الانزياح الأحمر والانزياح الأزرق

1-1

الانزياح الأحمر والانزياح الأزرق

يصف الانزياح الأحمر والانزياح الأزرق كيف يتحول الضوء نحو أطوال موجية أقصر أو أطول بينما تتحرك الأجسام في الفضاء (مثل النجوم أو المجرات) سواء في اتجاهنا أو بعيدًا عنا، ويُعد هذا المفهوم مفتاح خريطة توسع الكون. يتكون الضوء المرئي من مجموعة متنوعة من الألوان، وهي واضحة لأي شخص ينظر إلى قوس قزح. عندما يتحرك الجسم بعيدًا عنا، يتم إزاحة الضوء إلى الطرف الأحمر من الطيف، نظرًا لأنَّ الأطوال الموجية تكون أطول. وإذا اقترب، يتحرك الضوء إلى الطرف الأزرق من الطيف، مع قصر الأطوال الموجية.

للتفكير في هذا بشكل أكثر وضوحًا، تقترح وكالة الفضاء الأوروبية أنْ تتخيل نفسك تستمع إلى صفارات الشرطة مع اندفاع السيارة من جانبك على الطريق. ستسمع زيادة درجة صوت صفارة الشرطة المتقاربة والانخفاض الحاد في درجة الصوت مع مرور صفارة الإنذار وتراجعها. ويحدث هذا التأثير لأن الموجات الصوتية تصل إلى أذن المستمع أقرب من بعضها البعض مع اقتراب المصدر، وبعيدًا عن بعضها بتراجعه.

الصوت والضوء

تمَّ وصف هذا التأثير الصوتي لأول مرة من قبل (كريستيان أندرياس دوبلر) في عام 1800، ويسمى تأثير (دوبلر). وبما أنَّ الضوء ينبعث أيضاً في أطوال موجية، فإنَّ هذا يعني أن الأطوال الموجية يمكن أنْ تمتد أو تتقاطع معًا حسب الموضع النسبي للأجسام. ومع ذلك، لا نلاحظ نحن ذلك في الحياة اليومية؛ لأن الضوء ينتقل بسرعة أكبر بمليون مرة من سرعة الصوت.

تقول وكالة (ناسا) أنَّ الفلكي الأمريكي (إدوين هابل) -الذي سُمي تلسكوب هابل الفضائي باسمه- كان أول من وصف ظاهرة الانزياح  الأحمر وربطها بالكون المتوسع. حيث أظهرت ملاحظاته التي كشفت في عام 1929م أنَّ جميع المجرات التي لاحظها تقريبًا قد ابتعدت.

وكتبت ناسا أن هذه الظاهرة قد لوحظت باعتبارها انزياحًا أحمرًا في طيف أحد المجرات. ويبدو أن هذا الانزياح الأحمر أكبر بالنسبة إلى المجرات الباهتة التي يُفترَض أنها أبعد من ذلك. ومن ثمَّ، كلمَّا كانت المجرة أبعد، كلمَّا تسارعت بعيداً عن الأرض.

تبتعد المجرات عن الأرض لأنَّ نسيج الفضاء نفسه يتوسع. هناك ظاهرة شاملة لحدوث انزياح أحمر يحدث كلما كبر الكون. بينما تتحرك المجرات نفسها إلا أنَّ مجرتي (أندروميدا) ودرب التبانة على سبيل المثال على مسار تصادمي.

تنطبق المصطلحات (الانزياح الأحمر) و(الانزياح الأزرق) على أي جزء من الطيف الكهرومغناطيسي، بما في ذلك موجات الراديو والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة جاما. لذلك إذا تم تحويل موجات الراديو إلى الجزء فوق البنفسجي من الطيف، يُقال أنَّها أُزيحت نحو الأحمر أي انتقلت نحو الترددات المنخفضة.

يتم قياس الانزياح الأحمر لجسم ما من خلال فحص خطوط الامتصاص أو الانبعاث في طيفه. تكون هذه الخطوط فريدة لكل عنصر ولها نفس المسافات دائمًا. عندما يتحرك جسم في الفضاء نحونا أو بعيدًا عنا، يمكننا العثور على الخطوط بأطوال موجية مختلفة عما إذا لم يكن الجسم يتحرك (نسبة إلينا).

يتم تعريف الانزياح الأحمر بأنه التغير في طول موجة الضوء مقسومًا على طول الموجة الذي سيكون عليها الضوء إذا لم يكن المصدر يتحرك يسمى (الطول الموجي المتبقي):

الانزياح الأحمر= (الطول الموجي المرصود – طول الموجة المتبقي) / (الطول الموجي المتبقي)

ثلاثة أنواع من الانزياح الأحمر

هناك ثلاثة أنواع على الأقل من الانزياح الأحمر تحدث في الكون. النوع الأول هو من تمدد الكون، والنوع الثاني من حركة المجرات بالنسبة لبعضها البعض، والنوع الثالث (الانزياح الأحمر الثقالي)، والذي يحدث عندما ينزاح الضوء بسبب الكمية الهائلة من المادة داخل المجرة.

هذا الانزياح الأخير هو الحد الأقصى للثلاثة، ولكن كان العلماء قادرين على تحديده على مقياس بحجم الكون في عام 2011. حيث أجرى علماء الفلك تحليلًا إحصائيًا لفهرس كبير عُرف باسم (استطلاع سلون الاستقصائي الرقمي – Sloan Digital Sky Survey). ووجدوا أنَّ انزياحًا أحمر جذبويًا يحدث تمامًا بما يتماشى مع نظرية (أينشتاين) للنسبية العامة. يمكننا أيضًا حساب ما يتوقعه الانزياح الأحمر التثاقلي القائم على النسبية العامة بما لدينا من قياسات مستقلة لكتل العناقيد المجرية.

جاء أول اكتشاف للانزياح الأحمر التثاقلي في عام 1959م، بعد أنْ اكتشف العلماء حدوثه في ضوء أشعة (جاما) المنبثقة من مختبر أرضي. وقد تمَّ العثور عليه أيضًا عام 2011م في الشمس وفي الأقزام البيضاء القريبة والنجوم الميتة التي تبقى بعد توقف النجوم التي بمثل حجم الشمس عن الاندماج النووي في وقت متأخر من حياتهم.

الاستخدامات البارزة للانزياح الأحمر

يساعد الانزياح الأحمر الفلكيين في مقارنة مسافات الأشياء البعيدة. أعلن العلماء أنهم رأوا أبعد كائن على الإطلاق في عام 2011م وهو انفجار من أشعة جاما يسمى (GRB 090429B)، والذي انبثق من نجم متفجر. قدَّر العلماء في ذلك الوقت أنَّ الانفجار وقع قبل 13.14 مليار سنة. بالمقارنة فإنَّ الانفجار الكبير قد حدث  قبل 13.8 مليار سنة.

أبعد مجرة معروفة هي (GN-z11). قرر تلسكوب هابل الفضائي في عام 2016م أنَّها كانت موجودة بعد بضعة مئات الملايين من السنين بعد الانفجار الكبير. قاس العلماء الانزياح الأحمر لـ (GN-z11) لمعرفة مدى تأثُّر ضوءها بتوسع الكون. كان الانزياح الأحمر يساوي 11.1، وهو أعلى بكثير من أعلى انزياح أحمر مقاس من المجرة (EGSY8p7) وهو 8.68.

يمكن للعلماء استخدام الانزياح الأحمر لقياس كيفية هيكلة الكون على نطاق واسع. أحد الأمثلة على ذلك هو جدار (هرقل-كورونا) القطبي العظيم. يأخذ الضوء حوالي 10 بليون سنة للذهاب عبر الهيكل. يعتبر (استطلاع سلون الاستقصائي الرقمي للسماء – Sloan Digital Sky Survey) هو مشروع انزياح أحمر مستمر يسعى إلى قياس الانزياح الأحمر لعدة ملايين من الكائنات. وأول دراسة لانزياح أحمر كانت دراسة (CFA RedShift)، الذي أكمل أول جمع بيانات له في عام 1982م.

يتعلق أحد حقول الأبحاث الناشئة بكيفية استخراج معلومات الانزياح الأحمر من موجات الجاذبية، والتي هي اضطرابات في الزمكان يحدث عندما يتم تسريع الجسم الضخم أو اضطرابه. (اقترح آينشتاين أولًا وجود موجات جاذبية في عام 1916م، واكتشفها مرصد الجاذبية بالليزر (LIGO) لأول مرة في عام 2016 مباشرة). نظرًا لأنَّ موجات الجاذبية تحمل إشارة تبين كتلة انزياحها الأحمر، فإنَّ استخلاص انزياحًا أحمر من ذلك يتطلب بعض الحسابات والتقدير.

ترجمة: مصطفى عبد الحليم
مراجعة: بيير عماد
تحرير: زياد الشامي

المصدر:

http://sc.egyres.com/QnaPW

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي