الأمطار الحمضية كارثة تهدد العالم

الأمطار الحمضية كارثة تهدد العالم

الأمطار الحمضية (Acidic Rain) ظاهرة خطيرة، تهدد البلاد، وتكاد تُوُدِي بحياة العباد، أهلكت الحرث والنسل، كم نتج عنها خسائر فادحة؛ بتدميرها للمباني الإنشائية، وتأثيرها على خصوبة الأراضي الزراعية، وتعكيرها للمياه النهرية والبحرية، هذه الظاهرة كانت حديث العالم بأسره في القرن التاسع عشر؛ بما خيَّمت على عالمنا الكوارث، من أجل ذلك إنبرى العلماء والباحثون في البحث عن إيجاد الحلول لهذه الظاهرة السيئة، هذه الحلول سوف نعرضها في هذا المقال، ولكن قبل التطرق لحلول هذه المشكلة ينبغي أن نعرف أولًا ماهية ومفهوم هذه الظاهره، وتاريخها، وأسبابها، حتى نرقُب عن كثب مدى خطورة هذه الظاهرة، فنتّقي كل سبب يوصل إليها؛ حتى تنعم البلاد ويستقر العباد.

ماذا تعني الأمطار الحمضية؟

هي الأمطار المائية التي تحوي في طياتها أحماض الكبريتيك (H₂SO₄)، والنيتريك (HNO₃). وهذا ما يجعل مياه الأمطار المتساقطة لها خصائص حامضية قوية. ولعل الآن يتبادر سؤال للذهن: كيف يتسنى لهذه الأمطار أن تحوي بين جنباتها أحماض الكبريتيك والنيتريك؟

كيف تتكون الأمطار الحامضية؟

السبب الرئيسي في تكوين الأمطار الحمضية هي مراكز القوى الصناعية ومحطات توليد الطاقة، حيث يحترق فيها الوقود بكميات كبيرة جدًا بشكلٍ دائم ومستمر، وتنبعث نواتج الاحتراق عبر المداخن إلى الجو حاملةً العديد من الغازات، من ضمنها: ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين.

هذان الغازان عندما تُطلقهما مداخن المصانع في الهواء الجوي؛ تتأكسد بأكسجين الهواء الجوي، ثم تتفاعل مع بخار الماء الموجود في الجو، فيتكون حمضي الكبريتيك والنيتريك. وإليك توضيح هذا التكوين بالمعادلات حتى تتضح الرؤيا:

أولًا- تكوين حمض الكبريتيك (H₂SO₄):

يتأكسد غاز ثاني أكسيد الكبريت بأكسجين الجو مكونًا ثالث أكسيد الكبريت

2SO2 + O2  → 2SO3

ثم يتفاعل ثالث أكسيد الكبريت مع بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي مكونًا حمض الكبريتيك:

SO3 + H2O  → H₂SO₄

ثانيًا- تكوين حمض النيتريك (HNO₃):

يتأكسد أكسيد النيتروجين المنبعث من المداخن فيتكون غاز ثاني أكسيد النيتروجين:

2NO + O2  → 2NO2

ثم يتفاعل ثاني أكسيد النيتروجين مع بخار الماء مكونًا حمض النيتريك:

NO+H2O → HNO3

عندما تتكون هذه الأحماض، تظل عالقة في الهواء على هيئة رذاذ دقيق تنقله الرياح من مكان لآخر. وعندما تُدرّ السماءُ بالمطر، تذوبُ هذه الأحماض في مياه المطر وتتساقط. [1]،[2]

بداية اكتشاف ظاهرة الأمطار  الحمضية

في بداية القرن التاسع عشر لوحِظ ازدياد ظاهرة تدهور وتساقط الأوراق والأشجار في المناطق الصناعية الكبيرة بمدينة مانشستر في إنجلترا، مما شحذ هذا الأمر هِمم العلماء إلى البحث حول هذه الظاهرة التي لم تُعهد قبل سابق. فقدَّم الكيميائي البريطاني (روبرت أنجوس سميث – Robert Angus Smith) تقريرًا في ما يقرب من ستمائة صفحة، ربط فيه لأول مرة بين الدخان والرماد المتصاعد في الهواء من مداخن مصانع المدينة (مانشستر) وبين تلك الحموضة التي لوحظت في مياه الأمطار المتساقطة على المناطق المحيطة بالمدينة والتي أدت إلى تساقط الأشجار. [3]
في الحقيقة لم ينتبه أحدٌ إلى أهمية هذا التقرير، وطوي في زوايا النسيان، حتى بدأت الثورة الصناعية بعد الحرب العالمية، والتي استُخدم فيها مزيدًا من أنواع الوقود؛ للحصول على الطاقة الحرارية؛ وتشغيل الآلات والمحركات؛ مما أدى إلى تزايد تلوث الجو فوق المدن وحول المناطق الصناعية ومحطات القوى. من هنا بدأ الأهتمام بالأمر، وتكثيف جهود البحث والعلم؛ لمعرفة سبب هذا الحدث الجلل، وإيجاد الحلول السريعة له.

المشاكل الناتجة عن ظاهرة الأمطار الحمضية!

تُعتبر الأمطار الحمضية من أكبر العقبات التي تقف في طريق استقرار عالمنا وسعادته؛ لِما تُسببه من كوارث ومشاكل، يئنُّ منها العالم، وهذا بعض مما تُحدثة هذه الظاهرة الممقوتة:

  1. تأثيرها على النبات: عندما تتساقط هذه الأمطار -التي تحمل في طياتها أحماض الكبريت والنيتروجين- على الأشجار والنباتات؛ تُسبب تحمير الأوراق وسقوطها، وتُتلف جذور النبات؛ وبالتالي يموت النبات، ويرجع الأمر على صاحبه بالخسارة الباهظة.
  2. تأثيرها على التربة: الأمطار الحمضية هي كارثة بمعنى الكلمة للأراضي الزراعية؛ وذلك لعدة أسباب: أولًا- تعمل على زيادة حموضة التربة، وبالتالي تصبح التربة وسطًا غير ملائم لحياة النبات. ثانيًا- عندما تتساقط الأمطار الحمضية على التربة الزراعية، تعمل على إذابة المعادن الثقيلة والعناصر الغذائية الموجودة في التربة، وتجري بها إلى البحيرات والجدوال المائية، تاركةً التربة الزراعية فقيرة وفارغة من المعادن التي يحتاجها النبات لنموه.
  3. تأثيرها على الثروة السمكية: بعد تساقط الأمطار الحمضية على التربة الزراعية، وإذابة المعادن الثقيلة فيها، تنطلق هذه المجاري المائية إلى البحيرات والأنهار والبحار والروافد المائية، وهنا تبرز المشكلة! لأن هذه المعادن بجانب الأحماض تؤثر على الثروة السمكية بتقليل نمو السمك، وقتل البيض، ووقف عملية التبيض، وبعض هذه المعادن سامة للسمك.
  4. تأثيرها على طلاءات المباني والسيارات: تسبب الأمطار الحمضية تلاشي طلاءات السيارات وجدران المباني والمنشاءات؛ لأن خليط أحماض الكبريتيك وأحماض النيتريك الممزوجة بالأمطار، تُمثل عامل مؤكسد قوي يتفاعل مع الأصباغ ويؤكسدها.
  5. تأثيرها على الإنسان: يتأثر الإنسان بالأمطار الحمضية من خلال عدة وسائل، منها: ملامسة الأسطح التي تأثرت بالأمطار، وأكل النباتات والفواكه التي نزل عليها هذا المطر الخبيث، وأكل الأسماك واللحوم التي شَربت من هذه الأمطار. [1],[2],[4]

كيف نواجه هذه المشكلة؟

يمكن مواجة هذه الظاهرة الخطيرة بعدة أساليب، منها:

  1. المعالجة بالقلويات: يمكن القضاء على الأضرار التي لحقت بالبحيرات والأراضي والمسطحات المائية الأخرى عن طريق إضافة مواد لها خصائص قلوية، فتعالج وتعادل الحموضة الزائدة، كالجير، بكل أنواعه، سواء الجير الحي (أكسيد كالسيوم)، أو الحير المطفأ (هيدروكسيد كالسيوم)، أو الحجر الجيري (كربونات كالسيوم). [3]
  2. تقليل انبعاث الغازات الحامضية من المصانع، عن طريق استخدام وقود به نسبة الكبريت والنيتروجين صغيرة. وإن لم يتوفر هذا الوقود، فهناك تقنيات حديثة (غالية الثمن) تعمل على تقليل نسبة الكبريت المنبعث من الاحتراق، ولكن للأسف الشديد قلّما تجد مصنعًا يلتزم بهذا. [5]

الخلاصة

مداخن المصانع هي السبب الرئيسي وراء كل تلوث للبيئة، حيث ينتج عنها مخاطر جسيمة، تنال من الأخضر واليابس، لا تترك شيئًا دون تأثير سلبي عليه.
وتنبعث غازات ثاني أكسيد الكبريت، و أكاسيد النيتروجين من المداخن إثر عملية الاحتراق. هذه الغازات عندما تخرج للهواء تتأكسد، ثم تتفاعل مع بخار الماء الموجود في الهواء أيضًا، فيتكون حمضي الكبريتيك والنيتريك، ويظلا متعلقين في الهواء، وعندما ينزل المطر تذوب هذه الأحماض في المطر وتتساقط على الشجر والدواب، وهذه هي الأمطار الحمضية.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي