًا: عملات العصر الهيلنستي:

خلال الفترة الهليلنستية، توسَّعت الثقافة اليونانية على نطاقٍ واسع في ضرب العملة، وأصبحت التتراديشم تحتوي على شكل صورة الإسكندر الأكبر، وأصبحت هذه العملة هي المعيار العالمي في هذه الفترة التاريخية لقيمة العملة. ومع ظهور ممالك هيلنستية مستقلة في مصر وإيران وأفغانستان والشمال الغربي منها ظهرت العملات بشكل كبير وأَنتِجت بشكلٍ واسع في هذه المناطق. تميَّزت الفترة الهيلنستية بابتكارٍ جديدٍ فيما يخص ضرب العملة، وهو تمثيل الملوك الأحياء وكتابة أسمائهم بشكلٍ واضحٍ، وأحيانًا كان يُذكر اسم دار السك التي ضُربت فيه هذه العملة.

عملة الإسكندر «العملة العظمى»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة: عمر بكر

تدقيق: Mohamed Sayed Elgohary

مصدر الدراسة:

https://www.academia.edu/4336560/GREEK_COINAGE

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي