اختبار مستضد فيروس كورونا المستجد: سريع ورخيص الثمن؛ لكنه يخطئ أحيانًا

Antigen tests

بعد إدراج العديد من الاختبارات التشخيصية لعدوى فيروس كورونا النشطة حول العالم، تشير الإحصاءات إلى أن 400.000 شخص يخضعون إلى هذه الاختبارات في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يشير العديد من خبراء الصحة العامة إلى أن إعادة الأشخاص إلى الدراسة أو العمل بشكل آمن يتطلب التعرف على حالات الإصابة الجديدة قبل انتشارها، وهذا قد يتطلب إجراء الاختبارات على الكثير من سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 330 مليون نسمة كل يوم، يرى آخرون أن فحص ما يقرب من 900000 شخص في اليوم سيكون كافيًا.

على أي حال، فإن جميع الاختبارات التي يتم إجراؤها في الوقت الحالي لتشخيص عدوى فيروس كورونا النشطة تعمل عن طريق تحديد المادة الوراثية للفيروس، مما يجعل توسيع نطاق عملها لتشمل أعدادًا أكبر مهمة صعبة التنفيذ.

قالت الطبيبة ديبورا بيركس (Deborah Birx) -المنسق العام للاستجابة لفيروس كورونا في البيت الأبيض- في مؤتمر صحفي الشهر الماضي:

«لا يمكن إجراء اختبار الحمض النووي لـ 300 مليون شخص يوميًا أو إجراؤه للجميع قبل ذهابهم للعمل أو المدرسة.»

تبنَّت بيركس وغيرها فكرة أخرى وهي اختبارات المستضد الفيروسي (بالإنجليزية: Antigen tests)، والتي تكشف عن وجود بروتينات الفيروس في العينة البيولوجية: كاللعاب أو مسحة تجويف الأنف (nasal swab). هذه الاختبارات رخيصة السعر، وتظهر نتائجها في غضون دقائق، وتكشف عن عدوى نشطة -مثلها مثل الاختبارات الجينية-. هذه الاختبارات متوفرة بالفعل لتشخيص العديد من الأمراض مثل: التهاب الحلق العقدي (strep throat)، والإنفلونزا (influenza)، والسل (tuberculosis)، وفيروس نقص المناعة البشرية
(Human immunodeficiency virus-HIV )، وأمراض معدية أخرى. ولكن حتى الآن حصل نوع واحد فقط من اختبارات مستضد فيروسات العائلة التاجية على إذن الاستخدام في حالات الطوارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (Food and Drug Administration) تختصر (FDA)، ألا وهو فيروس كورونا المستجد (SARS-Cov-2) المسبب لمرض كوفيد19 (COVID-19).

هل يمكن لهذا الاختبار أو غيره من الاختبارات الأخرى القائمة على اكتشاف مستضد الفيروس أن تحل مشكلة الفحص؟

بعض العلماء متفائلون، بينما لا يزال البعض الآخر تراوده الشكوك، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الاختبارات أقل دقة بكثير من اختبارات الحمض النووي (بالإنجليزية: nucleic acid tests)، وقد لا ترقى إلى المستوى الذي يزعمه البعض. يقول جيفري بيرد (Geoffrey Baird) اختصاصي التحاليل الطبية من جامعة واشنطن، سياتل:

«يريد الجميع اختبارًا رخيصًا ودقيقًا وسريعًا، ولكن الحقيقة أنه يمكنك الحصول على اثنين فقط من هذه الصفات.»

يقول فيرنر كرول (Werner Kroll) نائب الرئيس الأول للأبحاث والتطوير في شركة (Quidel) في كاليفورنيا، والتي تلقَّت الموافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لإجراء اختبارها شهر مايو الماضي:

«إن تطوير اختبار مستضد للفيروس ليس بهذه السهولة.»

عوضًا عن تنفيذ جميع الخطوات التحليلية داخل آلة باهظة الثمن في مختبر أو عيادة، كما هو الحال مع اختبار الحمض النووي الصبغي (Deoxyribonucleic acid-DNA) أو الحمض النووي الريبوزي (Ribonucleic acid- RNA) للفيروسات، فإن اختبار مستضد الفيروس يحوي معظم -إن لم يكن كل- هذه الخطوات في شريط ورقي يعطي إجابة بسيطة بنعم أو لا، كما هو الحال في اختبارات الحمل.

يقول ستيفن تانغ (Stephen Tang)، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة (Orasure)، وهي شركة تشخيصية تقوم بتطوير اختبار مستضد للفيروس خاص بها لفيروس كورونا المستجد في وصف هذا الاختبار:

«إنه معمل متواجد على مسحة.»

في معظم الأجهزة يتم جمع عينة من سوائل الجسم باستخدام مسحة أنفية أو ما شابه، ثم يتم مزجها مع القليل من محلول معقم، ثم توضع بضع قطرات منه على أحد طرفي شريط الاختبار. بواسطة القوى الشعرية (capillary forces) يتم امتصاص هذا السائل وتمريره على نوعين مختلفين من الأجسام المضادة (antibodies) الخاصة للبروتين الفيروسي. إذا ترابطت كل الأجسام المضادة مع هدفها فإن الشريط يولد إشارة (تغيير اللون) يتم قراءتها بواسطة العين المجردة، مما يعني نتيجة اختبار إيجابيّة (positive test).

تختلف محفِزات ظهور الإشارة، ففي بعض الاختبارات يسبب ارتباط الأجسام المضادة حدوث تفاعل كيميائي أو استخراج علامة الفلورسنت (fluorescent marker) المرتبطة بجسم المضاد. ينازع اختبار آخر للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية يظهر قراءة كهربائية بعد ربط الأجسام المضادة الموجودة على مستشعر كهروكيميائي بمستضادها المستهدف.

يقول لي جيرك (Lee Gehrke)، اختصاصي الفيروسات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT-Massachusetts Institute of Technology)، الذي طور اختبار مستضد لفيروس كورونا المستجد شاركت في تأسيسه شركة E25Bio، والذي يتم تقييمه الآن:

«كل الأجسام المضادة يجب أن ترتبط ببروتين فيروسي واحد، ولكن في موقعين مختلفَين.
إن التحدي يكمن في إيجاد الأجسام المضادة المناسبة، فيجب أن يرتبط كلا الجسمين المضادين ببروتين فيروسي واحد، مثل البروتين الذي يستخدمه فيروس كورونا المستجد لدخول الخلايا، ولكن في موقعين مختلفين.»

ويقول أيضًا:

«عليك أن تجد جسمين مضادين لا يتداخلان مع بعضهما البعض، لا يمكن لهذه الأجسام المضادة نفسها أن تتفاعل مع البروتينات من الفيروسات الأخرى من العائلة التاجية، فكل واحدة منها لها ما يميزها.»

كما يقول بيرد أنه:

«غالبًا ما تلتصق الأجسام المضادة بأشياء أخرى غير محددة.»

يواجه هذا الاختبار تحديًا آخر وهو ضعف الإشارات، حيث تستخدم الاختبارات الجينية تفاعل البلمرة المتسلسل (PCR- Polymerase chain reaction) لتضخيم تتابع الحمض النووي الصبغي أو الحمض النووي الريبوزي؛ مما يجعل من السهل الاعتماد عليه في التعرف على نسبة ضئيلة من الفيروس في العينة. ما يعطي اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل لفيروس كورونا المستجد الأفضلية أنّه يتمتع بحساسية 98% (sensitivity) (معيار للدقة)، وانتقائية (selectivity) شبه مثالية، مما يعني أنه يستطيع اكتشاف كل حالات العدوى النشطة تقريبًا، وفي حالات نادرة جدًا يتلقى شخص غير مصاب نتيجة اختبار إيجابية.

إن العديد من نتائج اختبار مستضد الفيروس السلبية الخاطئة تشير إلى أن الشخص المصاب خالٍ من الفيروس ولكنه في الواقع يمتلكه، وهذه النتائج الخاطئة لا تنتج عن عيوب في الاختبار، وإنما من أخطاء في سحب العينة والتي قد يكون من الصعب جمعها باستخدام مسحة الأنف.

لا تعمل اختبارات مستضد الفيروس على تضخيم إشارة البروتين الخاصة بها، لذا فنتائجها أقل حساسية، كما أن خلط العينة مع المحلول المعقم -والذي يُسهِّل مرور المادة عبر شرائط الاختبار- يعمل على تخفيف هذه الإشارة. ونتيجة لذلك؛ فإن معظم اختبارات مستضد الفيروس لها حساسية تتراوح من 50٪ إلى90٪، بعبارة أخرى قد يتم إعلام شخص من بين كل شخصين مصابين أجروا هذا الاختبار -عن طريق الخطأ- أنه سليم ولا يحمل الفيروس.

في الشهر الماضي، ووفقًا لما نشرته صحيفة (El Pais) الإسبانية: أعادت السلطات الصحية الإسبانية الآلاف من اختبارات مستضدات الفيروس الخاصة بـ فيروس كورونا المستجد إلى شركة (Shengzhen Bioeasy Biotechnology) الصينية بعد أن أعطت نتائج صحيحة لمصابين بنسبة 30% فقط.

يقول المسؤولون التنفيذيون في شركة (Quidel) أن اختبار فيروس كورونا المستجد الأولي للشركة يتماشى مع الحد الأدنى للحساسية 80% والذي حددته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. مما يعني أنه سيخطئ في اكتشاف 20% من الحالات (يعطي نتيجة سلبية رغم إصابتهم بالمرض).

من المتوقع أن يعمل بروتوكول تحضير العينة المُعدَّل -والذي لا يتطلب تخفيف مسحة الأنف- على تعزيز هذه النسبة لما يقارب 90% ولكنه بالطبع لا يرقى إلى نتيجة اختبارات تفاعل البلمرة المتسلسل والتي تساوي 98%.

ورغم ذلك؛ فإن اختبارات مستضد الفيروس تحمل العديد من المزايا، لأنها لا تحتاج إلى المعدات والمواد الكيميائية باهظة الثمن مثل تلك اللازمة لإجراء اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل، كما يمكن استخدامها بسهولة في أماكن عدة مثل مكاتب الأطباء ومراكز الرعاية والمستشفيات وحتى في الشركات والمدارس. إضافة إلى أن إجراءها لا يتطلب متخصصين مدربين، مما يجعلها أرخص سعرًا وأسهل استخدامًا.

«يترتب على النتائج السريعة لاختبار مستضدات الفيروس عزل الأشخاص الإيجابيين في أسرع وقت، قبل أن يخاطروا بإصابة الآخرين. حتى إذا كان للاختبارات معدل سلبي خاطئ بنسبة 10%، ويمكن إجراء الاختبار بسهولة مرارًا، مما يزيد فرصة اكتشاف الحالات السلبية الخاطئة.»

هذا ما قاله دوج برايانت (Doug Bryant)، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة (Quidel).

إحدى ميزاته الأخرى هي قابليته للتوسع، بمعنى أنه بمجرد اكتشاف الباحثين لأجسام مضادة فعَّالة سيكون من السهل تصنيع هذه الاختبارات بكميات كبيرة، على عكس اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل. تخبرنا شركة (Quidel) أنها تتوقع شحن 282,000 اختبار خلال أسبوع، ومليون اختبار أسبوعيًا بحلول أوائل يونيو. حسب رواية براينت فإن الشركة يجب أن تكون قادرة على إنتاج 84 مليون اختبار سنويًا.

لا يزال هذا أقل بكثير من 300 مليون اختبار يوميًا، وهو العدد الذي سيسمح لمعظم الأشخاص في الولايات المتحدة بإجراء فحص يومي لـفيروس كورونا المستجد كما تطمح بيركس.

أظهرت إحدى الإحصاءات الحديثة من معهد هارفارد للصحة العالمية أن 900,000 اختبار تشخيصي يوميًا في الولايات المتحدة سيكون كافيًا لاكتشاف معظم الحالات قبل تفشي المرض. لكن شركات أخرى بما في ذلك شركة (OraSure)، التي تتوقع استخراج ترخيص من إدارة الغذاء والدواء لحالات الطوارئ في سبتمبر القادم،  يتوقعون التوسع بسرعة كبيرة وتوفير عشرات الملايين من اختبارات مستضد فيروس كورونا أيضًا. سيكون الطلب على مثل هذه الاختبارات -التي ستكلف دولارًا واحدًا أو أقل- أكبر في البلدان النامية بدون الحاجة إلى شبكة من المعامل المركزية.

تقول بيتينا فرايز (Bettina Fries)، رئيسة قسم الأمراض المعدية في جامعة ستوني بروك:

«بالأخذ في الاعتبار جميع مميزات اختبار مستضد الفيروس فإنه يزودنا بأمل حقيقي في القضاء على هذا الوباء.»

إن بيرد والآخرين يبدون أقل ثقة، فليست كل اختبارات مستضد الفيروس سهلة القراءة كاختبار الحمل. فالاختبار الذي طورته شركة (Quidel) يتطلب استخدام قارئ بحجم محمصة ذات 1200دولار لتحقيق أفضل حساسية عالية نسبيًا. وعلى الرغم من وجود 43000 قارئ (Quidel) بالفعل من أجل اختبارات مستضدات أخرى، إلا أن معظمهم يوجد في الولايات المتحدة، مما يجعله صعب الاستخدام في الخارج.

يقول أوتو يانغ (Otto Yang)، خبير الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس:

«إن الحساسية المتوسطة لهذه الاختبارات تشكل عقبة أكبر، حتى الاختبار الذي يتميز بحساسية 90% وخصوصية 100% التي تهدف إليها شركة Quidel يمكن أن يعطي معلومات خاطئة. إذا افترضنا أن الفيروس منتشر بنسبة 1% تقريبًا وهذا الاختبار يتم إجراؤه على 1000 شخص، فسيتم إخبار تسعة أشخاص بشكل صحيح أنهم مصابون في حين سيتم إخبار شخص واحد عن طريق الخطأ أنه ليس مصابًا.
وبالنظر إلى سرعة انتشار فيروس كورونا المستجد، فإن التشخيص الخاطئ في هذه الحالة أسوأ كثيرًا من عدم التشخيص.»

أما عن فرايز فهي لا توافقه الرأي وتقول:

«حتى لو كانت حساسية اختبارات مستضد الفيروس غير مثالية، فإنك إن أجريت الاختبار مرارًا وتكرارًا ستتمكن من اكتشاف هذه الحالات. نحن بحاجة إلى التخلي عن فكرة أن جميع الاختبارات يجب أن تكون مثالية.»

 

المصدر

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي