الخيمياء

adam-mclean-the-alchemist-working-in-his-laboratory-this-oil-the-alchemist-painting

كانت الخيمياء أو الكيمياء القديمة هي الاسم الوارد في أوروبا اللاتينية في القرن الثاني عشر لنوع من الفكر يتطابق مع علم التنجيم، الذي يبدو أنه تقليدٌ قديم. كلاهما يمثلان محاولاتٍ لاكتشاف علاقة الإنسان بالكون واستغلال تلك العلاقة لمصلحته. يمكن أن يُسمَّى أول هذه الأهداف علمي بحت، والثاني تطبيقي. يتعلق علم التنجيم بعلاقة الإنسان بـ«النجوم» (بما في ذلك مكونات النظام الشمسي)؛ أما الخيمياء فمع العناصر الأرضية. لكن الاختلاف بينهما ليس جذريًّا، حيث أن كليهما يهتم بتأثير النجوم على الأحداث الأرضية. علاوة على ذلك، تم السعي إلى تحقيق كليهما في الاعتقاد بأن العمليات التي يشهدها البشر في السماء وعلى الأرض تُظهر إرادة الخالق، وإذا تم فهمها بشكلٍ صحيح، فسوف تعطي المفتاح لمعرفة غاية الخالق في الخلق.

الطبيعة والأهمية

إن كلًّا من علم التنجيم والخيمياء يمكن اعتبارهما من الجوانب الأساسية للفكر من خلال شموليتهما الواضحة. غير إنه من الجدير بالملاحظة أن الأدلة ليست متساوية في جميع الأوقات والأماكن. لا تزال الأدلة من أمريكا الوسطى القديمة (الأزتيك والمايا) غير موجودة تقريبًا، والأدلة من الهند ضعيفة، ومن الصين القديمة واليونان والأراضي الإسلامية أكثر وفرة نسبيًا. وأحيانًا يعتمد العلماء على معرفتهم بالموضوع من خلال التلميحات العرضية في أعمال الفلسفة الطبيعية والطب، بالإضافة إلى بعض الأعمال الخيميائية المتخصصة وقتها.

كما أنه ليس من الواضح حقًّا ما هو الخيمياء (أو هي). الكلمة هي كلمة أوروبية، مشتقة من العربية، لكن أصل الكلمة غير مؤكد. تم العثور على كلماتٍ مشابهة لها في معظم اللغات القديمة، مع معانٍ مختلفة، ولكن من المتصور بطريقةٍ أو بأخرى أنها مرتبطةٌ بالخيمياء. في الواقع، يشير اليونانيون والصينيون والهنود عادةً إلى ما يُطلِق عليه الغربيون كلمة الخيمياء باسم «الفن»، أو بمصطلحات تدل على التغيير أو التحول.

كيمياء الخيمياء

بشكلٍ سطحي، يظهر تعلُّق الكيمياء بالخيمياء من خلال عمليات التسخين المتتابعة والمعقدة لكثير من المزائج الغامضة الأسماء. وتبنَّى الخيميائيون الكثيرَ من العمليات التي تحتاج إلى المعادن، والمعروفة لدى علماء وحرفيي المعادن من قبل ظهور الخيمياء، مثل: صهر وتشكيل المعادن كالذهب والفضة والحديد، بالإضافة إلى بعض المواد المهمة في الخيمياء مثل الزئبق (المعدن السائل)، والكبريت (الحجر الذي يحترق).

واخترع الخيميائيون الكثير من العمليات على معادن بعض الأملاح المسببة للتآكل وبشكلٍ أساسي (أملاح كبريتات الحديد والنحاس وكبريتات الألومنيوم بالإضافة إلى البوتاسيوم والأمونيوم) المعروفة منذ قدم الزمان، كل هذا بالإضافة إلى كلورايدات الصوديوم والأمونيوم المهمة جدًا.

وأخيرًا، أدَّى التلاعب بهذه المواد إلى اكتشاف الأحماض المعدنية، التي بدأ تاريخها في أوروبا في القرن الثالث عشر. الأول كان على الأرجح حامض النيتريك، الذي صُنِعَ من خلال تقطير الملح (نترات البوتاسيوم) مع الزاج أو الشراب. كان من الصعب اكتشاف حامض الكبريتيك، الذي تم استخلاصه من الأسبرين أو الشبه وحده، ولكن كان يتطلب جهاز مقاوم للتآكل والحرارة. والأكثر صعوبة هو حمض الهيدروكلوريك، المقطر من الملح العادي أو الأمونيا والزاج أو الشبة، لأن أبخرة هذا الحمض لا يمكن تكثيفها ببساطة ولكن يجب إذابتها في الماء.

تاريخ الخيمياء

كانت الخيمياء مرتبطة بعلم  أقدم من علم المعادن، أي الطب. يبدو أن الاعتقاد في الخلود المادي بين الصينيين يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، والإيمان بإمكانية الوصول إليه من خلال المخدرات إلى القرن الرابع قبل الميلاد. حين تم ذكر العقار السحري، أي «إكسير الحياة» كما هو مذكور في المصادر الأوروبية.

أما في الهند تحتوي أقدم الكتابات الهندية، الفيدا (الكتب المقدسة الهندوسية)، على نفس تلميحات الخيمياء الموجودة في الأدلة الصينية القديمة، وهي إشارات غامضة إلى علاقة بين الذهب والحياة الطويلة. تم ذكر الزئبق، الذي كان موضوعًا حيويًّا للغاية بالنسبة للخيمياء في كل مكان، لأول مرة في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، هناك احتمال أن الهنود اكتسبوا الفكرة من اليونانيين، ولكن كان يمكن أن يكون العكس.

أما في الغرب قد ترجع الخيمياء الغربية إلى بدايات الفترة الهلنستية (حوالي 300 ق.م.- 300م)، وأبرز خيميائي تلك الفترة هو زوسيموس بانوبوليس (مصر)، الذي عاش قرب نهاية الفترة. وهو واحد من حوالي 40 مؤلفًا تم تمثيلهم في خلاصة الكتابات الخيميائية التي ربما تم وضعها في بيزنطة (القسطنطينية) في القرن السابع أو الثامن الميلادي، وهي موجودة في مخطوطة فينيسيا-باريس. وأشار زوسيموس في كتابته على وجود مادة سحرية سماها الصبغة وأحيانا المسحوق (xērion)، ويُسمى بحجر الفيلسوف (في إشارة إلى طبيعته غير العضوية أي ليس من أصل عضوي) كدواءٍ لكل الأمراض البشرية كما هو دواءٌ للمعادن كما يطلق عليه.

كان هذا في العصور القديمة. أما في العصور الوسطى، فكانت هناك الخيمياء (كما هو مذكور في المصادر الغربية) العربية، وكانت بدايتها من مدينة حران السورية، وتجلت هذه الخيمياء في كتابات جابر بن حيان، وتُنسب إليه كتابات سرية في بغداد بعد الصدام الذي حدث بين السلطة الدينية والعلم، على العموم كتابات جابر تشبه إلى حد ما كتابات خيميائي آخر يُدعى الرازي، التي تمثل كتاباته أوج الخيمياء العربية قبل تدهورها. وقسَّم الرازي المواد إلى أجسام (مثل: المعادن والأملاح )، وأرواح (مثل: الزئبق والكبريت)، وبالتالي أضاف لعناصر النظرية اليونانية (الماء والهواء والتراب والنار) ثلاثة عناصر أخرى وهم الملح والكبريت والزئبق، وتشير كتابات جابر والرازي إلى محاولاتٍ لصنع الذهب بواسطة ما يُسمى بالماء القوي، تلك المادة التي أدَّت إلى اكتشاف الأحماض المعدنية.

بعد تدهور الخيمياء العربية وانتقال المؤلقات العربية إلى أوروبا مترجمةً إلى اللاتينية وبدء عصر النهضة في أوروبا، استمرَّت ممارسات الخيمياء في أوروبا، وأدت بعض تلك الممارسات إلى اكتشاف بعض العناصر، مثل اكتشاف الخيميائي المشهور باسم بارازيليوس عنصر الزنك أثناء سعيه المتزايد لاختراع إكسير الحياة. وفي القرن السابع عشر تضاءلت أهمية الخيمياء بشكلٍ متزايد وأصبحت في القرن الثامن عشر ما نطلق عليه اليوم الكيمياء.

الغاية

ارتبطت أهداف الخيميائين بمصطلح التحويل والذي غالبًا ما يتم تفسيرها على أنه التغير الكيميائي، ولكن أيضًا هناك التغير الفسيولوجي كالمرور من حالة المرض إلى الصحة، وهناك أيضًا حلم التحول من الشيخوخة إلى الشباب لطالما كانت أهداف الخيميائين الوصول إلى الغايات العظمى للبشر، مثل الثروة والخلود وطول العمر. ورغم عدم وصولوهم إلى تلك الغايات إلا إن ممارساتهم أدت إلى تطور علم الكيمياء.

إعداد: خالد رحومة

مراجعة علمية: ولاء شعبان

تدقيق: Mohamed Sayed Elgohary

المصادر:

Asimov I. A short history of chemistry. Westport, Conn: Greenwood Press; 1979. 263 p.

Alchemy | pseudoscience [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2018 Aug 11]. Available from: https://www.britannica.com/topic/alchemy

Conniff R. Alchemy May Not Have Been the Pseudoscience We All Thought It Was [Internet]. Smithsonian. [cited 2018 Aug 11]. Available from: https://www.smithsonianmag.com/history/alchemy-may-not-been-pseudoscience-we-thought-it-was-180949430/

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي