إيذاء النَّفس

إيذاء النَّفس

قد يغلب على الناسِ الظن أنه فعلٌ محفوفٌ بالأسرار، إلَّا أن الرغبة في إلحاق الأذى بالنَّفس ليست بالشيء الغريب. خصوصًا عند فئتي الشباب والمراهقين. لكن يمكن اجتياز تلك الدوافع بالخطط العلاجيّة.

توجد دائمًا فرصة للتعافي من هذه السلوكيات المؤذيّة بغض الطرف عن إذا كان الإنسان حديث العهد بتلك السلوكيات، أو مضى عليه فترة من الوقت.

خُذ خُطوتك الأولى نحو فَهم تلك المشاعر التي تثير دوافعك في محاولةٍ منك للتعافي، وتحدث مع طبيبٍ مختص أو مع ممن تثق به من أهلك أو أصحابك.

ما هو إيذاء النَّفس؟

هو إلحاق الإنسان الأذى بنفسه عمدًا. صورته الشائعة أن يؤذي الإنسان نفسه باستخدام أداة حادة. إلا أنه يُطلق على أي تصرف يمكنه إلحاق الضرر بالشخص إذا قام به متعمدًا. فمثلًا: يشعر بعض الناس بدوافع تجعلهم يحدثون حروقًا في أجسادهم، أو لاقتلاع شعورهم، أو للعبث في جروحهم حائلين بينها وبين شفائها. ويمكن لشدة الإصابات أن تتسبب في تكسر عظامهم.

محاولات المرء لإيذاء نفسه أو مجرد التفكير المطول فيها من علامات الأسى ونتيجة للشعور بالبؤس الشديد. تلك المشاعر السلبيّة ستزداد حدّتها إذا استمر الإنسان في إيذاء نفسه مُتَخِذًا من ذلك وسيلة للتخلص من آلامه وبؤسه. فعليه أن يُدرك أن هذا ما يورده إلا الهلاك وأن عليه أن يتعلم كيف يواجه آلامه وكيف يتعافى منها بشكل سويّ فذلك سيصنع منه نسخة أقوى وأكثر تحملًا على المدى البعيد.

يجلب إيذاء الإنسان لنفسه الشعور بالعار والخزي. آثار الجروح والحروق المتكررة قد تصبح في وقت ما وصم دائم على بدنه لا يمكن  إزالته. ويزيد تعاطي المرء للكحولات أو المخدرات من احتمالية إيذاء الشخص لنفسه. إن مثل هذه السلوكيات السلبية مهدرة لطاقات الإنسان ووقته وتُصرِفه عن أي شيء يمكن أن يُجلب له قيمة لحياته. من أسوأ النتائج المترتبة على إيذاء الإنسان لنفسه هو عزوفه عن أي مناسبات اجتماعية تهربًا من أي تساؤل حول الأثار التي خلَّفتها الجروح والندوب، فتتأثر حياته وعمله وعلاقاته بالسلب.

لماذا يؤذي الناس أنفسهم؟

لا يُعَد إيذاء النَّفس مرض عقلي، إنما هي سلوكيات تدل على افتقار الإنسان لمهارات التعافي السويّة. أحيانًا يُنتج شعور الرغبة في إيذاء النَّفس تبعًا للإصابة ببعض الأمراض. مثل: مرض اضطراب الشخصيّة الحديّة، والاكتئاب، والأرق، ومرحلة ما بعد الصدمة.

تنتشر الرغبة في إيذاء النَّفس عند الشباب والمراهقين،  إلا أنها ممكنة الحدوث في مراحل الكِبَر. تزداد تلك الرغبة إذا كان الشخص مر بتجارب صادمة، أو يعيش شعور الرفض والاستغلال في ماضيه، مثل: الشخص الناشيء في عائلة غير سويّة.

الكحوليات والمخدرات تُفقد المرء السيطرة على انفعالاته، لذا فإن تعاطيها بكثرة يزيد من خطورة محاولة إلحاق الإنسان الأذى بنفسه.

تبدأ دوافع الأذى تسيطر على الإنسان إذا هاجت مشاعر الغضب في صدره، أو إذا تمكّن منه الإحباط، أو تغلغل فيه شعور الألم. عندما يجهل كيف يتعامل مع تلك المشاعر، أو إذا نشأ على أنه يجب أن يكبتها بداخله منذ كان طفلًا صغيرًا، فإنه يجد في إيذائه لنفسه متنفسًا لكل تلك المشاعر السلبية التي تزاحمت عليه.

من أسباب تلك الدوافع أيضًا، شعور الإنسان بالخواء النَّفسي، يجد في إيذائه لنفسه شيء يُحَسِّنُ مزاجه وذلك بسبب إفراز هرمونات الإثارة العصبيّة (مثل: الأدرينالين)، فيجعل من الألم الناتج عن الأذى شعورًا حقيقيَّا يملأ به نفسه.

بمجرد أن يؤذي الإنسان نفسه، أحيانًا يتسرب في نفسه الشعور بالعار والذنب. لكن ذلك الشعور من الممكن أن يؤثر عليه بالسلب فيَعْمَد لتكرار الأذى على نفسه فيدخل في حلقاتٍ مفرغة مرعبة لا يُرى نهايتها. حتى أن بعض الأشخاص يتخذون من أذية أنفسهم طقوسًا في حياتهم.

يمكن أن نقول أن إيذاء النَّفس ليس كالرغبة في الانتحار. إلا أن أعراضه لا يجب أن يُستهان بها أبدًا. ستتحول إلى رغبات انتحارية فيما بعد إن استمر الإنسان في إيذائه لنفسه دون أن يُحال لمُعالِج، ودون محاولةٍ للسيطرة على مشاعره وسلوكياته.

 العلاج والتعافي من إيذاء النَّفس

هناك العديد من الخطط العلاجية التي تساهم في مساعدة المريض بأن يستعيد السيطرة على سلوكياته السلبيّة، العلاج النَّفسي جزءٌ مهم في الخطة العلاجية. من الضروري أيضًا للمريض ضبط انفاعلاته، لذا فإنه يبدأ في ممارسة سلوكيات إيجابيّة للتعامل مع مشاكله.

الخُطوة الأولى في رحلة التعافي، أن يتحدث المريض مع شخصٍ يثق به من أهله، أو أصدقائه، أو أن يلجأ إلى الطبيب النَّفسيّ المختص. سيبدأ الطبيب في سؤاله عن صحته، تاريخ حياته وإن كان قد تعرض لسلوكيات سلبية في ماضيه أو حاضره. تلك المحادثة، تُعرف بمحاورة التشخيص، من الممكن أن تمكث ساعةً واحدة أو تزيد. الطبيب النَّفسي لا يستطيع أن يُشخّص حالة مريضه بأخذ عينة دم أو بإجراء فحوصات مادّية، لذا فإن اعتماده الكليّ يكون على المعلومات التي يأخذها من المرض. فكلما زادت دقّة المعلومات وقربها للصواب، زادت دقة التشخيص وسَهُلَ وضع الخطة العلاجية المناسبة.

اعتمادًا على المرض المُشخَّص، يكتب الطبيب العلاج المناسب له. على سبيل المثال: إذا شُخِص المريض بالاكتئاب، فإن الأدوية المضادة للاكتئاب ستساعد على التخفيف من حدته، وهكذا.

كما أن الطبيب ينصح المريض بالبدء في رحلة اكتساب مهارات جديدة تساعده على تخطى أزماته. هناك العديد من تلك الرحلات العلاجية كلُ على حسب درجة التشخيص.

• العلاج النَّفسي الدينامكي: يركّز على استكشاف وفَهم سلوكيات الماضي ومشاعره.
•العلاج السلوكي المعرفي: يركّز على التعرف على أنماط السلوكيات السلبيّة، وتعلّم مهارات إيجابيّة.
• العلاج السلوكي الجَدَلِي: يركّز على المناقشات التي تساعد على تعلم الطرق السوية لاجتياز  المشاعر السلبيّة.

كما ينصح الطبيب في بعض الحيان بعزل الشخص في مستشفى الرعاية النَّفسيّة إذا كانت حالته تستدعي ذلك. حيث توفر له المشفى البيئة الآمنة للتعافي دون أن تؤثر عليه أي عوامل خارجية فتجعله يركز مجهوده وطاقته على خطوات الرحلة العلاجية.

ما الذي يمكننا فعله عندما يؤذي إنسان نفسه؟

من المحتمل أنك رأيت أحدًا من أصحابك أو أهلك يحمل علامات حروق عديدة أو يضع ضمادات على جسده. أو كان الشخص يرتدي دومًا أكمامًا طويلة وسراويل حتى وإن كان الجو حارًا، فهؤلاء من المحتمل أنهم يحاولون إخفاء آثار جروحهم وندوبهم.

تذكّر دومًا أن ما تراه قد يكون ما هو إلا جزءًا بسيطًا من كثيرٍ يخفوه. من الممكن أن تسمع منهم عبارات عن فقدان الأمل واللاجدوى من الحياة، تراهم يَفْقدون التحكم بمشاعرهم، ويجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين.

إذا كنت قلقلًا من أن صديق لك أو قريب يؤذي نفسه، أسألهم عن ذلك وتجهّز لسماع أية إجابة وإن كانت ستحزنك. من الممكن  أنك ستجد صعوبة في فهم ما يقولوه أو الشعور به. لذا فإن أفضل حل في هذه الحالة أن تخبرهم حتى وإن لم تفهمهم جيًدا إلا أنك ستظل بجوارهم دائمًا محاولًا المساعدة. وإياك أن تُصغر أبدًا من مشاعرهم أو أن تهزأ بها.

حاول أن تشجعهم بلطفٍ على العلاج مُخبرًا إياهم أن رغبة الإنسان في إيذاء نفسه ليست شيئا مشينًا غريبا وأن هناك أطباء ومعالجين يمكنهم مساعدته. وإذا تمكنت أن تعرض عليه المساعدة في إيجاد حل مناسب. لكن دون أن تلجأ لعنفٍ معه، أو أن تضغط عليه ليعطيك وعدًا بالإقلاع عن فعلته، لأن هذا سيؤثر سلبًا على الشخص وسيحتاج مجهودًا مضاعفا لإثنائِه عن إلحاق الأذى بنفسه.

 

المصدر

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي