في أحد أبرز وأهم الاكتشافات الفضائية في تاريخ المهمات الاستكشافية، عثر المسبار (كيريوستي-Curiosity) في مهمته لاستكشاف كوكب المريخ، على أدلة جديدة تقترح احتمالية وجود حياة قديمًا على سطحه، إضافةً إلى اكتشاف أدلة أخرى مشابهة في غلافه الجوي. وبالرغم من عدم اثبات هذه الأدلة لوجود حياة على سطح المريخ بشكل قاطع، إلا أنها دلائل جيدة لإرسال المزيد من الرحلات الاستكشافية وفحص سطح الكوكب وباطنه أكثر وأكثر.
أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في إصدار شهر يونيو لجريدة (Science) عن اكتشافها الجديد، وهو العثور على آثار لجزيئات عضوية صلبة داخل بعض الصخور الرسوبية القريبة من سطح الكوكب، يرجع عمرها إلى 3 مليار عام، بالإضافة لحدوث تغيرات موسمية لنسبة غاز الميثان في الغلاف الجوي للكوكب.
تضمنت الجزيئات العضوية ذرات كربون وهيدروجين، كما يحتمل وجود ذرات أكسجين ونيتروجين وبعض العناصر الأخرى. وبالرغم من أنه غالبًا ما تنشأ هذه العناصر نتيجة تفاعلات عضوية حية، إلا أنها من الممكن أن تنشأ من خلال بعض التفاعلات غير العضوية.
يقول الدكتور (توماس زوربشيت-Thomas Zurbuchen) المدير المساعد لإدارة المهمة العلمية بمقر وكالة ناسا بولاية واشنطن:
« بهذه الاكتشافات، يخبرنا الكوكب الأحمر بأن نواصل البحث عن أي دليل للحياة به، وأنا على تمام الثقة بأن أبحاثنا الحالية المتواصلة ستساعد في كشف المزيد من الأمور المذهلة بهذا الكوكب.》
لم يتم تحديد مصدر هذه الجزيئات العضوية بعد، فقد تحمل بداخلها سجلًا تاريخيًا لحياة قديمة، أو قد تكون بذرة لنشأة حياة ما، أو ربما تكون نشأت دون وجود أي حياة على الإطلاق. وبشكل عام فإن المواد العضوية تتضمن أدلة كيميائية هامة تتعلق بحالة الكوكب ومراحل تطوره. هذا ما قاله الدكتور جين ايجنبرود من مركز جودارد للرحلات الفضائية التابع لوكالة ناسا، والمشرف على كتابة إحدى الورقتين البحثيَّتَيْن اللتين تم نشرهما بخصوص هذه الاكتشافات.
على الرغم من عدم أهلية سطح كوكب المريخ للعيش به، إلا أنَّ هناك أدلة واضحة من الماضي البعيد تشير إلى أنَّ مناخ المريخ كان مناسبًا في يومٍ ما لتواجد المياه في صورتها السائلة على سطحه. فقد كشفت البيانات المتحصَّل عليها حديثًا أنَّه منذ مليارات السنين، كان هناك وجود لبحيرة بها مياه سائلة تحتوي على كل العناصر الضرورية للحياة من حيث البناء الكيميائي ومصادر الطاقة.
يقول الدكتور إيجنبرود:
« يتعرض سطح كوكب المريخ لكميات كبيرة من الإشعاعات والمواد الكيميائية الضارة، واللذان يقومان بتكسير المركبات العضوية، ولكن العثور على جزيئات عضوية قديمة في أول خمسة سنتيمترات من الصخور والتي قد تكون آثار لحياة قديمة على هذا الكوكب، تعطينا إشارة جيدة لمعرفة تاريخ تلك المركبات العضوية على سطح المريخ عن طريق إرسال المزيد من المهمات الاستكشافية والبحث في أعماق أكثر من ذلك.》
التغيرات الموسمية لغاز الميثان
في الورقة البحثية الثانية، يوضح العلماء عملية اكتشاف تغيرات موسمية في نسبة تركيز غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ في فترة تصل لثلاث سنوات على المريخ، أي ما يعادل ستة سنوات على كوكب الأرض. تم قياس هذا التغيير باستخدام جهاز تحليل العينات (SAM) الخاص بالمهمة كيريوستي.
قد تكون طبيعة كيمياء الماء المخزنة قديما في تلك الصخور هي المصدر المولد لغاز الميثان، لكن العلماء لم يتمكَّنوا من معرفة أصل هذا المركب العضوي بشكل دقيق. في الماضي، تم اكتشاف كميات كبيرة من غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ، إلا أن النتائج الحديثة أظهرت أن الكميات الضئيلة لغاز الميثان في قاع بحيرة فوهة جال (Gale Crater) تتزايد بشكل متكرر في فصول الصيف الحارة، ثم تتناقص في الشتاء كل عام.
و يوضح (كريس ويبستر (Chris Webster-من مركز دفع المحركات النفاثة الخاص بوكالة ناسا، والمسؤل عن نشر الورقة البحثية الثانية:
《 تعد هذه أول مرة نتمكن من ملاحظة تكرر ظاهرة ما تتعلق بتاريخ نشأة الميثان، مما يساعدنا في الحصول على فهمه بشكل أكبر. ولحسن الحظ، فإنَّ مدة المهمة كانت طويلة بالشكل الكافي لكي يسمح لنا بمراقبة التغيرات الموسمية في تركيز الميثان على فترات متعددة.》
العثور على الجزيئات العضوية
لكي تتمكن من التعرف على الجزيئات العضوية في تربة المريخ، قامت المركبة بالحفر في بعض الصخور الرسوبية (الطينية) في أربع مناطق مختلفة في بحيرة فوهة جال، حيث تشكلت هذه الصخور الطينية من تراكم الطمي في قاع البحيرة على مدار مليارات السنين. تم تحليل العينات الصخرية بواسطة جهاز تحليل العينات (SAM) والذي يقوم بتسخين العينة بواسطة فرن حراري حتى تتجاوز حرارتها 900 درجة فهرنهايت (500 سيلزيوس)، لتتحرر المركبات العضوية من فتات الصخور.
يقوم جهاز تحليل العينات بتقدير الكمية الضئيلة للمركبات العضوية المنطلقة في صورة جزيئات صغيرة، حيث أنها لا تتبخر بسهولة. ويحتوي بعض هذه العينات على عنصر الكبريت الذي قد يكون السبب في حفظهم في هذه الصورة لفترة طويلة؛ فنحن نستخدم الكبريت في صناعة إطارات السيارات لتكون أكثر تحملًا للظروف المختلفة.
بينت النتائج أيضًا أن تركيز الكربون العضوي بمقدار 10 أجزاء في المليون (ppm 10) وهي نسبة قريبة لنسبته في أحد مذنبات المريخ، وأكبر بمقدار مائة مرة من النسبة التي تم تقديرها مبدئيًا من سطح المريخ. بعض من هذه المركبات العضوية تم التعرف عليها مثل مركب الثيوفينس، البنزين، التولين، وبعض من السلاسل الكربونية البروبان والبيوتين.
في عام 2013 قام جهاز تحليل العينات بتقدير أنَّ بعض المركبات العضوية في بعض الصخور من أعمق نقطة في قاع البحيرة تحتوي على الكلور. وقد ساعد هذا المركب في بناء مخزون من المركبات العضوية في الطمي المترسب في البحيرة القديمة، مما ساعد على تفسير السبب وراء المحافظة عليها طوال هذه المدة.
ساهم اكتشاف الميثان في الغلاف الجوي للمريخ، ووجود الكربون المخزَّن في سطح المريخ، على إعطاء العلماء الثقة للتخطيط لإطلاق المركبة (مارس-MARS) التابعة لوكالة ناسا، والمركبة (إكسومارس-Exomars) الخاصة بوكالة الفضاء الأوربية عام 2020، للعثور على المزيد من المركبات العضوية في كلٍّ من سطح المريخ والمناطق الضحلة أسفله. كما أن هذه النتائج ساعدت العلماء على اتخاذ بعض القرارات البحثية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة باحتمالية وجود حياة على كوكب المريخ.
في النهاية يقول (مايكل ماير-Michael Meyer) العالم الرائد ببرنامج استكشاف المريخ الخاص بوكالة ناسا:
« لسنا متأكدين تمامًا إذا كانت هذه النتائج دليل على وجود حياة على كوكب المريخ، ولكنها على الأقل تخبرنا بأننا نسير في الطريق الصحيح لمعرفة ذلك.»
المصدر: http://sc.egyres.com/y4ztJ
ترجمة: مجدي ممدوح محمد
مراجعة: بيير عماد
#الباحثون_المصريون