إيجور ساخنوﭬسكي: «الرجل الذي عرف كل شيء»

spiritual-books-928

إيجور ساخنوﭬسكي||||

اخترق الروائي الروسي (إيجور ساخنوﭬسكي) أعتاب المجال الأدبي في آواخر التسعينيات بـ أعماله الأدبية المثيرة للجدل والدهشة حيث يؤكد أن الكثير مما تتضمنه تلك الأعمال -والذي يُصنَف كـ خيال علمي- هي مقتبسة عن أحداثٍ حقيقية!

وُلد الأديب والشاعر والروائي الروسي (إيجور ساخنوﭬسكي – Igor Sakhnovsky Игорь Сахновский) في إحدى مُدن الكيان الفيدرالي الروسي؛ مدينة أورِسك (Орск) عام 1958. درسَ (ساخنوﭬسكي) فقه اللغة (Philology)* في جامعة (أورال) الروسية (Ural State University)، ثم عمل كـ محرر علمي ورئيس تحرير في أكاديمية العلوم، كما أن له العديد من المنشورات في الصحف الأدبية داخل وخارج روسيا. يمتاز قلم (ساخنوﭬسكي) باستيلادِ نموذج خاص من الأدب مُنَكَّه بـ مزيجٍ مما يُدعى بالماورائية أو الواقعية الأثيرية، إلى جانب الفكاهة الساخرة، مع بعض لمساتٍ عطريةٍ من الرومانسية.

حصل (ساخنوﭬسكي) على العديد من الجوائز ، ففي عام 2002 حصل على الزمالة من مؤسسة (هاوثورندن) العالمية للكُتّاب، في 2003 فاز بالجائزة الكبرى في مسابقة (الديكاميرون) الروسية عن سلسلة من القصص القصيرة بعنوان «السعداء والمجانين»، وجائزة مجلة أكتوبر لـ أفضل إصدار لـ عام 2003. كما كان ضمن الترشيح النهائي للفوز بكلٍ من الجائزة الوطنية للأعمال الأكثر رواجًا لـ عام 2006، وجائزة (البوكر) الروسية لـ عام 2007.

إيجور ساخنوﭬسكي
إيجور ساخنوﭬسكي

 هناك بعض المواقف، والأشخاص، واللحظات الحياتية التي تنجم عنها حالة من الوَلَه الجامح والذي لا يترك معه الخيار سوى لـ تجسيده فنيًا

ساخنوﭬسكي

إن لغة (ساخنوﭬسكي) الثَّرية، الفريدة، والمميزة قد استقاها من ولعه المبكر -والممتد معه حتى أقصى مراحله العمرية- بالشعر والذي ساهم في كتابته ونشره لـ مجموعتين شعريتين في الثمانينيات.

وقد عبر (ساخنوﭬسكي) عن تقديره للبراعة في الصياغة الكتابية قائلًا:

وعلى الرغم أنه لا ينبغي أن تتمحور الجاذبية الكاملة نحو العمل الأدبي حول البراعة في الصياغة فحسب؛ إلا أنني أعجب وبشدة بالكتابة الآسرة

نشر ساخنوﭬسكي روايتَه الأولى «الاحتياجات العاجلة للموتَى» (The Vital needs of the dead -Насущные нужды умерших) عام 1999 في صحيفة عالم جديد (New World)؛ وكأن المجازيةَ قررت أن تلعب دورها في حياته منذ الوَهلة الأولى فـ يبدو اسم تلك الصحيفة بمثابة إشارةٍ رمزيةٍ تصادفيةٍ ما تُقِرّ أنه بتلك الرواية كان يخطو أولى خُطواته لعالمٍ جديدٍ من الأدبِ والفنِ والشهرة؛ أو على الجهةِ الأخرى يأخذ بـ يدِ قرائه لـ أعتاب عالمٍ طيفيّ ساحرٍ مليء بالتشويق والغموض.

الاحتياجات العاجلة للموتى

شابٌ صغير بـ إحدى المُدنِ الروسية الصغيرة يعيش بعيدًا عن والديه؛ وبشكلٍ روحانيٍّ ما يكون على تواصلٍ مع امرأةٍ عجوز تُوفيت منذ زمن بل وتعتني تلك العجوزُ به!
في إحدى الأمسيات الباردة، يأتيه صوتُها يحثُّه على الذهابِ لأحد الأماكن التي لم يزورها من قبل، وبالفعل يستجيب الشاب مقتفيًا إثْرَ فضولِه وتوجُّسِه، وفي طريقه يقوم- مصادفةً- بـ إنقاذِ حياةِ رجلٍ بسيطٍ بلا مأوى، ليكتشف بعد ذلك أن ذلك الرجل هو جِدّه الذي فقدوا أثَره في المخيمات وقد ظنّوا أنه تُوفى منذ أمدٍ بعيد.
ثم تتوالى الأحداثُ في إطارٍ أكثر غموضًا.

هل للأمواتِ احتياجات؟ ماذا قد يحتاجُ الأمواتُ بعد أن عبروا ضفتيّ الحياةِ آمنين بلا رجعة؟
قد يبقى أحبائُنا معنا رغمَ أنفِ الرحيل.. في رواية (ساخنوﭬسكي) يلتحم الحُب؛ الموتُ؛ والذاكرة في الجسدِ الأدبيِّ ذاته؛ متشاركين الشهقةَ والزفرةَ ذاتَها في انسجامٍ تام.
تم ترجمة «الاحتياجات العاجلة للموتى» إلى الإنجليزية ونُشرت عام 2012

إيجور ساخنوﭬسكي
رواية الاحتياجات العاجلة للموتى

تُستمد العديد من الشخصيات في روايات (ساخنوﭬسكي) من شخصياتٍ واقعية إلا أنه قد يتم تجسيدهم بالمشاركة مع بعض شخصياتٍ أخرى كلاسيكية الطراز؛ قد يكون شبح، أو يهودي عابر، أو حكيم واسع المعرفة. كما لا يقيد الكاتب نفسه بـ أي إطارٍ زمني محدد؛ حيث يمكن لأحداثٍ من العصور الوسطى مثلًا أن تتضافر مع أحداث الحاضر في روايةٍ واحدة.

هناك بعض التشابهات بين بطل الرواية وبين (ساخنوﭬسكي)؛ كما أن هناك بعض الأحداث في هذه الرواية مقتبسة بالفعل عن أحداث حقيقية؛ بما فيها قصة جدَّته التي اضطرت للهروب مع ابنها الصغير من مدينة موسكو هربًا من حملات التطهير (الستاليني) -نسبةً إلى القائد السياسي السوفيتي Joseph Stalin-.

إيجور ساخنوﭬسكي
إيجور ساخنوﭬسكي

قد صرح (ساخنوﭬسكي) أنه يرى أن كتاباته لا يلتبسها غموض أو خيال، بل هو اهتمام خاص بما يوصَف عادةً بالخوارق:

يفترض العلماء أن حوالي 6 في المئة فقط مما يحيط بنا يمكن أن يُدرَك، في حين أن الـ 94 في المئة المتبقية لا يمكن أن تُدرك من خلال الحواس المادية العادية

وهذه الـ 94 في المئة هي موضوع اهتمامه البحثي.[1]

قد يجدُ فقط هؤلاء الذين يتلمسون قيمة التفاصيلِ المُهمَّشةِ في الحياة؛ المدركين أن أكثر المشاهد الحياتية أهميةً هي تلك التي لم يُلتَفت إليها ضالَتَهم في رواية (ساخنوﭬسكي)

الروائية الروسية: (ليودميلا أوليتسكايا – Lyudmila Ulitskaya)

كتب (ساخنوﭬسكي) روايته «الاحتياجات العاجلة للموتى» بقلمه على الورق. حيث تحوي مسافة كل بوصة مربعة تقريبًا على عددٍ من التصحيحات؛ وقد كانت شبيهة للغاية بمدونات الروائي والناقد الفرنسي (مارسل بروست – Marcel Proust) أحد كتّاب (ساخنوﭬسكي) المفضلين، والذي يُشبَّه به أحيانًا؛ وقد أوضح (ساخنوﭬسكي) بهذا الصدد:

إنني لا أفضّل أن تمر جملة واحدة قبل أن تكون قياسية وتامة

الرجل الذي عرف كل شيء

في عام 2007، كتب (ساخنوﭬسكي) روايته الثانية؛ «الرجل الذي عرف كل شيء» (The Man Who Knew Everything – Человек, который знал все) وهي مبنية بحسب قوانين النشاط الذهني، ولكنها تتكلم، قبل كل شيء عن كل القيم التي تفوق بأهميتها فكرة الهيمنة على العالم وكل السياسات المتعلقة بها. يكتسب بطل الرواية، بعد تعرضه لحادث صاعقة كهربائية، موهبة خارقة وهي القدرة على معرفة كل ما يحدث للناس في كل مكان بشكل غير مألوف، حتى لو كان على بعد آلاف الكيلومترات. وهكذا يتحول هذا الإنسان الطيب المتواضع إلى طريدة مهمّة للجميع – لزوجته السابقة، ولـ عُتاة المجرمين من ذوي المكانة الرفيعة، بل لأجهزة المخابرات الدولية أيضًا، بعضهم يريد استغلاله، وبعضهم يريد قتله. ولكن هذا الإنساني البسيط يظل خارج مخططاتهم كلها، يتابع العيش على طريقته.

صرح (ساخنوﭬسكي) في أحد لقاءاته أنه بشكلٍ ما لديه القدرة على معرفة خفايا مستقبله.[5]
تم تصوير فيلم سينمائي مُقتبَس عن رواية «الرجل الذي عرف كل شيء» في عام 2009 وحظي بإقبال جماهيري واسع في روسيا وفي الدول الأخرى الناطقة بالروسية. أخرج الفيلم (فلاديمير ميرزوييف – Vladimir Mirzoyev) والذي كان أول من التمس السمة السينمائية في كتابات (ساخنوفسكي). كما حصلت الرواية على (جائزة سنايل البرونزية- Bronze Snail prize)

إيجور ساخنوﭬسكي
رواية الرجل الذي عرف كل شيء (الدار العربية للعلوم ناشرون)

 

إيجور ساخنوﭬسكي
الفيلم المُقتبس عن رواية الرجل الذي عرف كل شيء

*(Philology – الفيلولوجيا): فقه اللغة التاريخى والمقارن؛ دراسة اللغة وعلى الأخص بوصفها أداة التعبير فى الأدب و حقلًا من حقول البحث يلقي ضوءًا على التاريخ الثقافى؛ علم فقه اللغة؛ عِلْم يَخْتَصّ بِدِرَاسَة اللُّغَة فِي إِطَار مِنْ ثَقَافَة شَعْبِهَا.

كتابة وإعداد: آلاء محمد مرزوق
تحرير: زياد الشامي

المصادر:
1- Tveritina, Alena, and Rbth. “A Novelist Who Works Miracles with the Mundane.” Gale – Enter Product Login, HuffPost, 27 Mar. 2013.
https://bit.ly/2A0fb7t

2- Sakhnovsky, Igor, and Bob. “The Vital Needs of the Dead.” Gale – Enter Product Login, HuffPost.
https://bit.ly/2KmWpHx

3- “The Vital Needs Of The Dead.” Gale – Enter Product Login, HuffPost.
https://bit.ly/2O9MDef

4- Glagoslav Publications Ltd. “Igor Sakhnovsky – The Vital Needs Of The Dead by Igor Sakhnovsky.” Gale – Enter Product Login, HuffPost.
https://bit.ly/2OGIKi2

5- “Igor Sakhnovsky.” Gale – Enter Product Login, HuffPost.
https://bit.ly/2LLABuF

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي