«أعتقد أن العامل الوحيد في ذاتي أني ولدت لأكون هادئًا، مراقبًا ومنعزلًا قليلًا، فقد كنت أستمتع بذلك بينما لا يستمتع الأطفال الصغار الآخرين بذلك، لا أعرف إذا كان السبب وراء ذلك سببًا بيئيًا أو في موروثاتي. إن أول ما أشعل الاهتمام بداخلي هو رؤية رسم لتركيب جزيئي، فكان أول ما فكرت به هو «ياللهول!»، إذا كان هذا هو ما تتشكل منه الطبيعة؛ فإني أود أن أتعلم المزيد عنه، إن كل شيء يصبح مثيًرا عندما تنظر إليه على المستوى الأساسي».
كان هذا جزءً من الحوار الذي أجراه دكتور الكيمياء الحيوية الأردني عمر ياغي في العدد الأول لمجلة السعودي العلمي، ولكن إذا كنت تريد المزيد؛ تابع إذًا هذا المقال.
من هو عمر ياغي؟
مقالنا هنا عن البروفيسور الأردني عمر ياغي أستاذ العلوم الفيزيائية والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا بفرع بركلي في الولايات المتحدة الأمريكية. وُلِدَ النابغة في العاصمة الأردنية عمان عام (1965م)، وانتقل في الخامسة عشر من عمره إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليكمل تعليمه، فحصل على شهادة البكالوريوس في جامعة ولاية نيويورك بمدينة ألباني عام (1985م)، ثم الدكتوراة في جامعة (إلينوي-أوربانا University of Illinois-Urbana) بالتعاون مع البروفيسور (والتر جي Walter G) عام (1990م)، ثم زمالة ما بعد الدكتوراة مع البروفيسور (ريتشارد هولم- Richard H. Holm) بجامعة هارفارد ما بين عامي (1990-1992م)، التحق فيما بعد بأعضاء هيئة التدريس بجامعة ولاية أريزونا ما بين عامي (1992-1998م)، ثم بجامعة ميتشغان ما بين عامي (1999-2006م)، ثم بجامعة كاليفورنيا ما بين عامي (2007-2011م)، وحاليًا مديرًا لـ(مختبر لورانس بيركلي القومي Lawrence Berkeley National Laboratory) و (معهد كالفي لعلوم النانو Kavli Energy NanoScience Institute).
إنجاز عمر ياغي الأشهر
يفتقر مليارات من البشر المقيمين في مناطق قاحلة (ويمثلون ما يقرب من ثلث سكان العالم) إلى وجود مياه نظيفة وصالحة للشرب معظم أيام السنة، وقد يتطلب الحصول على تلك المياه السفر والترحال إلى أماكن بعيدة عن أماكن إقامتهم، فماذا لو حصلنا على تلك المياه من الهواء؟
توجد العديد من الطرق التي يمكن بها استخلاص المياه من الهواء ولكنها تحتوي العديد من المشاكل مثل الآثار الجانبية للمواد الماصة للماء (الزيوليت كمثال)، والحاجة إلى طاقة كهربائية كبيرة لتشغيل الأجهزة المصممة لهذا الغرض، بالإضافة إلى وجود مستويات عالية من الرطوبة في الهواء.
اختبر الباحثون في البداية في معهد (MIT) بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا فرع بركلي طريقة جديدة، وهي عبارة عن نظام يتكون من بلورات مسامية تسمى (الهياكل الفلزية-العضوية metal-organic frameworks) وتسمى اختصارًا (MOFs)، حيث لا تحتاج تلك البلورات إلى وجود أي كهرباء بالإضافة إلى التغلب على مشاكل الآثار الجانبية للمواد الماصة للمياه، وصغر حجمها الذي يقل عن الأجهزة المسخدمة للزيوليت بمقدار عشر مرات تقريبًا، بالإضافة إلى زيادة السطح الممتص للماء لما يقرب ملعب كرة لكل جرام من تلك البلورات (كل جرام بحجم مكعب سكر تقريبًا)، ولكن تظل مشكلة الطاقة قائمة إذ إن البلورات لا تتخلص من المياه التي تمتصها إلا بالتسخين، فما الحل؟
في أبريل من العام (2017م) وبالتعاون مع معهد (MIT) قام الفريق البحثي الخاص بالدكتور عمر ياغي بمساعدة المهندس (إيفيلين وانغ Evelyn Wang) بتصميم نموذج أولي لجهاز يحتوي على (MOFs) المادة الماصة بها هي (فيومرات الزيركنيوم zirconium fumarate) والتي تتمتع ببقوة تجاذب عالية مع جزيئات الماء، حيث تسحب الرطوبة من الهواء الجوي بين مساماتها الكبيرة ومن ثمّ تجمع المياه في خزانات، وكل ذلك فقط باستخدام الحرارة الصادرة من الشمس، وتستطيع البلورات الجديدة إنتاج (2.8) لتر من المياه يوميًا عند مستويات رطوبة تصل إلى (20%) (والتي تتوافق مع نسب الرطوبة في الصحاري)، ومع ذلك يرى الباحثون أن المجال أمام تحسين مثل تلك الأجهزة مازال مفتوحًا من حيث تقليل تكلفة المواد المستخدمة (يصل سعر الجرام الواحد من الزيركنيوم إلى (150) دولارًا)، بالإضافة إلى زيادة كمية المياه المنتجة من تلك الأجهزة.
جوائز عمر ياغي
على الرغم من صعوبة حصر الإنجازات العلمية وأبحاث الدكتور عمر ياغي؛ إلا إن باستطاعتنا ذكر بعض الجوائز الذي حصل عليها تكريمًا على تلك الأبحاث ومنها:
1- جائزة الحالة الصلبة المقدمة من الجمعية الأمريكية للكيمياء عام (1998م).
2- الوسام الساكسوني من الجمعية الإيطالية للكيمياء عام (2009م).
3- صنفته صحيفة (Popular Science Magazine) من بين ألمع عشر علماء ومهندسين في الولايات المتحدة الأمريكية عام (2006م) على أبحاثه في مجال تخزين الهيدروجين.
4- جائزة برنامج الطاقة الهيدروجينية التابع لإدارة الطاقة الأمريكية على مساهمته البارزة في مجال تخزين الهيدروجين.
5- جائزة المركبات الكيميائية من قبل الجمعية الأمريكية للكيمياء عام (2009م).
6- الجائزة المئوية المقدمة من الجمعية الملكية للكيمياء بالمملكة المتحدة عام (2010م).
7- (جائزة النانو الصينية- China Nano Award) عام (2013م).
8- جائزة الملك فيصل الدولية للعلوم عام (2015م).
9- وسام الملك عبدالله الثاني للتميز من الدرجة الأولى عام (2017م).
10- الجائزة العالمية المقدمة من الجمعية اليابانية للكيمياء التناسقية عام (2017م).
11- جائزة الكويت في العلوم الأساسية عام (2017م).
وأخيرًا
في إطار الحوار الذي أجراه ياغي في العدد الأول لمجلة السعودي العلمي وعند سؤاله عن نصيحة يوجها للشباب العربي قال:
«إن الشباب العربي والشباب من مختلف البلدان يواجهون تحديات مشابهة في التقدم بمعرفتهم، نصيحتي أن يطوروا معرفة عميقة في المواضيع التي تثير اهتمامهم بدلًا من أن يمتكلوا معرفة سطحية من عدة مواضيع، نصيحتي إلى هؤلاء في العلم بالفعل هو أن يجعلوا العلوم والبحث الأولوية الأولى في رحلتهم، فلا تتشتت بما يجري حولك في مؤسستك وبيئتك المحيطة».
إعداد: أحمد فهمي
مراجعة علمية: أميرة إسماعيل
مراجعة لغويّة: Matalgah Hamzeh
المصادر:
(1)
(2)
(3)
(4)