الثقب الأسود هو من أكثر الأجرام السماوية غموضًا فبعض الثقوب السوداء موجودة منذ ملايين السنين ومصيرها غير محدد، فهي تلتهم كل شيء ولا يفلت منها حتى الضوء نفسه! لذلك تعد دراستها من أصعب المحاور البحيثة في علم الكونيات(Cosmology).
من الصعب دراسة أقرب منطقة إلى ثقبٍ أسود، فالثقوب السوداء بطبيعتها تبتلع الضوء؛ ولذلك فالطريقة الوحيدة لإجراء الدراسة هي بشكلٍ غير مباشر وذلك عن طريق رصد آثاره على أشياءٍ أخرى بدلًا منه. ففي شهر نيسان (أبريل) 2019 التقطنا أوّل صورة على الإطلاق لأحدها (أو على الأقل لأفق الحدث الخاص به)؛ -أفق الحدث هو المكان الذي يمكن رؤية آخر ضوء فيه قبل ابتلاعه بواسطة الثقب الأسود- واحتاج الأمر مرصدًا بحجم الأرض وهو تلسكوب أفق الحدث Event Horizon Telescope للقيام بذلك، أمّا الآن فقد استخدم الباحثون الأشعة السينيّة X-rays لإجراء مسح لما يحيط بالثقب الأسود لأوّل مرّة، ولكن للقيام بذلك اضطرّوا للانتظار حتى يبتلع الثقب الأسود بعض المواد لإلقاء نظرةٍ خاطفة على ما يحصل.
ما يحدث أثناء عملية الابتلاع هو أنّه تُسخَّن البلازما التي يلتهمها الثقب الأسود لتصل إلى درجات حرارة لا تُصدَّق وتبدأ بإصدار الضوء ضمن قسم الأشعة السينية من الطيف الكهرومغناطيسي. ترتد هذه الأشعة السينية حول المنطقة الملتوية بشكلٍ كبير ما يسمح للباحثين باستخدام الإشارة الفريدة لإعادة إنشاء هندسة الزمكان الموجودة حول الثقب الأسود الهائل supermassive black hole.
في ورقةٍ بحثية جديدة نُشرَت في مجلّة Nature Astronomy، أظهر العلماء كيف طُبّق ذلك على الثقب الأسود الهائل في مركز مجرّة IRAS 13224-3809. يُعدُّ هذا أحد أكثر مصادر الأشعة السينية المتباينة في الفضاء فيمكن أن يتغيّر سطوعه بمعامل 50 بغضون ساعات معدودة ما يجعله مرشحًا مثاليًا لاختبار منهج مسح الارتداد reverberation map هذا.
قال الكاتب الرئيسي للورقة البحثيّة ويليام ألستون William Alston، من جامعة كامبريدج University of Cambridge بالمملكة المتحدة في تصريح:
«يعرف الجميع كيف يُسمع صدى صوتهم مختلفًا عند التحدث في أحد الفصول الدراسية مقارنة بكاتدرائية واسعة؛ ويرجع ذلك ببساطة إلى هندسة الغرفة وموادها (علم الصوتيّات) والتي تتسبّب في سلوك الصوت وارتداده في المحيط بشكلٍ مختلف».
«بطريقةٍ مماثلة، يمكننا أن نشاهد كيفية انتشار أصداء الأشعة السينيّة في محيط الثقب الأسود من أجل رسم خريطة أو إجراء مسح للمنطقة وحالة تكتّل المادة قبل أن تختفي في التفرّد singularity، إنّه يشبه إلى حدٍّ ما صدى المكان الكوني cosmic echo-location »
كان العلماء يتوقعون رصد أصداء ضوء الارتداد التي استخدموها لرسم خريطة المنطقة ولكنّهم وجدوا شيئًا آخر مفاجئًا. تشكّل المواد التي تتحرك بشكل حلزوني نحو الثقب الأسود قرصًا تراكميًا وتوجد فوقه منطقة من الإلكترونات عالية الطاقة بدرجة حرارة تبلغ مليارات الدرجات؛ وهي منطقة الهالة أو الإكليل في الثقب الأسود. استنادًا إلى البيانات التي جمعها القمر الصناعي XMM-Newton التابع لوكالة الفضاء الأوروبيّة فقد اكتشف الباحثون أنه سيتغيّر حجم الهالة خلال بضعة أيام فقط.
توفّر عملية الرصد صورة فريدة لما يحدث حول الثقب الأسود، فضلًا عن أنّها تتيح أيضًا إجراء قياسات دقيقة لخصائص الثقب الأسود، ويعتمد حجم الهالة على كتلة الثقب الأسود ولفّه المغزلي -دورانه حول نفسه- وما يدور حوله، وبما أن الكتلة واللف المغزلي لا يتغيّران بسرعة فقد تمكّن الفريق من تحديدهما. وتبلغ كتلة الثقب الأسود الهائل لمجرّة IRAS 13224–3809 حوالي 1.9 مليون مرة من كتلة الشمس؛ أي أقل من نصف كتلة Sagittarius A* وهو اسم الثقب الأسود في مركز مجرة درب التبانة.
ستسمح المهمّات القادمة مثل أثينا Athena بالعديد من عمليّات الرصد هذه، ولن يساعد هذا في زيادة استيعابنا للثقوب السوداء فحسب، بل سيساعد أيضًا في اختبار نظريات الجاذبية وكيفيّة تطوّر المجرات بالنظر إلى الدور المحوري والأساسي الذي تلعبه الثقوب السوداء.
ترجمة:Rolan Jafar
مراجعة: آية غانم
تحرير: هدير جابر
المصادر:
1- XMM Newton maps black hole surroundings: https://www.esa.int/Science_Exploration/Space_Science/XMM-Newton_maps_black_hole_surroundings#.Xj7lP1kIC38.link
2- A dynamic black hole corona in an active galaxy through X-ray reverberation mapping: https://www.nature.com/articles/s41550-019-1002-x