في ذكرى وفاته.. تعرَّف على ابن خلدون «الأب الروحي للعلوم الإنسانية»

09131125761772050376036322503127-1

||||

      عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المعروف باسم ابن خلدون؛ المؤرخ والمفكر العربي المسلم الذي وُلِدَ في تونس في الأول من رمضان عام 732 هـ / 27 مايو 1332 م. يعتبره الكثيرون باحث القرن الرابع عشر الميلادي، والأب الروحي لتأسيس مجالاتٍ مختلفة في العلوم الاجتماعية التي تشمل التاريخ وعلم الاجتماع والديموغرافيا والاقتصاد، ومن المعروف أنه من أعظم المؤرخين عبر أزمنةٍ عديدة ولا يوازيه في القيمة التاريخية هذه سوى فيكو Vico)) الذي يمكن اعتباره مساويًا له في هذا القدر.

      كان ابن خلدون عربيًّا من أصلٍ يمني، ترجع أصوله إلى منطقة حضرموت باليمن، يُرجِع ابن حزم في «معجم الأنساب» نَسَبَه إلى وائل بن حجر الذي كان رفيقَ النبي مُحمَّد. دَخَلَ جده الأول خلدون الأندلسَ ضمن من دخلوا خلال مرحلة الغزو العربي للأندلس (إسبانيا)، واستقر بعد ذلك هناك مع عائلته. احتلَّت عائلة ابن خلدون العديدَ من المناصب الرفيعة في إشبيلية، لكنها هاجرت إلى تونس بعد سقوط إشبيلية نتيجة حركة الاسترداد التي شهدتها تلك الفترة، وتولَّت عائلته في تونس مكاتبَ مُهمِّة، وظلوا بها حتى مولد ابن خلدون.

في سنٍّ صغيرة، تَعَلَّمَ ابن خلدون العديدَ من مجالاتِ المعرفة، حيث كانت دراساته الأولية على يد والده. وبسبب نسبته إلى عائلةٍ ثرية، حصل ابن خلدون على فرصةٍ للتعلم على يدِ أفضلِ المعلمين في المغرب العربي في ذلك العصر، حيث درس على أيديهم القرآن وحفظه، واللغويات العربية، والفقه، والحديث، والشريعة (القانون)، والبلاغة والشعر، وحصل على إجازةٍ في كلٍّ منهم، كما درس المنطق، والرياضيات، والفلسفة، وأعمال ابن رشد وابن سينا ​​والرازي والطوسي، وظل يتابع شغفه العلمي حتى سن السابعة عشرة، عندما ضرب طاعونٌ منطقةً شاسعةً من العالم الإسلامي حينئذ امتدت من سمرقند إلى موريتانيا ومن بينها تونس، وأدَّى ذلك إلى فقدان والديه بسببه.

      في هذا الوقت وفي هذا الوضع السياسي المضطرب في المغرب العربي، بدأ ابن خلدون مسيرته وعمله السياسي غير المستقر في هذا المجال بالذات، وشهدت حياته السياسية صعودًا وهبوطًا ساعده على الحصول على نظرةٍ أعمق للسياسة وتحليل قيام السلالات والإمبراطوريات وسقوطها، وتباين الحضارة ككل، فقد بدأ حياته السياسية بمنصبٍ مُتواضعٍ في بلاط تونس، ثم شَغَل منصبًا مختلفًا في فاس، ثم غرناطة، ثم عاد مرةً أخرى إلى تونس، وقضى سنواته الأخيرة في مصر، وظل يشغل مناصبَ مختلفة حتى وفاته.

    في عام 1375، مَلَّ ابن خلدون من الأوضاعِ السياسية في بلاد المغرب، فوجد في العزلة ملجأً حيث استقر في قلعةٍ نائيةٍ اسمها «قلعة بن سلمة» في الجزائر اليوم، وكرَّسَ نفسه للعمل في كتابة «المَقَدْمَة» (Prolegomena)، وهو مقدمة لعمله في التاريخ العالمي (كتاب العبر)، لكنه في حدِّ ذاته يعتبر عملًا مستقلًا ناقش فيه الطريقة التاريخية والمنهج الواجب تطبيقه قبل الشروع في كتابة تاريخه الكبير، حيث اعتبر ابن خلدون التاريخَ كعلمٍ لا يُمكن فصله عن علومٍ أخرى مثل الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة واللاهوت التي لا ينبغي أن تختلط بالخرافات، وكان ضد قبول الروايات التاريخية دون تدقيق.

أما فيما يتعلق بالمنهجية التاريخية، وضع ابن خلدون أسسها في النقاط التالية:

  1. التاريخ هو العلم.
  2. التاريخ علمٌ له محتوى، ويجب على المؤرخ أن يحسب لهذا المحتوي جيدًا.
  3. يجب أن يؤرِّخ المؤرِّخ العناصرَ التي تتجمع لسردِ التاريخ البشري من كل الجوانب.
  4. التاريخ له قوانينه التي يجب العمل في ضوء حدودها.
  5. التاريخ هو علمٌ فلسفي.
  6. يتكون التاريخ من أخبارِ الأيام والبلاد والقرون السابقة وتطبيق نظريته في تحليل بدء التاريخ العام وحوادثه وأسبابها ونتائجها.
  7. الأساطير ليست لها علاقة بالتاريخ ويجب دحضها.
  8. لبناءِ سجلاتٍ تاريخية قوية؛ ينبغي أن يعتمد المؤرخ على الأدوات اللازمة لمقارنة الحقيقة بين الروايات التاريخية المختلفة.

    وصف أرنولد توينبي وهو مؤرخٌ إنجليزي منهجَ ابن خلدون التاريخي بأنه «فلسفة التاريخ التي هي بلا شك أعظم عملٍ من نوعه تم إنتاجه من قِبَلِ أيِّ عقلٍ في أيِّ وقتٍ أو مكان».

        ابتكر ابن خلدون أيضًا علمًا جديدًا وهو «علم العمران»، وفي كتابه أعطى أيضًا مفهومه المتعلق بالعصبية، أي التماسك الاجتماعي، ووفقًا لهذا المفهوم، ينشأ التلاحم تلقائيًّا بين القبائل أو مجموعات القرابة الصغيرة التي يمكن اتحادها من خلال الأيديولوجية الدينية المؤدية إلى السُلطة، ولكنها تمتلك في حدِّ ذاتها بذورَ سقوطها التي قد تكون نفسيةً أو اجتماعيةً أو اقتصاديةً أو سياسية، لذلك يُعتبر ابن خلدون أيضًا الأب المؤسس لعلم الاجتماع، فقد كان التاريخ وفقًا له دورةً لا نهاية لها من صعود وهبوط المجتمعات في أطوارِ الازدهار والانحلال.

    واصل ابن خلدون علمه التدريسي في مصر كأستاذٍ وقاضٍ مالكي. وخلال إقامته في مصر تم إرساله في حملةٍ التقى فيها ابن خلدون مع تيمورلنك في عام 1400 م.
وفي 17 مارس عام 1406 م تُوفِّيَ ابن خلدون في القاهرة وتم دفنه في المقبرة التي تقع خارج باب النصر.

المصدر:

https://www.academia.edu/26526003/Ibn_Khaldun_The_Father_of_Historiography

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي