اكتشاف أكبر مقبرة للمسلمين في إسبانيا

اكتشاف أكبر مقبرة للمسلمين في إسبانيا

اكتشف علماء الآثار بمدينة تاوست بالقرب من سرقسطة الإسبانية أكبرَ مقبرةٍ تعود للوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث قاموا بالتنقيب واكتشاف مقبرةٍ لنحو 400 شخصٍ في موقعٍ تبلغ مساحته نحو خمسة أفدنة موزعة على مستويين من الأرض على الأقل. وتذكر إيفا خمينيس، عالمة الآثار التي تقوم حاليًا بالتنقيب بتمويلٍ من شركة باليويماس الأثرية للتنقيب عن الآثار، أنه اتم اكتشاف بعض المقابر التي تعود للقرن الثامن الميلادي في بلدة تاوست بالقرب من سرقسطة(1).

أحد الرفات البشري المكتشف

بداية اكتشاف المقبرة

كانت بداية الاكتشاف بالصدفة حينما قام العاملون في مدينة تاوست بمحاولة توسيع الطريق بالقرب من حدود المدينة بينها وبين سرقسطة فظهرت لهم معالم هذه المقبرة الواسعة التي تمتد على مساحة خمسة أفدنة(3)، وذلك في شارع Obispo conget المرصوف وفي منطقة آهلة بالسكان، ويعتقد أنها أكبر مقبرة جماعية اُكتشفَت للمسلمين في إسبانيا(4).

جزء من المقبرة المكتشفة

تفاصيل اكتشاف المقبرة

تذكر إحدى أعضاء الفريق الأثري مريام باردوس أنه بدأ العمل في هذا الكشف منذ عام 2010م حينما تم اكتشاف المرحلة الأولى من المقبرة وكانت تحوي عدد 44 هيكلًا عظميًّا خلال عملية التنقيب الأولى في ذات العام، ولكن في العام الحالي تم العثور على نحو 400 جثة مرةً واحدة بعدما أمرت السلطات المحلية في مدينة تاوست بتوسيع عملية البحث والتنقيب، وتضيف:

إنه لأمر مدهش أن تعثر على هذا العدد من الهياكل البشرية في مكان واحد وقد دُفنت جميعها وفقًا للتعاليم والعادات الإسلامية، حيث تم وضعها على الجانب الأيمن للمتوفي، وتم توجيههم نحو الجنوب الشرقي، وهي بالطبع مكة قبلة المسلمين(1)

ولم يقتصر الاكتشاف على هذه الجثث فقط، بل تم اكتشاف بعض البقايا الأخرى على عناصر صغيرة من الأقراط التي كانت تستخدم للزينة(4).

جزء من المقبرة المكتشف في تاوست بالقرب من سرقسطة
بقايا مكتشفة أخرى

ويفيد فريق الآثار التابع لشركة باليوماس أنه على الرغم من وجود العديد من أنابيب الصرف الصحي الموجودة في مكان الحفر، فذلك لم يؤثر بشكل بالغ بالرفات المكتشف بفضل الحصى المحيط بالمقبرة والطريق القديم المرصوف حولها اللذين حافظا بشكلٍ كبيرٍ على المقابر(4).

وما زال علماء الآثار يواصلون العمل في الموقع الذي يمتد تقريبا لمسافة كبيرة. وللعلم، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم اكتشاف جثث لمسلمين في مدينة تاوست؛ ففي العام الماضي تم اكتشاف مقبرة إسلامية ضخمة أيضًا في نفس البلدة ولكن لم تكن بضخامة الاكتشاف الحالي(2).

التكهنات والتفسيرات المرتبطة باكتشاف المقبرة

في بداية أعمال الحفر والتنقيب تكهن علماء الآثار أنه ربما كانت هذه المقبرة الجماعية لأشخاص ماتوا في القرن التاسع عشر الميلادي بسبب تفشي مرض الكوليرا في المدينة، ولكن بعد توسيع نطاق الحفر وتحليل مشاهد الدفن وجدوا أن طريقة حفظ الهياكل البشرية تمت بشكلٍ دقيق ومحدد وموجه نحو القبلة(4)، وهذا ما يُفيد به عالم الآثار الإسباني رافائيل لابوردا وهو أحد القائمين على المقبرة المكتشقة قائلًا:

لقد اكتشفنا واحدةً من أقدم المقابر الإسلامية وأفضلها حفظًا في شبه الجزيرة الأيبيرية، وعلى الرغم من وقوع هذه المقبرة في مكان حدودي بين الشمال النصراني والجنوب الإسلامي في العصور الوسطى إلا أن عملنا يشير أن المقبرة تنتمي إلى مجتمع مسلم استقر في المنطقة لأكثر من أربعة قرون(3).

جانب طولي من الموقع الأثري المكتشف

ترتبط نتائج هذا الاكتشاف بالعديد من الآراء التقليدية التي كانت موجودة في الوسط الأكاديمي والثقافي الإسباني، فالباحثون في جامعة إقليم الباسك كانوا عادة يؤكدون أن الوجود الإسلامي في سرقسطة وما جاورها لم يذكر بشكل واضح في الكتابات التاريخية الإسبانية(1)، ولكن القائمين على المشروع الثاقفي في مدينة تاوست طالما أكدوا أن الوجود الإسلامي في ذلك المكان حقيقةٌ تاريخية، وأن مدينتهم كانت موطنًا لجماعات إسلامية كبيرة استقرت هناك لفترة طويلة، وهذا ما تؤكده مريام باردوس بموجب العديد من الأدلة العمرانية وبعض بقايا الرفات المكتشف في المدينة من قبل المنتمي للعادات والتقاليد الإسلامية(1).

ووفقًا للباحثين في جامعة إقليم الباسك، أكدوا أن الحدود بين الشمال المسيحي والجنوب الإسلامي تغيرت بشكلٍ كبير منذ بداية الدخول العربي عام 711م وحتى الخروج منه عام 1492م(1)، ولكن خبراء الآثار يعتقدون أن هذا الاكتشاف الحديث سيتحدى تلك الافتراضات التي كانت تشكك في الاستقرار العربي في سرقسطة وما حولها حيث تضيف إيفا خيمينز قائلةً بهذا الشأن:

يمكننا أن ندرك أن الثقافة الإسلامية في المدينة ربما كانت أكثر وجودًا وأهمية أكثر مما كنا نعتقد، وتدل هذه الاكتشافات على أنه هناك عدد كبير من المسلمين استقروا في مدينة تاوسي منذ بداية الوجود الإسلامي في إسبانيا، وإنه لأمر مهم أن تظهر مقبرة لـ400 مسلم تدل على أن هؤلاء عاشوا هنا لفترة طويلة وربما لقرون(1).

مصير اكتشاف المقبرة ونتائج التحليل الأولى للرفات المكتشف

تقول مريام باردوس أنه سيتم إزالة جميع الرفات البشري من الموقع في غضون شهر لأن أغلبها محفوظ بشكل جيد باستثناء عدد قليل منهم تعرض للضرر بسبب بعض أعمال صيانة أنابيب الصرف.

وذكرت باردوس لصحيفة ميدل إيست مونيتور أن 10% فقط من الرفات البشري ستم تحليلها من قبل الباحثين، بما في ذلك أعمال التحليل النووي على أمل أن ينتج منه معرفة وتحديد أصل السكان المكتشف رفاتهم، وربما كانوا من أهل إسبانيا ذاتها وتحولوا إلى الإسلام، أو ربما غير ذلك، وسيتم تخزين باقي الجثث في سرداب تم تخصيصه لحفظهم فيه(3)، هذا ويأمل القائمون على أعمال التنقيب أن يصل إجمالي ما يتم اكتشافه إلى نحو 500 قبر بنهاية مرحلة العمل في الموقع(4).

استمرار أعمال التنقيب واستخراج الرفات البشري.

تُشير النتائج الأولية لتحليل الحمض النووي والتحليل الكربوني لبعض الجثث أن رفات هذه المقابر يعود تاريخها إلى ما بين القرنين 8- 11 الميلاديين(1)، بينما يُفيد بعض علماء الأنثروبولوجيا القائمين في العمل أن أعمال التحليل الأولي تُشير إلى أن أصول هذه الجثث تعود إلى سكان شمال أفريقيا أو أصول إفريقية،

وبعد عدة اختبارات، توصلوا إلى أن النظام الغذائي للرفات المكتشف اعتمد بشكل كبير على طعام الحبوب بالدرجة الأولى، ثم بدرجة أقل على اللحوم والأسماك.

وتوضح مريام باردوس أن تحليل النظام الغذائي أفاد بأن بعض الهياكل البشرية التي تعود إلى أشخاص بالغين كانوا يسيرون على نظام صحي في الطعام أكثر من بعض الهياكل التي تعود إلى فترة الشباب(4).

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي