الأصباغ

fig-11-10-2018_13-42-09

بينما وأنت تُمسك بجهاز التحكم عن بعد الخاص بشاشة التلفاز في بيتك وتتجول بين القنوات المتاحة لك؛ تجد أن إحدى تلك المحطات التلفزيونية تعرض إحدى حفلات «الست»؛ فتقرر تركها لأن الأغنية التي تغنيها (أم كلثوم) هي المفضلة لديك، وبينما أنت مستغرق في نشوتك مع قولها: «وأقولك عاللي سهرني وأقولك عاللي بكاني»، إذ تجد نفسك وقد سُحبت داخل التلفاز، تلتفت حولك بفزع، الأبيض والأسود ولا شيء سواهما موجود، تنظر إلى يديك، سحقًا إنها رمادية! ضربات قلبك تتسارع، ماذا يحدث؟ هل تملك الألوان كل تلك الأهمية؟ هل تفقد الحياة معناها بدونها؟ ولكن تمهل عزيزي القارئ؛ فإنك مازلت تجلس في مكانك، وحتى لن نتناول في هذا المقال الألوان بصورة خاصة، ولكننا سنلقي الضوء على أحد أهم الأشياء التي تضفي على حياتنا تلك الألوان، إنها الأصباغ.

أ- ما هي الصبغة؟

الصبغة بكل بساطة مادة تُستخدم كحامل للألوان على المنسوجات والأوراق والجلود وغيرها، بحيث تحمي تلك الألوان المثبتة على تلك المنتجات ضدد العديد من العوامل كالحرارة والضوء والغسيل وغيرها، وتختلف الأصباغ عن (المخصبات pigments) في كون الثانية عبارة عن مركبات غير عضوية (خالية من الكربون) غير قابلة للذوبان في معظم المذيبات؛ حيث توجد في صورة معلقة في بعض السوائل كالأحبار والدهانات وغيرها، أو مخلوطة بغيرها من المواد الأخرى، على عكس الصبغات التي تتكون من مواد عضوية (تحتوي على كربون) وتكون عادة قابلة للذوبان في معظم المذيبات، تتمتع أسواق الأصباغ حاليًا بأكثر من (9000) لون لأكثر من (50000) اسم تجاري حول العالم.

ب- محاولات سابقةأميرة

ترجع أساليب صناعة الأصباغ إلى ما يقارب ال(4000) عام، حيث تم العثور على بعض الأقمشة المصبوغة في العديد من المقابر الفرعونية القديمة، بالإضافة إلى احتواء بعض الجداريات الهيروغليفية القديمة على طرق استخراج الأصباغ من النباتات والزهور الملونة، وبالرغم من عدد المحاولات التي لا حصر لها للحصول على تلك الأصباغ؛ إلا إن تلك المحاولات لم تسفر إلا عن عشر أصباغ طبيعية فقط، وذلك كونها غير مستقرة وتتكون من (محاليل معقدة تناسقية complex mixtures).

ج- بعض الكيمياء

ساهم الألمان كثيرًا في فهمنا لآلية عمل الأصباغ؛ فمع تطور (النظرية الهيكلية structural theory) ظهر في عام( 1868م) الكيميائيين الألمانيين (كارل جيرب-Carl Graebe) و (كارل ليبرمان-Carl Liebermann) بنظرية مضمونها أن الأصباغ هي المواد التي تحتوي على (روابط مزدوجة مترابطة conjugated double bonds) والتي تأخذ الشكل: (X=C−C=C−C=C)؛ حيث أن (X) قد تكون ذرة كربون أو أكسجين أو نيتروجين، ومع مرور عام (1876م) اقترح الكيميائي -الألماني أيضًا- (أوتو ويت Otto Witt) أن الأصباغ التي تحتوي في هيكلها البنائي على حلقة البنزين: فإن ظهور اللون أو عدم ظهوره يعزى إلى ارتباط حلقة البنزين ذاتها بنوعين من المجموعات الوظيفية:

1- المجموعة اللونية (Chromophore):

وهي عبارة عن مجموعة وظيفية مرتبطة بحلقة البنزين ويعزى وجود اللون في المركبات المكونة لها إليها، وقد لوحظ عام (1870م) أن بعض المركبات مثل (الكينونات quinines) و(مركبات الآزو الأروماتية-azo compounds) و(مركبات النيترو-nitro compounds) تتمتع بألوان واضحة، مع ملاحظة انسحاب اللون أو حتى اختفائه عند هدرجة تلك المركبات.

2- أصباغ الأنثراكينون (Anthraquinone):

وهي نوع آخر من المركبات المسؤولة عن الألوان في الأصباغ والتي تعتمد في تركبيها الهيكلي على وجود مركبات الأنثراكينون ، والتي تنقسم تبعًا لآلية عملها ونوع الألياف الملونة لها إلى:

1) أصباغ الأنثراكينون الحمضية Anthraquinone acid dyes:

وهي الأصباغ التي تحتوي على مجموعات حمض السلفونيك والتي تساعد تلك الأصباغ على الذوبان في الماء، وهي ملائمة لألياف الصوف والحرير ولا تحتاج تلك الاصباغ إلى مواد مثبتة أو أي أضافات.

2) أصباغ الأنثراكينون المنتشرة Anthraquinone disperse dyes:

وتفتقر تلك المركبات إلى المجموعات التي تساعدها على الذوبان في الماء، ولكنها بالرغم من ذلك تُمتز على أسطح الألياف الكارهة للماء (النيلون على سبيل المثال) وتحتاج أيضًا لإضافات كالصابون وغيره للحفاظ على الصبغة.

3)  أصباغ الأحواض The anthraquinone vat dyes:

وتتميز تلك الأضباغ بنضارة ألوانها وثباتها ضد العديد من العوامل مثل الضوء والغسيل المستمر، ومع كونها غير قابلة للذوبان في الماء ولكنها تصبح قابلة عند معالجتها بعوامل مختزلة (عادةً ما تكون مادة هيدروسلفات الصوديوم).

د- طعامك ملون

قد تجد وأنت تتجول بين مقاطع اليوتيوب العديد من الأمور الغريبة؛ فقد تجد مياه سوداء أو زهرية اللون أو حتى كاتشب أخضر، إذا كان مثل الأطعمة تُثير أشمئزازك؛ فيجب أن تعلم أن العديد من الأغذية المصنعة -وإن بدت لك ذات ألوان طبيعية- ليسيت كذلك، فمع عمليات المعالجة التي تمر بها قد تجد في النهاية أن لون السجق رمادي، لذلك وجب إضافة الألوان إليها حتى تبدو لك مقنعة.
لعل أشهر الأمثلة على تلك الأصباغ الطبيعية هي مجموعة أصباغ (الكاروتينات Carotenoids) والتي تمتلك ألوان الأحمر الغامق والأصفر الغامق والبرتقالي الغامق، ولعل الأشهر فيها هي (beta-carotene) والتي تملك اللون البرتقالي القريب من لون قرع العسل أو البطاطس الحلوة (البطاطا)، وهي قابلة للذوبان في الدهون؛ فإنها الخيار الأمثل لتلوين المنتجات الدهنية مثل  السمن أو منتجات الألبان مثل الجبن وغيرها.

 

إعداد: Ahmed Fahmy

مراجعة علمية: ولاء شعبان

تدقيق لُغوي: أميرة إسماعيل

المصادر:
(1)
dye — Britannica Library [Internet]. [cited 2018 Aug 15]. Available from: https://library.eb.co.uk/levels/adult/article/dye/108379
#277822.toc

(2)
chromophore — Britannica Library [Internet]. [cited 2018 Aug 16]. Available from: https://library.eb.co.uk/levels/adult/article/chromophore/82454

(3)
anthraquinone dye — Britannica Library [Internet]. [cited 2018 Aug 16]. Available from: https://library.eb.co.uk/levels/adult/article/anthraquinone-dye/7791

(4)
The Chemistry of Food Colorings [Internet]. American Chemical Society. [cited 2018 Aug 16]. Available from: https://www.acs.org/content/acs/en/education/resources/highschool/chemmatters/past-issues/2015-2016/october-2015/food-colorings.html

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي