التفاصيل الجيولوجيّة لهضبة المقطّم

csm_Lempertz-1097-2587-Fine-Art-Carl-Wuttke-View-of-the-Mokattam-Moun_3b54e76e86
  1. “Egypt is a great place for contrasts: splendid things gleam in the dust”

“مصر مكان رائع للتناقضات: أشياء رائعة تتلألأ في الغبار.”

من كتاب فلوبير في مصر.

– غوستاف فلوبير -روائي فرنسي-.

(1) Location map of the Mokattam area.

 

هضبة المقطّم:

تقع هضبة المقطّم شرق القاهرة بين دائرتي عرض (30 1’ 55.48” – 30 1’ 47.78”) شمالًا وبين خطيْ طول (31° 16′ 43.52″ – 31° 16′ 23.83″) شرقًا.

تتكون الحواف المحيطة بها من عدة منحدرات والتي تشكّل الجدران الجانبيّة للهضبة، كما تتميز بمنحدر حاد يصل إلى 80 درجة من حيث الميل، ويتكون من عدة تسلسلات من الحجر الجيريّ، وصخور الطين، والمارل (وهو صخر رسوبي فتاتي ويعتبر مزيجًا من الحجر الجيريّ وصخور الطين).

وفي حالة حدوث تغيير كبير، قد تقع كتل الصخور وشظاياها بأحجام مختلفة في قاع الهضبة بسبب الجاذبيّة التي قد تسبّب مخاطر جسيمة للناس والمناطق السكنيّة؛ حيث ترتبط الحركة المحتملة للصخور في مناطق معيّنة بعدة أسباب، منها: وجود أحجار رمليّة متماسكة تحتها صخور طينيّة غير مستقرة، وتحلل صخرة الغطاء المتماسك بسبب تقاطع مجموعة التصدعات الرأسيّة وأسطح التطبق (bedding planes)، ووجود مكاشف الطبقات ذات المنحدرات الحادة، وهطول الأمطار، والأنشطة البشريّة (مثل أعمال التعدين ومياه الصرف الصحي والري) مما يضعف الصخور ويؤدي إلى تهشمها وسقوطها. [1]

جيولوجيًّا:

من الناحية الجيومورفولوجيّة:

يتميز الجزء الشماليّ من هضبة المقطّم بالتضاريس الوعرة نسبيًا، ومنحدر معتدل إلى الشمال. تُقطع بأودية عميقة وضيقة وطويلة نسبيًا بالإضافة إلى خطوط صرف المياه التي تتبع مناطق الصدع E-W والتي تُصرّف نحو الشرق. ونجد أنّه غالبًا ما تتبع خطوط صرف المياه باتجاه الشمال حيث الفوالق والكسور (الشاذلي وآخرون، 1976). [2]

(2) Geomorphologic map of Gebel Mokattam area after Moustafa and Abdel Tawab (1985).

من الناحية الطباقيّة:

يقع جبل المقطّم شرق القاهرة (الشكل 1) وهو مغطى بشكل أساسيّ بتتابع سميك من الكربونات ومكونات أقلّ من الصخور الطينيّة.

يتألّف هذا التتابع طباقيًا (الشكل 3) من مجموعة المقطّم في قاعدتها، تليها مجموعة المعادي صعودًا وتغطيها سحنات الحجر الرمليّ (the sandstone facies) لتشكيل جبل الأحمر. [3]

هذه الوحدات الصخريّة هي كما يلي من القاعدة إلى أعلى:

(3) Schematic representation of the two studied sections.

 

  • مجموعة المقطّم (قاعدة التتابع):

تضم هذه المجموعة القسم الذي وصفه Zittel (جيولوجي ألماني وإحاثيّ) في الأصل (1883) تحت مصطلح (Untere Mokattamstufe). الحد الأدنى لهذه الوحدة الصخريّة غير مكشوف، لكن الحد العلويّ واضح ويتسم بتغيير في السحنات (وحدات صخرية) من الكربونات الصلبة البيضاء إلى الكربونات المصفرة ثم إلى المارل الأصفر المتغير إلى البني حتى الوصول إلى الحجر الجيريّ المحتوي على الرمال الخاصّة بالطبقة السفلى من مجموعة المعادي التي تعلوها. تم تقدير عمر مجموعة المقطّم على أنّها من الإيوسين الأوسط (Middle Eocene) من قِبَل مؤلفين مختلفين (Said, 1990).

في هذه المنطقة، تتكون هذه المجموعة من سحنات الحجر الجيريّ الأبيض المصفرّ المحتوي على حفريات (nummulites).

يبلغ سمكها حوالي 24 مترًا في العينة الطباقية “M”، وحوالي 26 مترًا في العينة “S” (شكل 3).

“ترسبت طبقات مجموعة المقطّم في بيئة بحريّة (Offshore): بيئة الجرف البحري (marine shelf)، وبيئة الجرف الضحل (shallow shelf).”

(4) بيئات ترسيب الطبقات المكونة لجبل المقطم.

  • مجموعة المعادي:

هذه المجموعة تعلو مجموعة المقطّم. تتميز رواسبها بطابعها الفتاتيّ أكثر من رواسب مجموعة المقطّم، مُكَوَّنة في معظمها من الصخر الطينيّ والمارل المتداخل مع الحجر الجيريّ. هذا الصخر الطينيّ (Shale) أخضر رماديّ اللون، محتوي على جير بكميّة كبيرة، أحفوريّ، ورمليّ جزئيًا. الحجر الجيري من البني الفاتح إلى البني الداكن، يحتوي في تركيبه على الطين بدرجة كبيرة، وهو متوسط الصلابة ومحتوي على الليمونيت (صخر حامل لأكسيد حديد) (Said, 1990).

يُعتقد أنّ مجموعة المعادي ترسبت في عصر الإيوسين المتأخر (Late Eocene).

في هذه المنطقة، يتم تمثيل هذه المجموعة في العينة الطباقية “M”، وتغيب في العينة “S” (شكل 3).

وتتكون من حجر جيري أبيض مصفر إلى أبيض رمادي، متوسط الصلابة، محتوي على مارل، وسمكها حوالي 10 أمتار.

“ترسبت طبقات مجموعة المعادي في البيئات القريبة من الشواطئ (nearshore)، والبحيرات (lagoonal).”

  • تكوين جبل الأحمر (أعلى التتابع):

الجزء العلويّ من التتابع مغطَى برمال وحصى تكوين جبل الأحمر. يتم تعيين زمن هذه الوحدة الصخرية، التي تطغي رواسب الإيوسين المتأخر لمجموعة المعادي (يفصلهم سطح عدم توافق مما يعني حدوث تعرية)، على أنّها تنتمي للأليغوسين (Oligocene).

في هذه المنطقة، يتم تمثيل تكوين جبل الأحمر في العينة الطباقية “M”، ويتكون من الحجر الرمليّ الرماديّ المصفر إلى البنيّ المصفر شديد الصلابة، وسمكها حوالي 5 أمتار.

(5) الوصف الحديث وتفسير القسم الطبقي الأيوسيني في جبل المقطم.

من ناحية احتوائها على حفريات:

الحفريات الفقارية:

في القرنين التاسع عشر وبداية العشرين، تم جمع الفقاريات الأحفوريّة بشكل خبيث وانتهازيّ حيث تم العثور عليها في جبل المقطّم من قبل العمال الذين يستغلون الأحجار لأغراض البناء وغيرها من الأغراض والتي تم شراء بعضها من قبل الجيولوجيين وعلماء الحفريات وممثلي المتاحف، مما يعني أنّه كان يمكن أن يكون لديهم القليل من المعلومات المصاحبة أو المحليّة للطبقة.

حفريات مثل (Eotherium aegyptiacum)، (“Manatus” coulombi)، (Protocetus atavus)، (“Mesocetus ” schweinfirthi)، (Protosiren fraasi

(Eotherium (Eosiren) abeli)، (Eotherium majus)، قد تم الحصول عليها بنفس الطريقة، على عكس الحفريات الموجودة في الفيوم على سبيل المثال، والتي وُجدت في الصحراء محفوظة طباقيًا، وبالتالي معلوم موقعها ومستواها الطبقيّ بشكل أفضل من حفريات جبل المقطم. [4]

الحيتان (CETACEA)

(6)
Protocetus atavus.
Mokattam,
[top of Lower Building Stone Mbr. of Mokattam Fm.]

(7) الجزء العلوي للجمجمة في متحف فور ناتوركوند في برلين.

(8)
Mesocetus schweinfurthi
[now placed in Eocetus Fraas]
Mokattam fm,
[Giushi Fm.]

خيلانيات (Sirenia)

(9)
Eotherium aegyptiacurn
[now placed in Eotheroides Palmer]
White nummulitic limestone of Mokattam cliffs
[Lower Building Stone Mbr. of Mokattam Fm.]

(10)
Protosiren fraasi
Mokattam Hills
[Lower Building Stone Mbr. of Mokattam Fm.]

حفريات لافقارية وعوالق:

لم يكن من الممكن أبدًا تصوّر أنّ هناك كنز من الحفريات في هذه المنطقة، لذلك كان لزامًا أن يتم فحص العينات التي تم جمعها من طبقات الإيوسين في جبل المقطّم للبحث في محتواها من الكائنات المجهريّة (microfaunal). مع أنّ هذه الدراسات كانت قديمة إلى حد ما وليست بنفس تقنيات اليوم الحديثة، لكنّها أسفرت عن احتوائها على العديد من التجمعات المختلفة من الحفريات المجهريّة الجيريّة، والتي يتركب جدارها الأحفوريّ من مادة الصخر الجيريّ (calcareous nannofossils)، وعوالق (planktonic foraminifera).

العينات التي عُثر عليها في جبل المقطم، وُجدت وهي متحجّرة للغاية مع مجموعة معروفة من الحفريات النانويّة الجيريّة، والتي تسمى (Discoaster barbadiensis – saipanensis).

a) Discoaster saipanensis.

b) Discoaster barbadiensis.

(11) (a)، (b) العوالق الجيريّة في الجزء القاعديّ من تكوين المقطّم.

من المهم تسجيل أنّه لم يتم العثور على أثر للعوالق (planktonic foraminifera) في تكوين المعادي الذي يعلو تكوين المقطّم، وللأسف فإن الحفريّات النانويّة الجيريّة وُجدت على درجة ضعيفة من التحفّر، ومحفوظة بشكل سيئ؛ مما قد يصعب دراستها وتصنيفها. [5]

من الناحية الهيكليّة

تُظهر طبقات مجموعة المقطّم ميلًا إقليميًا نحو الشمال والشمال الشرقيّ (شكل 4) مع وجود مقدار من الميل يتراوح بين 0° و25° مع قيمة سائدة للميل تبلغ 10°. يتم تسجيل بعض الانحرافات المحليّة خاصةً بالقرب من بعض مناطق الصدع التي يتم فيها خلخلة الطبقات (El-Shazly et al., 1976). للفوالق والتصدعات دور مهم في تطوير التكوين الحاليّ لمنطقة جبل المقطّم وتمثل المناطق الضعيفة حيث يمكن تنشيط الحركات (Elbeih, 2002). [2]

(12) خريطة جيولوجيّة ل(a) جبل المقطّم هيكليًا و(b) مقاطع عرضيّة، U= المناطق الحضريّة حول G. Mokattam، المواقع (S1 – S4) هي مواقع ميدانيّة لدراسة انهيارات المقطم.[6]

إن لم يُبهركَ ما جاء في العناوين الفائتة فلتنتظر، أؤكد أنّ ما ستقرأه تاليًا سيُذهلك!

أربعة آلاف عينٍ تُرشدنا

كلما قرأتُ شيئًا ما عن الحضارة الفرعونيّة القديمة يزداد لديّ إحساسي بالفخر مختلطًا بشيء من الجنون والنشوة، مع بعض قطرات من عدم التصديق بأنّ هؤلاء القوم قد رحلوا منذ آلاف السنين، أشكُّ في ذلك، حتمًا حضارة كهذه الحضارة لا تموت بسهولة، من المؤكد أنّ هناك مدينة فرعونيّة في مكان ما لا يزال سكّانها على قيد الحياة!

أستطيع التصديق مثلًا أنّهم أخضعوا قوىً كونيّة لإرادتهم، أو أنّهم تحكّموا في طاقات العالم أو أنّهم قاموا بصنع مسلّة سريّة وصلوا بها إلى الشمس، أنا متأكد من أنّ هناك أي شيء خارق للطبيعة سيخرج علينا يومًا ما ساخرًا من ضآلة ما وصلنا إليه مقارنةً بما فعلوه منذ أربعة آلاف عام.

في هذا المقال حاولت ألّا أتعثّر بأي شيء يعود بي إلى تلك الحضارة، وتعثّرت!

مقال فقط عن وصف جيولوجيّة جبل المقطّم وتكوينه ومحتواه الأحفوريّ… إلخ، دون أن أعلم أنّ هناك مَن وصَف هذه المنطقة واستغلها بدون آلاتنا الحديثة، بدون تقنيّات، بدون حملات أثريّة وبعثات، بدون تقنيّات القمر الصناعيّ والاستشعار عن بعد، إلّا لو أنّهم امتلكوا قمرًا صناعيًا بالفعل!

(13) مواقع التعدين في مصر القديمة.

لنفترض أنّك ستسير على قدميك ابتداءً من الأقصر جنوبًا -في اتجاه الشمال- حتى القاهرة، ستجد أنّ نهر النيل مُحاط بجروف من الأحجار الجيريّة الإيوسينيّة المتفاوتة في النوع والتركيب والشوائب وظروف التكوين، ستجد مواقع محظورة محليًا، وعند استفسارك تجد أنّها استُخدمت من قِبل المصريين القدماء (بدون الإشارة إلى مناجم الجرانيت والبازلت والذهب الباقية آثارها حتى الآن)، وقد تم التعدين بذكاء ودراسة، حيث إنّ المناجم تركّزت في المناطق التي احتوت على الأحجار الجيريّة الأكثر كثافة والأشد مقاومة، والفقيرة في المحتوى الأحفوريّ، والتي تواجدت في شرق نهر النيل في المقطّم، ومواقع أخرى مثل طرة، والمعصرة. [7]

مسلة غير مكتملة، طولها 42 مترًا، في محجر جرانيت أحمر وردي جنوب أسوان، تم قطعها بالفعل من الصخور من ثلاث جهات باستخدام الأدوات الحجريّة فقط.

محجر حجر رمليّ قديم من العصور البطلميّة في جبل السلسلة. تُظهر الآثار الموجودة على الجدران المتبقيّة أحجامَ الكتل وتعطي إشارة إلى جودة تقنيّة الحفر. يمكن أن تساعد هذه التفاصيل في إعطاء تاريخ للمحجر ومواقع أخرى، دون وجودها على نقوش مُؤرّخة.

تبلغ كمية الحجر الجيريّ المستخرَج في مصر القديمة حوالي 20 مليون طن، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هرم خوفو وحده يحتوي على 2.7 مليون متر مكعب من الحجر الجيريّ على وجه الحصر تقريبًا من قطاع المقطّم – طرة.

“مصر ليست دولةً تاريخيّة، مصر جاءت أولًا ثم جاء التاريخ.”

– نجيب محفوظ.

صورة ماعت إلهة العدالة عند قدماء المصريين.

المراجع

  1. STUDY AREA AND DATA ACQUISITION
  2. Eid, M.M., Fattah, E.A., Zaghloul, E.A., Elbeih, S.F., 2003. Measurement of Surface Lateral Ground Movements in the Vicinity of the Southwestern Scarp, El-Mokattam Plateau, Cairo, Egypt. Journal of the Egyptian Geotechnical Society 14, 1-22. 
  3. Elewa, A. M. T. (2004). Quantitative analysis and palaeoecology of Eocene Ostracoda and benthonic foraminifera from Gebel Mokattam, Cairo, Egypt. Palaeogeography, Palaeoclimatology, Palaeoecology, 211(3-4), 309–323. 
  4. Gingerich, P. D. (1992). “Marine Mammals (Cetacean and Sirenia) from the Eocene of Gebel Mokattam and Fayum, Egypt: Stratigraphy, Age, and Paleoenvironments”. Contributions from the Museum of Paleontology. University of Michigan. 30: 1–84. 
  5. Sadek, A. 1972. Nannofossils from the Middle-Upper Eocene Strata of Egypt. Jahrbuch der Geologischen Bundesanstalt , v. 19, no. 2, p.107–131. 
  6. Moustafa, A. R., El-Nahhas, F., & Abdel Tawab, S. (1991). Engineering geology of Mokattam city and vicinity, eastern Greater Cairo, Egypt. Engineering Geology, 31(3-4), 327–344. 
  7. Klemm, D. D., & Klemm, R. (2001). The building stones of ancient Egypt – a gift of its geology. Journal of African Earth Sciences,  33(3-4), 631–642.

 

شارك المقال:
0 0 votes
Article Rating
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي