أثر الحالة النفسية للمرأة الحامل على الجنين
(الجزء الأول)
نعلمُ جميعًا أن فترةُ الحملِ حساسةً للغاية، بل وتحتاج إلى رعايةٍ خاصةٍ واِهتمامٍ مستمرٍ بكلِ ما تحمِلُه الكلمةُ من معنى، لما يُمكن أن يترتب من آثار على صحةِ الأمِ والجنينِ، كنتيجة لبعض الأفعال التي لم تُؤْخذ في الحسبان، بالتأكيد لا تغفلُ الأمهاتُ عن ضرورةِ الاِبتعاد عن الكثير من الأشياء الضارة أثناء هذه الفترة كالتدخين، اِحتساء المشروبات الكحولية، أو حتى تَجرُع بعض الأدوية دون اِستشارة الطبيب أو الصيدلي؛ لما يُمكن أن يترتب عليها من اَثار سَيّئةٍ على صحتها وعلى صحة جنينها…لكن هل تعلم أن حالة الأم النفسية والعصبية يمكن أن يكون لها تأثير مباشرعلى صحة الجنين؟ [1]
الحالة النفسية للمرأة الحامل قد تتسبب في اضطرابات لقلب الجنين:
تختلف معدلات ضربات قلب الجنين تِبعًا للحالة النفسية للأم الحامل سواء كانت تعاني من الاكتئاب، القلق أو حتى من ضغوطات الحياة اليومية، أظهرت الاِختبارات التي تم إجراؤها على الحوامل في الفترة من الأسبوع ال20 وحتى الأسبوع ال36 أن الأمهات اللاتي يعانين من ضغوطات عصبية أثناء فترة الحمل لديهم تنوع أقل في معدل ضربات القلب، أي أن الفارق بين معدل ضربات القلب في وضع الراحة، ومعدل ضربات القلب في وضع الإثارة أقل من غيرهم، مما يشير إلى أن الأزمات النفسية قد تؤثر على قدرة الجهاز العصبي الباراسمبثاوي على التحكم في ضربات قلب الجنين. كما أثبتت بعض الدراسات أن أجنة الأمهات اللاتي يعانين من الاكتئاب لديهم معدل ضربات قلب أعلى من غيرهم، كما أن استجابتهم للمؤثرات الخارجية أبطأ، بالإضافة إلى طول الفترة المطلوبة لعودة معدل ضربات القلب إلى الطبيعي بعد زوال المؤثر. [2]
النشاط الحركي للجنين قد يتأثر أيضًا:
يتأثر النشاط الحركي للجنين أيضًا بشكلٍ كبيرٍ بالحالةِ النفسيةِ للأم، ففي إحدى الدراسات تم اِستخدام الموجات فوق الصوتية لملاحظة النشاط الحركي للجنين لبعض الحوامل في الأسابيع من 18- 36 لمعرفة تأثير الحالة النفسية للأم على النمو العصبي للجنين وقد تمَّ ملاحظة أن أجنةَ الحواملِ اللاتي تعانين من الاكتئاب ينشطون وقتًا أكثر من نظرائِهم، كما أشارت بعض الدراسات إلى أن أجنة الحوامل اللاتي تعانين من القلق يقضون وقتًا أطول في النوم…هذه الاختبارات على اختلاف نتائجها تشير بشكل واضح إلى أن الحالة النفسية للحامل لها تأثير مباشر على نمو الجهاز العصبي للجنين وأن صحة الأم النفسية عامل مهم للحفاظ على صحة الجنين العصبية. [2]
ما تم ذكره كان يخص التغيرات التي تحدث أثناء فترة الحمل، لكن هنالك أيضًا عدة اًثار يمكن أن تظهر على الجنين بعد أن يولد:
تأثير الحالة النفسية للحامل على النمو الإدراكي للطفل:
أظهرت العديد من الأبحاث أن التوتر الحاد الذي تتعرض له الأم أثناء الحمل؛ قد يؤثر على إدراك الطفل وعلى قدرته على الإبداع والتفكير بصورة كبيرة، تم تحديد ذك من خلال تقييم مستويات التوتر التي تتعرض لها الأمهات أثناء فترة الحمل ثم متابعة نمو الطفل بعد الولادة، بالإضافة إلى مرورهم ببعض الاختبارات لتحديد قدراتهم الإبداعية واللغوية. [1]
من أمثلة ذلك:
-الدراسة التي أقيمت في معهد دوجلاس (Douglas Institute) حيث قاموا بمراقبة النساء الحوامل وأطفالهم لمدة محددة بعد تعرضهم لعاصفة ثلجية عنيفة للغاية؛ ووجدوا أن الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم لضغوط حسية عالية كانوا يمتلكون قدرات إدراكية ولغوية أقل من الذين تعرضوا لضغطوطات قليلة. [1]
-هناك أيضًا دراسة تمت بهولندا للربط بين الضغوطات التي تتعرض لها الأمهات أثناء الحمل وتأثيرها على الأداء العقلي للأطفال، ووجدوا أن الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم لمستويات عالية من هرمونات التوتر؛ يحرزون درجات أقل في اختبارات القدرات الإدراكية مقارنةً بأقرانهم. [1]
تأثير الحالة النفسية للحامل على سلوك الطفل:
هناك العديد من الأدلة التي تثبت أن الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم للتوتر أثناء الحمل يجدون صعوبات في الانتباه، كما أن سلوكياتهم تكون أكثرعدوانية، فمن ملاحظات الدراسة التي أقيمت في معهد دوجلاس أن هؤلاء الأطفال يجدون مشاكل خاصة بالانتباه في رياض الأطفال، كما تتزايد فرص ظهور حالات الاكتئاب بينهم…وفي الدراسة التي قامت بها جامعة تولان (Tulane University) لتَقييم آثار إعصار كاترينا وجدوا أن نسبة 55.3% من الأطفال في المساكن المدعومة في المسيسيبي يعانون من مشاكل عاطفية وسلوكية لم تكن موجودة قبل الإعصار، حتى بعد 21 شهر من الإعصار كان 25.4% من أطفال المسيسيبي و37.1% من أطفال لويزيانا يعانون من اضطرابات سلوكية. [1]
تأثيرها على النمو الجسدي للطفل:
وَجَدتْ الدراسات الحديثة أن توتر الأمهات أثناء الحمل له دور في مشاكل الولادة وضعف الطفل وقلة الوزن وتأخر النمو الجسدي.
فقد وجدت الدراسة التي أقيمت أن: النساء اللاتي تعرضن للعاصفة الثلجية في الثُلُثِ الأولِ من الحمل عانينَ من مشاكلِ أثناء الولادة، ووجدوا أن الأمهات اللاتي تعرضن للضغط في الثلث الثاني من الحمل أنجبوا أطفالًا ذو بصمات غير متناسقة…هذه النتائج تدل على حساسية الجنين للحالة العاطفية للأم، حيث أن نمو بصمات الأصابع يتم في الثُلُثِ الثاني من الحمل وهي فترة تنمو فيها العديد من الأجزاء الهامة في المخ، كما أن الضغوطات العصبية لها دور في قلة وزن الطفل أثناء الولادة وفي تأخر النمو الجسدي بصفة عامة. [1]
تأثيرها على الحالة العقلية للطفل:
تعرض الأمهات للضغوطات العصبية أثناء الحمل له علاقة واضحة بتزايد مخاطر إصابة الطفل بالتوحد، السكيزوفرينيا والاكتئاب، ففي إحدى الدراسات في أوهايو وُجِدَ أن الأم التي تعرضت لضغوطات أثناء الحمل مثل فقدان العمل أو موت الزوج تتزايد معدلات إصابة أطفالهم بالتوحد، وفي دراسة أخرى في فنلندا وُجِدَ أن الأطفال الذين يفقدون آباءهم أثناء الحمل هم غالبًا أكثر عرضة للنشوء بعدة مشاكل نفسية. [1]
هذه الدراسات وغيرها تشير إلى تأثير الحالة النفسية للحامل على الطفل قبل وبعد الولادة وتشير إلى أهمية الحفاظ على الصحة النفسية للمرأة الحامل لحماية الطفل من المشاكل التي قد يتعرض لها بسبب الاضطرابات النفسية التي عانت منها الأم أثناء الحمل.
ولكن كيف يمكن أن تحدث كل هذه المشاكل عند الطفل بسبب الحالة النفسية للأم؟ وكيف ينتقل التوتر من الأم إلى الجنين؟
هذا ما سنتناوله في المقال القادم.
إعداد: Mohamed El-Nile
مراجعة علمية: Mahmoud Ahmed
مراجعة لغوية: Mahmoud ELdaoshy
تصميم:Mahmoud Ahmed
المصادر:
مصدر إضافي: