جميعنا ككائنات حيّة نتكون من مجموعة من الخلايا، توجد في كل خليّة المادة الوراثية الخاصة بها، التي تختلف من كائن لآخر وتميز كل كائن عن الآخر بصفاته الفريدة. هذا التنوع في كل تلك الكائنات ينتج من 4 حروف فقط فى الماده الوراثية المعروفه باسم (الحمض النووي – DNA). لكن ماذا يحدث عند مضاعفة هذا العدد إلى 8 أحرف ؟!
يُخزِّن الحمض النووي الموجود في جميع الكائنات الحيّة معلوماته في 4 موادٍ كيميائية رئيسية، وهي: الجوانين (G)، السيتوزين (C)، الأدينين (A)، والثايمين (T).
والآن ضاعف العلماء من عدد وحدات بناء الكائنات الحية، مما خلق لأول مرة لغة وراثية اصطناعية مُكوَّنة من 8 أحرفٍ، التي تُخزِّن وتُدوِّن المعلومات مثلها مثل الحمض النووي الطبيعي.
في دراسة نُشرت في 22 فبراير بمجلة (Science)، تُشير مجموعة من الباحثين بقيادة «ستيفن بينر»، مؤسس (مؤسسة التطور الجزيئي التطبيقي -foundation for Applied Molecular Evolution)، أن هذه الأبجدية الجديدة يمكن لها من الناحية النظرية، أن تدعم الحياة أيضًا.
أنشأ فريق بينر، الذي يضم باحثين من مختلف الشركات والمؤسسات الأمريكيّة، الحروف الصناعية عن طريق تعديل البنية الجزيئية للقواعد العادية.
إن حروف زوج الحمض النووي ترتبط لأنها تشكل روابط هيدروجينية: كل منها يحتوي على ذرات هيدروجين، تنجذب إلى ذرات النيتروجين أو الأكسجين في شريكها. ويشرح بينر أنه يشبه قليلاً مكعبات (ليغو – lego) التي تلتصق ببعضها البعض عندما تتداخل كالقفل والمفتاح.
من خلال تعديل هذا القفل والمفتاح، تَوصَل الفريق إلى عدة أزواج من القواعد، بما في ذلك زوج يُدّعَى (S،B)، وآخر (P،Z).
في أحدث ورقة، يصف فيها الباحثون كيف يجمعون بين هذه القواعد الاصطناعية الأربعة والقواعد الطبيعية. ويسمي الباحثون اللغة الناتجة من ثماني حروف «Hachimoji» حيث المفردات اليابانية لـ “ثمانية” و “حرف”. وتتشابه القواعد الإضافية مع بعضها البعض في شكل واحد من الأربعة الطبيعية، ولكن لها اختلافات في أنماط الترابط الخاصة بها.
ثم أجرى الباحثون سلسلة من التجارب التي أظهرت أن متوالياتهم التركيبية تتشارك في خصائص مع الحمض النووي الطبيعي الضروري لدعم الحياة.
استرجاع البيانات
لكي يتأكد العلماء من عمله كنظام لتخزين المعلومات، فإن عليه اتِّباع قواعد يمكن التنبؤ بها، لذا أثبت الفريق أولاً أنه بطريقة مشابهة للقواعد العادية، تكون القواعد التركيبية مُثبَتة بشكل موثوق. لقد قاموا بإنشاء مئات من جزيئات الحمض النووي المُصنَّعة، ووجدوا أن الرسائل المرسلة إلى أجزائهم المتشاركة معهم مُسّتَجاب لها .
ثم أظهروا أن بنية اللّوالب المزدوجة ظلت ثابتة بغض النظر عن ترتيب القواعد التركيبية. وهذا أمر مهم لأنه يجب أن تتطور تسلسلات الحمض النووي دون تغيير الهيكل بأكمله. وباستخدام حيود الأشعة السينية ، أظهر الفريق أن ثلاثة متواليات مختلفة من (الحمض النووي – DNA) المُصَنّع احتفظت بنفس البنية عندما تبلورت.
وأخيرًا، أظهر الفريق أن الحمض النووي التركيبي يمكن تحويلة إلى (حمض نووي ريبوزي – RNA).
كما يقول بينر:
“القدرة على تخزين المعلومات ليست مثيرة للاهتمام بالنسبة للتطور، يجب أن تكون قادرًا على نقل تلك المعلومات إلى جزيء يفعل شيئًا”.
يعتبر تحويل الحمض النووي إلى حمض نووي ريبوزي خطوة أساسية لترجمة المعلومات الجينية إلى بروتينات، وهذا ما تفعله للحياة.
لكن بعض تسلسلات RNA، المعروفة باسم (الأبتاميرات – aptamers)، يُمكنها نفسها أن ترتبط بجزيئات محددة.
أنشأ فريق بينر (DNA) الذي يرمز إلى (أبتامير – aptamer) معين ثم أكد أن النسخ قد حدث، وأن تسلسل الحمض النووي الريبوزي يعمل بشكل صحيح.
مجموعة متنوعة من الحياة
ومع ذلك، يقول بينر:
“إن العمل يبين أن الحياة يمكن أن تدعمها قواعد الحمض النووي مع هياكل مختلفة من الأربعة التي نعرفها، والتي يمكن أن تكون ذات صلة في البحث عن الحياة في مكان آخر في الكون”.
إن إضافة رسائل إلى الحمض النووي يمكن أن يكون لها أيضًا تطبيقات أكثر واقعية. ومع المزيد من التنوع في كتل البناء الجينية، يمكن للعلماء إنشاء تسلسلات الحمض النووي (RNA) و (DNA) التي يمكن أن تقوم بأشياء أفضل من الأحرف الأربعة الأساسية، بما في ذلك الوظائف التي تتجاوز التخزين الجيني.
على سبيل المثال، أظهرت مجموعة بينر سابقًا أن خيوط الـ حمض النووي التي شملت (Z،P) كانت أفضل في الارتباط بالخلايا السرطانية من التتابعات مع القواعد الأربعة الأساسية فقط.
يمكن للباحثين استخدام حمضهم النووي الاصطناعي لإنشاء بروتينات جديدة بالإضافة إلى (الحمض النووي الريبوزي – RNA).
كما قام فريق بينر بتطوير أزواج إضافية من القواعد الجديدة، مما يتيح إمكانية إنشاء هياكل الحمض النووي التي تحتوي على 10 أو حتى 12 حرفًا. لكن حقيقة أن الباحثين قاموا بالفعل بتوسيع الأبجدية الجينية إلى ثمانية هي في حد ذاتها حقيقة رائعة.
ترجمة: بهاء علاء
مراجعة علميّة: مرثد محمد
تدقيق لغوي: مي محسن
تحرير: نسمة محمود
المصدر:
Four new DNA letters double life’s alphabet [Internet]. [cited 2019 Mar 6]. Available from: https://www.nature.com/articles/d41586-019-00650-8