على الرغم من أنّ الصيف قد يكون الفصل المحبّب لدى البعض للاستمتاع بالعطلة الصيفيّة، والذهاب إلى البحر، والتنزّه، وتناول المثلّجات، إلّا أنّ البعض قد يعاني في هذا الفصل من حالة مزرية.
نقرأ عادةً عن الاكتئاب المصاحب لفصل الشتاء، لكن نادراً ما نجد أحدهم يتحدّث عن الاكتئاب الملازم للصيف! إنّ اكتئاب الصيف هو أحد أنواع الاكتئاب العاطفيّ الموسميّ، والاكتئاب الموسميّ هو الاكتئاب المصاحب لتبدّل فصول السنة نتيجة اختلاف الضوء والحرارة الصادرين من الشمس إلينا، وهو منتشر بدرجة أقلّ من اكتئاب الشتاء.
محاولة فهم اكتئاب الصيف
قد يشعر الأشخاص ببعض الاضطرابات النّفسيّة عند التعرض لأيام أطول في الصيف في الفترة من أيّار(مايو) أو حزيران(يونيو) إلى آب(أغسطس) أو أيلول(سبتمبر). وهذا الاضطراب المزاجيّ ينبع من مشكلة في التكيّف مع البيئة الماديّة.
وقد قامت الدكتورة شارمان إيسمان (Charmane Eastman)-مديرة مختبر أبحاث الإيقاعات البيولوجيّة في المركز الطبيّ لجامعة راش (Rush University) في شيكاغو- بتجربة على 96 مصاباً باكتئاب الشتاء، وذلك من خلال تعريض عدد منهم للضوء الساطع على عكس الآخرين. وجاءت النتائج لتؤكد بأنّ المرضى الذين تعرضوا للضوء الساطع كانت حالتهم النفسية أفضل من غيرهم. وهذا ما يؤكد أنّ أحد أسباب الاضطرابات الموسمية متعلّق بالتعرض للضوء والحرارة الناتجين عن الشمس وعدم التكيّف مع ذلك.
ولاحظ الدكتور إيان كوك (Ian A. Cook)-مدير برنامج أبحاث الاكتئاب في جامعة كاليفورنيا- من خلال عدة دراسات أنّ اكتئاب الصيف يتعرّض له 10% من الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات الموسمية، وهو يكثُر في المناطق الحارة القريبة من خط الاستواء.
كسائر أنواع الاضطرابات كان من الصّعب معرفة الأسباب الأساسية وراء هذه الاضطرابات الصيفية، إلّا أنّ الدكتور كوك عزى الأسباب إلى:
-
عدم وجود خطة صيفيّة
يسعد الجميع بقدوم الصيف معلناً بدء الإجازة الصيفية، إلّا أنّهم يكونون غير مستعدين لها بعد، فلم يعدُّوا خطة لقضاء أوقاتهم في الصيف، أو ربّما قد وضعوها لكن تكاسلوا عن تنفيذها. وهذا ما قد يجعل البعض يشعر بالفراغ، فتتحوّل الأيام إلى تكرار قاتل من دون استمتاع ومن دون تقدّم في الحياة، ويسيطر الشّعور بالذنب طوال فترة الإجازة بدلاً من كونها فترة استمتاع وعمل.
-
الوزن غير المثاليّ
يشعر الشخص أحياناً بقلّة الثقة تجاه جسده عند اقتراب الصيف، والاتجاه نحو تخفيف الملابس خاصّة عند الذهاب إلى المصايف.
-
الحرارة والرطوبة
تسبّب حرارة الصيف الضّيقَ لبعض الأشخاص، وتجعلهم يختبئون في منازلهم أمام أجهزة التّكييف ويفضّلون عدم الخروج، وأحياناً قد تجعلك تعتمد على الأطعمة السريعة لصعوبة الطّبخ في درجة الحرارة العالية. (1)(2)
أعراض اكتئاب الصيف ومقارنتها بأعراض اكتئاب الشتاء
لا تختلف أغلب أعراض اكتئاب الصيف عن تلك الخاصّة باكتئاب الشتاء اختلافاً كبيراً، فالمصابون باكتئاب الصّيف يعانون من الحزن والقلق وقلّة النوم، وهذا ما يجعلهم مرهقين في فترات مختلفة من اليوم. وقد يعاني البعض أيضاً من الانسحاب الاجتماعيّ والميل للعزلة.
وللمقارنة بين أعراض اكتئاب الصيف وأعراض اكتئاب الشتاء قام علماء بدراسة على مجموعة من الأشخاص تعرّضوا لاكتئاب الصيف ومجموعة أخرى تعرّضت لاكتئاب الشتاء، ولاحظوا الأعراض المختلفة التي ظهرت عليهم.
تتكوّن كل مجموعة من 30 شخصاً، ولتجنب التحيّز في النتائج تمّ الحرص على التّكافؤ في جنس المشاركين في المجموعتَين، فكان المشاركون في المجموعة الأولى 27 امرأة و 3 رجال، وكذلك الأمر في المجموعة الثانية، وكان متوسّط الأعمار يقارب 40 عاماً في المجموعتَين، وتمّ مراعاة تاريخهم المرضيّ أيضاً.
كما كان متوقعاً، لوحظ على المجموعة المعرّضة لاكتئاب الشتاء زيادة الشهية وخاصّة للسكريات(الكربوهيدرات)، وبالتالي زيادة الوزن، كما لوحظ فرط النوم وقلّة النشاط العامّ، وتقلّب المزاج خاصّةً في فترة الصّباح والمساء وما قبل النوم.
بينما لوحظ على المجموعة المعرّضة لاكتئاب الصيف الفتور، والابتعاد عن السكريات(الكربوهيدرات)، ونقص الشهية للطعام، ونقصان الوزن، بالإضافة إلى الأرق الصباحيّ، والإرهاق، وقلّة النوم، وتقلّب المزاج في فترات التعرّض للشمس خاصّةً فترة ما بعد الظهر.(3)
التعامل مع اكتئاب الصيف
يُعتبر الاكتئاب من أشدّ الأمراض النفسية، ورغم أنّ اكتئاب الصيف لا يستمرّ عادةً أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أنّه يجب عدم التّهاون في معالجته ومحاولةُ تخطّيه قدر الإمكان. وإليك ببعض النصائح التي يقدّمها الدكتور كوك حتى تتجنّب اكتئاب الصيف:
-
جهّز خططك
إذا كان الفراغ أحد أهمّ أسباب الاكتئاب فعليك بقتله. حدّد خططك للصيف القادم من الآن مهما كان نوعها-خطط دراسة، عمل، سفر، وغيرها. ولكن لا تجلس بلا خطط ولا عمل فقد يصيبك ذلك بالاكتئاب.
-
نم جيداً
نخطئ حينما نشعر بأنّ وقت النوم ما هو إلا وقت ضائع، وعلينا تقليله قدر الإمكان لإنجاز المزيد وتحقيق التقدّم في الدراسة أو العمل. فلن تستطيع إتمام أعمالك من دون النوم، ولن تستطيع التغلّب على الاكتئاب أيضاً إلا بأخذ المقدار الكافي منه.
-
مارس الأنشطة الرياضية
لقد أثبتت العديد من الدراسات تأثير التمارين الرياضيّة على التخلّص من الاكتئاب. لكن لا تنسَ أن تختار المواعيد المناسبة للتمرين؛ كأن تجعله في الصباح الباكر أو المساء لتجنّب الحرارة. يجب كذلك ألا تسرف في التمارين.
-
ابتعد عن الحمية الغذائية القاسية
لا تبالغ في حميتك الغذائيّة في الصيف، فقد يشعرك ذلك بعدم السعادة والقلق. اعتدل في الحمية حتى تواظب عليها؛ لأنّ المبالغة قد تجعلك تفرّط فيها ممّا يتسبّب بإحساسك بالفشل، ويزيد من اكتئابك.
-
فكّر في السبب
إذا كنت تعاني من نوبات اكتئاب متكررة في كلّ صيف، ففتّش في نفسك عن السبب. قد يكون اقتران الصيف لديك بحادث مأساويّ في الماضي-كحادثة موت أو فقد شخص مقرّب- يجعلك تشعر دائماً بالحزن والاكتئاب.
-
اطلب المساعدة
إذا قمت بهذه الخطوات وغيرها من الأشياء الممتعة بالنسبة لك ولم تشعر بتحسن فاستشر طبيباً نفسياً؛ فربّما تحتاج إلى أدوية لتخطّي هذا الاكتئاب. (2)
لا تستخفّ بأعراض الاكتئاب معتقداً أنّها ستتلاشى تلقائياً، أو أنّك ستتجاوزها بمرور الصيف، فما بدأ بالصيف قد لا ينتهي أبداً، ومن الممكن أن يتحول إلى نوبة اكتئاب طويلة الأمد. «الاكتئاب المؤقت قد يكون مروِّعاً»، يقول الدكتور كوك. فتأثير هذه الفترة القصيرة قد يمتدّ إلى عملك وعائلتك. لا تجعل هذه الأيام تمضي وأنت تعاني فيها الاكتئاب، فالصيف لا ينبغي أن يكون بهذا السوء.
إعداد: مديحة كمال
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
تدقيق لغوي: رؤى زيّات
المصادر:
-
Bright Lights, Big Relief: Treating Seasonal Affective Disorder [Internet]. http://www.apa.org. [cited 2018 Oct 10]. Available from: http://www.apa.org/research/action/light.aspx
- Summer Depression: Causes, Symptoms, and Tips to Help [Internet]. [cited 2018 Oct 10]. Available from: https://www.webmd.com/depression/summer-depression#1
- Wehr TA, Giesen HA, Schulz PM, Anderson JL, Joseph-Vanderpool JR, Kelly K, et al. Contrasts between symptoms of summer depression and winter depression. Journal of Affective Disorders [Internet]. 1991 Dec 1 [cited 2018 Oct 10];23(4):173–83. Available from: https://www.jad-journal.com/article/0165-0327(91)90098-D/fulltext