اضطراب الشخصية الحدية — Borderline Personality Disorder BPD

اضطراب-الشخصية-الحدية

اضطراب الشخصية الحدية|

اضطراب الشخصية الحدية – المقال العاشر في سلسلة اضطرابات الشخصية 

بحق ربِّ السماء! … ماهذا؟… ماذا يعني؟… ما الذي يحصل هنا؟… آسف! لست أفهم هذا الشخص مطلقًا، كل يومٍ هو في حال، لا لا بل كل يومٍ هو في حالٍ غير الحال…!

هل صادف أن قلت هذا وأنت جد منزعج من حيرتك، وعدم معرفتك لأسباب تقلب مزاج أو تصرفات شخصٍ ما في محيطك؟… رويدك ولا عليك، هدِّئ من روعك قليلًا. فقد يكون هذا الشخص مصابًا باضطراب الشخصية الحدية.

اليوم، أصبح الكثير من الناس على دراية بسمات الشخصية والتي تصبغ سلوك من يتواجدون في دوائرهم، مثل جيران الحي أو زملاء الدراسة أو فريق العمل. مؤخرًا، نجح علم الطب النفسي، بإنشاءِ منهجيةٍ لنماذجَ ذات معايير محددة لرصد جميع أنواع اضطرابات الشخصية.

الشخصية واضطراب الشخصية

الشخصية، تعرف بأنها منظومة من الأفكار والعواطف والسلوكيات التي تميز الإنسان بشكل واضح عن غيره. وهي الكيفية التي يتفاعل بها مع العالم، وكيفية تصوره لنفسه. تتشكل الشخصية في مرحلة الطفولة وتتطور عبر تداخل السمات الموروثة مع العوامل البيئية.

اضطراب الشخصية، وفقًا لموقع مايو كلينيك (‏Mayo Clinic)، هو صنفٌ من الاضطراب العقلي الذي ينتج قالبًا ثابتًا غير صحيٍّ في آلية التفكير والأداء والسلوك، مع مشاكل في الإدراك والفهم والتفاعل مع المحيط، الأمر  الذي يدفع باتجاه الكثير من العقبات في العلاقات والأنشطة الحياتية في المجتمع ومجال العلم والعمل.

 

ما هو اضطراب الشخصية الحدية (Borderline PD)؟

لغويًا، الحد هو نهاية أو شفير الشيء. يمتاز أصحاب اضطراب الشخصية الحدية بتقلبهم من الحد الأقصى للمشاعر، إلى الحد الأقصى لنقيضها خلال فترةٍ وجيزة. تركيبتهم النفسية لا تعرف الألوان، ينتقلون من اللون الأبيض إلى اللون الأسود دون تدرجات الطيف بسرعة شديدة. لذلك يطلق البعض على المصاب هنا مصطلح، الشخصية المتقلبة.

طبيًا، اضطراب الشخصية الحدية، هو اضطراب عقلي خطير يمتاز بنمط مستمر من عدم الاستقرار في المزاج، والسلوك، وصورة الذات، والأداء. يؤدي هذا في الكثير من الأحيان، إلى تصرفات اندفاعية وعلاقات غير مستقرة. حيث يعاني المصاب من نوبات حادة من الغضب والاكتئاب والقلق، تراوح مدتها ما بين بضع ساعات إلى عدة أيام. كما أن بعض المصابين لديهم أيضًا معدلات عالية من الاضطرابات النفسية المترافقة في الأكل، والقلق وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى القيام بالتفكير في إيذاء النفس والسلوك الانتحاري والانتحار. “اضطراب الشخصية الحدية”، هذا المصطلح وبالرغم من وجود تحفظ في الطب النفسي عليه بوصفه مضلِّلًا، فإنه لا يوجد مصطلحٌ بديل أكثر دقةً منه حتى الآن. يصنِّف الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5)، هذا الاضطراب تحت «المجموعة ب» من اضطرابات الشخصية. وتضم المجموعة أربعة أنواع، هي: 1- الشخصية الحدية 2- الشخصية النرجسية 3- الشخصية الهستيرية 4- الشخصية المعادية للمجتمع.

إحصائيًّا، وتبعًا لموقع المركز الوطني للصحة النفسية (NIMH)، فإن نسبة انتشار اضطراب الشخصية الحدية، تبلغ (1.6%) من تعداد الأشخاص البالغين من السكان في الولايات الأمريكية المتحدة. ولم يتم رصد اختلاف ببن الإناث والذكور، هنا… في المجمل تزيد نسبة الإصابة باضطرابات الشخصية بمختلف تقسيماتها عن (9%)، أي ما يعادل (23) مليون شخص من سكان الولايات المتحدة. ولا تزال أرقام الإحصاءات الموضحة لانتشار هذه الاضطرابات محدودة، مما يجعل الإحاطة بالتوزيع الجغرافي لاضطرابات الشخصية للأشخاص المصابين بين الدول، أمرًا متعذرًا.

 

الأعراض

من أهم الأعراض، تقلبات مزاجية شديدة لدى الشخص المصاب مع حالة من عدم اليقين بشأن ذاته. حينها وتبعًا لذاك، تتغير اهتماماته وقيمه بسرعة.

ومن الأعراض:

  •  صورة مشوهة وغير مستقرة عن الذات أو الإحساس بالذات.
  •  سلوكيات متهورة وخطيرة في أغلب الأوقات، مثل فورات الشراء، الجنس غير الآمن، تعاطي المخدرات، القيادة المتهورة، والإسراف في الطعام.
  • سلوكيات انتحارية متكررة أو تهديدات بالانتحار، أو تصرفات مؤذية للنفس مثل جرح الجسم.
  • تقلبات مرتفعة حادة في المزاج، وتستمر النوبة من بضع ساعات إلى عدة أيام.
  • حالة مزمنة من الشعور بالخواء.
  • غضب شديد غير لائق أو مشاكل في السيطرة على الغضب.
  • وجود أفكار ارتيابية متعلقة بالتوتر.
  • تواجد أعراض انفصامية شديدة، كالشعور بالانقطاع عن النفس ومراقبة النفس من خارج الجسم، أو فقدان الاتصال مع الواقع.
  • نمط من العلاقات حادة العواطف غير المستقرة مع العائلة والأصدقاء والأحبة، متأرجحة فيم بين التقارب الشديد والحب كإسباغ صفة المثالية، وبين الكراهية الشديدة أو الغضب كتخفيض قيمة الشخص.

قد تؤدي الأحداث العادية إلى ظهور بعض الأعراض. فمثلًا، يحس المصاب بالغضب والكرب بسبب الفراق المؤقت في الإجازات أو رحلات العمل أو التغيير المفاجئ في الخطط، من الأشخاص المقربين. وتظهر البحوث أن بعض المصابين قد يشعرون بوجود الغضب في وجه محايد عاطفيًا، ويقومون بردود افعال أقوى على الكلمات ذات المعاني السلبية من غيرهم من الناس.

 

عوامل الخطر

أسباب اضطراب الشخصية الحدية ليست واضحة بعد، ولكن تشير الأبحاث إلى ترجيح تأثير كلٍّ من الناحية الوراثية والدماغ والبيئية والاجتماعية.

  • الناحية الوراثية، تزيد نسبة خطر الإصابة بالاضطراب خمسة أضعاف في حال إصابة أحدَ أقارب الدرجة الأولى للشخص بالاضطراب.
  • العوامل البيئية والاجتماعية، كثيرٌ من الأشخاص المصابين سبق لهم المعاناة من أحداث صادمة كالإساءة أو الخذلان في مرحلة الطفولة. والبعض سبق لهم التعرض لعلاقات غير مستقرة أو لصراعات عدائية. والصدمات ليست شرطًا، فبعض المصابين لم يسبقبهم التعرض لأي معاناةٍ من الصدمات.
  • عوامل المخ، تُظهر الدراسات أن المصاب يعاني من تغييرات هيكلية ووظيفية في الدماغ، خاصةً في المناطق التي تتحكم في الاندفاع وتنظيم العاطفة. هذا ليس شرطًا، فبعض الأشخاص الذين لديهم تغييرات مماثلة في الدماغ غير مصابين باضطراب الشخصية الحدية.

ولتحديد عوامل الخطر، يهتم الباحثون بالناحيتين البيولوجية والبيئية، وينصب تركيزهم على رصد الاحتمال لظهور الأعراض المبكرة في عُمرٍ أصغرَ من المتعارف عليه في الماضي. كما يبحثون في إيجاد وسائل لاكتشاف الاضطراب في وقت مبكر في المراهقة… ولا يزال الطريق مفتوحًا لإجراء المزيد من البحوث لفهم العلاقة مع الناحية التشريحية والوظيفية للدماغ.

 

التشخيص

لسوء الطالع، يسقط اضطراب الشخصية الحدية -غالبًا- في خانة: غيرِ المشخَّص أو التشخيص الخاطئ. ومن الجدير التنويه بأن بعض الأعراض قد تتقاطع مع بعض المشاكل النفسية الأخرى، بل إنها قد تكون لدى أناس أصحاء لا يعانون من أي مرض عقلي. إذن عليك الحذر هنا، فإن مجرد مشاهدتك لبعض الأعراض لدى شخصٍ ما لا يجزم لك بإصابته باضطراب الشخصية الحدية.

يتسنَّى إصدار التشخيص للمختص المرخص له كالطبيب النفسي أو الاختصاصي في علم النفس بعد تقييمٍ متكامل للحالة الطبية للمصاب استنادًا إلى مقابلةٍ مُتبحِّرةٍ عميقةٍ وفحصٍ طبيٍّ شامل، واستبعاد وجود أسباب أخرى لظهور الأعراض. ترتبط الأسئلة المطروحة بالتاريخ الطبي للمصاب وعائلته وأي تاريخ للأمراض العقلية. وهي تساعد المختص لتقرير خطة العلاج المناسبة. على ضوء ما سبق، يقوم المختص بتحديد نوع الاضطراب أو المرض النفسي في حال توافر مسوغاته، وتوفير المساندة للمصاب عبر التوجيه لخيارات العلاج إذا اقتضى الأمر.

المؤسف أنه في بعض الحالات، قد تتداخل أعراض بعض الأمراض العقلية المتزامنة، مما يعقد الأمر حيث يصعب على المختص التمييز بين المرض العقلي واضطراب الشخصية الحدية. فعلى سبيل المثال، قد يذكر المصاب للمختص مشاعر متعلقة بالاكتئاب دون توضيح بقية الأعراض. الأمر الإيجابي في هذا المنحى هو قيام المنظمة الوطنية للطب النفسي (NIMH)، بدعم وتمويل البحوث لاستحداث وسائل أفضل للتشخيص والعلاج، ولفهم مكونات هذا الاضطراب وغيره من اضطرابات الشخصية، كالاندفاعية والمشاكل في العلاقات الإنسانية وانعدام الاستقرار العاطفي.

 

العلاج

يتبع الطب النفسي التقنين في العلاج بالأدوية في حالات اضطراب الشخصية الحدية، وهذا بسبب تضاؤل الاستفادة الناتجة مقابل المخاطر الناجمة عن استخدامها. مثلًا، يتم وصف الأدوية لعلاج أعراض محددة مصاحبة للاضطراب كالاكتئاب، فتكمن الصعوبة في التوازن، ما بين العلاج والاستشفاء وارتفاع خطر الموت في حال تناول المصاب لجرعة زائدة. لذا فقد تستلزم خطة العلاج تعاونًا أكثر من مُتخصِّصٍ منفرد.

صحيح أنه من المتعارف عليه بين ذوي الاختصاص عبر السنين، الإقرار بصعوبة علاج اضطراب الشخصية الحدية. لكن تطور العلم أدَّى إلى نتائج جيدة سواء من خلال تحسن نوعية الحياة أو تخفيض حدة الأعراض، وذلك باستخدام أنواع علاج جديدة وبشكل صحيح… في المحصلة، توجد الكثير من العوامل المؤثرة على المدة اللازمة للاستجابة للعلاج، لذا فإنه من الضروري للمصاب وأهله التحلي بالصبر، مع تقديم الدعم أثناء فترة العلاج.

 

كيف أساعد شخصًا من العائلة أو الأصدقاء؟

ثقِّف نفسك عن الاضطراب واستشر مختصًا آخر غير ذاك الذي يراه المصاب، ثم قم بتوفير الدعم العاطفي له، وهذا يتطلب تفهُّم الحالة والصبر والتشجيع. لا تتهاون مطلقًا حين سماع نية أو تخطيط الشخص للانتحار أو لإيذاء نفسه أو الآخرين. حالًا، بادر بإعلام المشرف الطبي على حالته. وفي الحالات الخطيرة التي تهدد الحياة، قم بإبلاغ الشرطة أو اتصل بالرقم المخصص للطوارئ المماثلة.

نصائح ذهبية

١- إن راودتك شخصيًا فكرة بأنك مصاب بهذا الاضطراب، فمن المهم طلب المساعدة.

٢- إن سيطرت عليك المشاعر لإيذاء نفسك أو القيام بمحاولة الانتحار، أخبر أحدًا بالأمر ممن يستطيعون المساعدة حالًا.

٣- إن كان أحدٌ من أحبابك يفكر في الانتحار، فلا تتركه وحده.

٤- إن كنت أنت أو أحد من المقربين في أزمة، قم بالاتصال بالأرقام المخصصة للطوارئ.

 

الأدب والفن

من المحال أن تفوت رواية «آنَّا كارنينا» Anna Karenina، أحدًا من الأشخاص الشغوفين بالقراءة أو عشاق الفن السابع. هي رواية من الأدب الروسي للكاتب الكبير ليو تولستوي، وهي إحدى أشهر الروايات الكلاسيكية العالمية. تم عرضها بنفس الاسم في أفلام سينمائية عديدة.

سمات الشخصية عند البطلة “آنا”، تطابق الكثير من سمات الشخصية الحدية. فقد تاهت لديها بوصلة الفضيلة والقيم وارتكبت فعل الخيانة الزوجية، وشعرت بالغيرة القاتلة  وبالخواء الشديد، ثم قامت بالانتحار، حين تعذر عليها الخروج من دائرة التطرّف في التفكير فيم بين اللونين الأبيض والأسود، فما ثمة علبة ألوان في مخيلة أصحاب هذا الاضطراب.

هنا وقبل استقلال قاطرة الختام يتبقى أمامنا سؤال أخير، هل التعافي من هذا الاضطراب ممكن؟

الجواب: نعم!

لحسن الحظ، يمكن للأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية أن يستردوا كامل العافية منتقلين إلى نقطة النهاية السعيدة.

 

إعداد: ريما رباح

 

المصادر:

https://goo.gl/9io1iE

https://goo.gl/w6jDt3

https://goo.gl/s1FMWS

 

سلسلة مقالات اضطرابات الشخصية:

المقال 1: ما هو مرض الشيزوفرينيا؟ الجزء الأول (1-2)

https://goo.gl/3F8jjO

المقال 2: ما هو مرض الشيزوفرينيا؟ الجزء الثاني (2-2)

https://goo.gl/BpKPL4

المقال 3: ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟ (1-3)

https://goo.gl/4HWR97

المقال 4: ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟ (2-3)

https://goo.gl/onl2Cu

المقال 5: ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟ (3-3)

https://goo.gl/x5nFs8

المقال 6: ما هو اضطراب الشخصية الهستيرية؟

https://goo.gl/b45RKO

المقال 7: ما هو اضطراب الشخصية الارتيابية؟

https://goo.gl/y9azDb

المقال 8: ما هو اضطراب الشخصية الفصامية؟

https://goo.gl/y3WgMR

المقال 9: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

‏https://goo.gl/KjoAdr

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي