استخدام الألعاب الإلكترونية في علاج الاضطرابات النفسية!

games

تم تقديم أول الألعاب الإلكترونية الناجحة تجاريًا في عام 1970م، وكانت في البداية وسيلة للترفيه واللعب في صالات الألعاب، لكنها سرعان ما شقّت طريقها إلى المنازل. تقريبًا في نفس الوقت، بدأ مُقدمو الرعاية الصحية العقلية باستخدام ألعاب الحاسوب والفيديو كجزء من العلاج، وبدأ آخرون بتطوير الألعاب الإلكترونية لاستخدامها في العلاج النفسي.

التقديرات الأخيرة لانتشار الحواسيب وألعاب الفيديو في أمريكا تقدر بحوالي 59٪ إلى 63٪، وتوفر التكنولوجيا الحالية للمعالجين العديد من الفرص الجديدة للتعامل مع مرضاهم، ومع انتشار الأجهزة الذكية، باستخدام شبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعية، أصبحنا قادرين على جمع المعلومات ونشرها بطرق أقل استهلاكًا للوقت، وأكثر إثارة للاهتمام، وأكثر يسرًا، ومع رسوم الجرافيك المتقدمة والأداء السمعي والبصري، أصبحنا قادرين على خلق بيئات افتراضية متعددة الحواس، وخلق تمثيل سمعي وبصري للعوالم الخيالية لدينا.

نستعرض الآن استخدام الألعاب الإلكترونية في العلاج، سواء كانت الألعاب الإلكترونية للعلاج النفسي «electronic games for psychotherapy-EGP»، وتسمى أيضًا «الألعاب الجادة»، والتي قد وُضعت أساسًا لأغراض علاجية، أو كانت الألعاب الإلكترونية للترفيه «electronic games for entertainment-EGE»، وتسمى أيضًا «الألعاب الجاهزة»، والتي قد وُضعت أساسًا لأغراض الترفيه، ولكنها تستخدم كأداة علاجية أيضًا، فالمؤشرات الأولية تدعم استخدام هذه الأساليب، على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل التجريبي عليها.

الألعاب الإلكترونية للسلوكيات المرتبطة بالصحة قد استخدمت كلًا من الألعاب الإلكترونية للعلاج النفسي والألعاب الإلكترونية الترفيهية في تعزيز الصحة وتحسين الأداء البدني والنفسي للمرضى، كِلا النوعين من الألعاب يمكن أن يُستخدم لزيادة الحافز والاهتمام، والمشاركة، والمعرفة، والكفاءة الجسدية؛ للسماح بممارسة النشاط البدني، وملاحظة ردود الأفعال الفورية، وتوفير الصور العلاجية المختلفة والتعبير العاطفي. إن المؤشرات تشير إلى أن الألعاب الإلكترونية للعلاج النفسي استخدمت بنجاح لتحسين النظام الغذائي والنشاط البدني لدى الأطفال، والألعاب الإلكترونية الترفيهية ساعدت في تقليل الغثيان المرتبط بالعلاج الكيميائي، وتوتر ما قبل الجراحة، واللياقة البدنية، والعلاج الطبيعي، وإعادة التأهيل المعرفي.

الألعاب الإلكترونية للعلاج النفسي تسمح بتفصيل تصاميم ألعاب وواجهات للاحتياجات الخاصة بالمرضى، فعلى سبيل المثال، استخدمت الصور في لعبة «مُطلق النار» للسماح للمرضى الذين يعانون من أورام في المخ لتجربة الاستجابة المناعية التخيلية ضد الأورام، وقد لوحظ انخفاض كبير في معدلات الاكتئاب، والقلق، والغضب، والسلوك المضطرب.

الألعاب الإلكترونية ذات الواجهات الحركية، كالرقص وأجهزة الإكس بوكس مثلًا، توفر تحدٍّ بدني أكبر وأكثر تنوعًا للحركات الجسدية بالمقارنة مع الألعاب ذات وحدات التحكم التقليدية، وأصبح استخدام الألعاب الإلكترونية ذات الواجهات الحركية واحدًا من العلاجات القياسية في علاج إعادة التأهيل لزيادة اللياقة البدنية، وتشمل المخاطر الجسدية لجميع الألعاب الإلكترونية كالتشنجات والشد العضلي، وحين استخدمت أثبتت فعالية عالية مع الأطفال والكبار، بما في ذلك كبار السن في المجتمع، وفي إعادة التأهيل، ومرافق الرعاية طويلة الأجل؛ لزيادة اللياقة البدنية الشاملة والقدرات الجسدية والوظيفية، والحد من الألم، وتحسين جوانب الإدراك الوظيفي، وأثبتت أيضًا فعاليتها مع التشخيص، بما في ذلك إصابات الدماغ والسكتة الدماغية، ومرض هنتنغتون «Huntington’s diseas»، والتصلب المتعدد «multiple sclerosis».

على الرغم من أن النتائج مشجعة باستخدام الألعاب الإلكترونية للتحفيز المعرفي وإعادة التدريب؛ لكن بعض الباحثين يحثون على توخي الحذر في استنتاج أن تحسين الإدراك ذو مغزى مُجدٍ من قبل الأنواع المختلفة من ألعاب الفيديو، وذلك لغياب معايير الصرامة الكافية، ويؤكدون على ضرورة دراسة شدة هذه التأثيرات، والآثار المتوقعة، والتفاعلات الإحصائية، وتجدر الإشارة إلى هذه المخاوف بشكل عام عند تقييم إمكانيات هذه الألعاب الإلكترونية في مؤسسات الرعاية الصحية والرعاية الصحية العقلية.
سنستعرض الآن بشكل أكبر استخدام كلا النوعين من الألعاب في العلاج النفسي:

**أولًا: ألعاب إلكترونية وضعت أساسًا للعلاج النفسي:

فإنه عن طريق العلاج السلوكي المعرفي بمساعدة الحاسوب «Computer-assisted cognitive behavior therapy-CCBT»، والذي يتضمن توصيل المعلومات عن طريق الحاسوب والأنشطة التي تستهدف تنفيذ نماذج العلاج، مثل العلاج المعرفي السلوكي للقلق لدى الأطفال والذي أظهر الكثير من التغيرات في معدل القلق وانخفاض نسبي في الأعراض، بالإضافة إلى تحسن القلق والاضطرابات المزاجية، فقد قامت الألعاب المصممة خصيصًا للعلاج النفسي بتعزيز التعلم النفسي، وتغيير السلوكيات، والاسترخاء، وإدارة الألم، والمهارات الاجتماعية، ومهارات حل المشكلات، وإعادة تشكيل الانفعالات، ومهارات ضبط النفس، والتحفيز، وتحسين التفاعل بين المعالج والمريض.

العلاج عن طريق التعرض الافتراضي للواقع «Virtual reality exposure therapy-VRET»، والذي يستخدم لكشف مصادر التوتر بطريقة افتراضية بما يكفي ليكون التعرض لها في أمان نسبي خلال تواجد المريض في مكتب الطبيب المعالج، والنتائج التي أجريت على مرضى اضطرابات ما بعد الصدمة «PTSD» باستخدام العلاج بالتعرض الافتراضي للواقع قد أظهرت أنها قد تكون على الأقل مفيدة مثلًا في علاج التعرض التقليدي.

ويجري أيضًا استخدام الصور الرمزية جنبًا إلى جنب مع برامج تغيير الصوت؛ وذلك لتقييم ومساعدة الأشخاص الذين يعانون من هلوسات سمعية من خلال تقديم منظور بصري وتفاعلي لهلوستهم الخاصة، بالإضافة لاختبارات التعرف على الوجه للأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد.

**ثانيًا: استخدام الألعاب الإلكترونية التي وُضعت أساسًا للترفيه في العلاج النفسي:

في الواقع، على الرغم من المخاوف حول استخدامها، فقد ثبت أن لها عدد من الآثار الإيجابية، والدراسة الأولى لاكتشاف الآثار الإيجابية لتلك الألعاب شملت الألعاب التجارية، وكان لها أثر فعال، مثل الحد من الاندفاعية، وزيادة القدرات الشخصية، وتحسين مفهوم الذات، وقد حددت الأبحاث والتعليقات حول تلك الألعاب مؤخرًا أربعة مجالات من الآثار الإيجابية وهي: الجوانب المعرفية، والتحفيزية والعاطفية والاجتماعية.

ومن بين الفوائد المعرفية زيادة السرعة، ودقة الانتباه، والقدرات الخاصة البصرية، وتحسين التعلم والذاكرة والوظائف التنفيذية، ومهارات حل المشكلات والإبداع. وتشمل الفوائد التحفيزية تحسين الاجتهاد والمثابرة. وتشمل الفوائد العاطفية تحسنًا في الحالة المزاجية، أو زيادة في المشاعر الإيجابية واستراتيجيات التكيف لإدارة المشاعر السلبية، مثل الغضب، والقلق، والحزن. أما الفوائد الاجتماعية فتشمل زيادة التعاون والدعم، وسلوكيات المساعدة والمشاركة المدنية.

وقد تم دراسة تلك الألعاب الترفيهية كيدٍ مساعدة في العلاج النفسي الفردي والجماعي، وتأتي في المقام الأول في العلاج السلوكي أو العلاج بالحديث مع الأطفال أو البالغين الذين يعانون من تأخر في النمو. وهناك مجموعة متنوعة من الألعاب التجارية مناسبة للاستخدام، وقد تم تقسيمها إلى أربع مجموعات من الألعاب، وإليكم أشهر الأمثلة عليها:

1- مجموعة ألعاب معقدة واجتماعية:

– Halo

– Call of Duty

– Grand Theft Auto

– Assassins Creed

– Runescape

– World of Warcraft

– Minecraft

– Half-Life 2

2- مجموعة ألعاب معقدة وغير اجتماعية:

– Skyrim

– Final Fantasy

– FIFA

– NHL14

– Street Fighter

– Mortal Kombat

3- مجموعة ألعاب بسيطة واجتماعية:

– Mario Kart

– Need for Speed

– Rock Band

– Guitar Hero

– Wii Party

– Mario Party

4- مجموعة ألعاب بسيطة وغير اجتماعية:

– Candy Crush

– Bejeweled

– Super Mario Bros.

– Donkey Kong

– Legend of Zelda

– Tomb Raider

وقد استخدمت الألعاب الترفيهية في كلا من العلاج الفردي والجماعي:

**أولًا: في العلاج الفردي:

كان واحد من التقارير الأولى عن استخدام الألعاب الترفيهية كعامل مساعد في علاج الحديث الفردي هو دراسة لحالة طفل يبلغ من العمر سبع سنوات، وكان مصابًا بالقلق الناتج عن طلاق والديه، بالإضافة إلى أساليب العلاج النفسي التقليدية بما في ذلك تقديم المشورة، وتوفير الدعم العاطفي، وتشجيع تغيير السلوك، وتم استخدام الخبرات السابقة للطفل في اللعبة وتطبيقها على مشاكل الحياة الحقيقية للمريض، وتضمنت نتائج العلاج الثقة بالنفس، والشعور بالإنجاز، وأصبح الطفل أكثر استعدادًا لقبول المسؤولية، وأقل شعورًا بوصمة العار لكونه موجودًا في برنامج علاجي، وكانت اللعبة التي اختارها «ألتيما-Ultima»، من فئة الألعاب البسيطة غير الاجتماعية.

**ثانيًا: في العلاج الجماعي:

أول الدراسات التي نشرت باستخدام الألعاب الترفيهية في العلاج الجماعي حيث تم استخدام «لعبة اللغز» لتقييم وتعزيز المهارات الاجتماعية، وكان المشاركون تسعة أولاد، تتراوح أعمارهم بين 7-11 عامًا، ثمانية من المشاركين كانوا مصابون بالتوحد، وكان هناك شخص واحد مصاب باضطراب فقدان التركيز وزيادة النشاط «ADHD»، وعجز المهارات الاجتماعية، وتم استخدام أساليب التدريس التفعالية لمدة عشر أسابيع على غرار التدريب على المهارات السلوكية، مع تحديد المهارات المستهدفة، ومهارات لعب الأدوار المستهدفة؛ حيث استُهدِفَت ثلاث مهارات: إعطاء المجاملات، وانتظار الدور، وإعطاء تعليق إيجابي بعد اللعبة.

النتيجة كانت أن المهارات المستهدفة تحسنت بشكل ملحوظ خلال مراحل التدريب، وتم تعميمها على مختلف ألعاب الفيديو والرياضات الفعلية، وأشار الباحثون إلى أن وجود قاعدة عريضة متاحة من تكنولوجيا الألعاب الإلكترونية قد تسمح لمزيد من التدخلات والتعديلات للسلوكيات عبر التحكم في إعدادات تلك الألعاب.

ختامًا نستطيع أن نقول أنه في استطلاعنا للبحوث والوسائل الإلكترونية، بما في ذلك الألعاب وغيرها من أنواع العلاجات بمساعدة الحاسوب، قد ثبت أنها تعادل الوسائل التقليدية ولم تكن متفوقة في فعاليتها في علاج مشاكل الصحة العقلية والتوجيه الذاتي العلاج، سواء كانت الأساليب جماعية أو فردية؛ لكن هناك أدلة على أن بعض الأساليب الإلكترونية أكثر قبولًا، وممتعة أكثر، وتشجع بشكل أكبر على الانخراط فيها، وتتيح مشاركة أكبر من المُعَالِج، مما قد يصاحبه نتائج أفضل.

ترجمة : Maria Abd Almasseh

مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh

المصدر:

Horne-Moyer HL, Moyer BH, Messer DC, Messer ES. The Use of Electronic Games in Therapy: a Review with Clinical Implications. Current Psychiatry Reports. 2014;16(12):520. doi:10.1007/s11920-014-0520-6.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي