الاستشارات الزوجية قبل الزواج ومدى أهميتها

الاستشارات الزوجية قبل الزواج ومدى أهميتها

استشارة ما قبل الزواج

لاحظت الأخصائية النفسيّة ميريديث هانسن أثناء دراستها الجامعيّة أن العديد من زملائها قد وقعوا في فخ الحب وتبادلوا الوعود فيما بينهم، لكن لم يمض وقت طويل على زواجهم حتى خيمت التعاسة على وجوه العديد منهم، وتتذكر قائلة:

«لم يعانوا من الاكتئاب الحاد، لكن كانوا تعساء للدرجة التي خالفت كل التوقعات»

دفعتها تلك الملاحظة إلى كتابة أطروحتها الأولى حول تطلعات المرأة في السنة الأولى من الزواج، والحصول على تدريب إضافي في استشارات العلاقات، وفي عام ٢٠٠٩ م بدأت الممارسة المهنيّة في الاستشارات الزوجيّة ووضعت استشارة ما قبل الزواج في مقامها الأول.

تقول هانسن:

«بدا لي أنه من المهم حقًّا مساعدة الأزواج على الاستعداد الجيد والبداية السليمة للحياة الزوجية. إن الحديث عن الأشياء مقدمًا، ووضع النقاط على الحروف، والاستماع إلى احتياجات وطموحات كل منهما الآخر -مجرد إجراء تلك المحادثات التى يفتقدها الكثير من الأزواج عمومًا- أمرٌ في غاية الأهمية»

تدعم الأبحاث هذا الاعتقاد، فقد وُجدت دراسة قديمة عام ٢٠٠٣ م في مجلة العلاقات الأسرية على سبيل المثال: تفيد بأن الأزواج الذين استعانوا بشكلٍ من أشكال الاستشارات التي تسبق الزواج يزداد رضاهم عن العلاقة الزوجيّة بنسبة ٣٠% مقارنة مع أولئك الذين لم يخضعوا لمثل تلك الاستشارات.

تقدِّم هانسن خدمات الاستشارة قبل الحياة الزوجيّة في ٥ جلسات مدة كل منها ٥٠ دقيقة بمعدل منخفض عن جلسات الاستشارة القياسيّة الخاصة بها، تناقش مع الأزواج المشاركين موضوعات عدة منها: الأسباب التي تدفع إلى الزواج، ومصادر الدخل، والنسب، والألفة وحل المنازعات.

لقد نجح مشروعها نجاحًا كبيرًا، ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى أنها تعمل بالفعل على جلب الزبائن والترويج لخدماتها على منصة (Google AdWords) وكذلك من خلال الخطابات العامة وحفلات الزفاف، وتقول:

«قد يشعر الأزواج المشاركون بالحرج من تلك الاستشارة ظنًّا منهم بأن اللجوء لمثل تلك الاستشارات يعنى بالضرورة وجود خلل في العلاقة بينهم»

متمركزة القوة

على الرغم أنه من صعوبة الوصول عمليًّا إلى الأشخاص المقبلين على الزواج، فإن هذا المشروع أصبح أكثر جذبًا؛ نظرًا لأن معظمَ الناسِ متحمسون بالفطرة للخطوة التالية في حياتهم، كما أن هذه الاستشارة ذاتَ طابعٍ أخف من نظيراتها من الاستشارات التقليدية بين الأزواج، فبدلًا من التركيز على الأبعاد النفسيّة العميقة التي قد تؤدي إلى خلل في العلاقة. على سبيل المثال: استشارات ما قبل الزواج أكثر تمركزًا من ناحية الأدوات والمهارات المطلوبة. تقول ميريديث:

«نظرًا لأنه كلما كان الزوجان أكثر حماسة، كان المردود جيدًا والنتائج سريعة وملموسة»

ثم تضيفُ أيضًا:

«من الممتع أن تبدأ من الصفر مع هؤلاء وتعلمهم الطرق التي تساعدهم على البقاء متحمسين لرؤية تطور العلاقة بينهم، على الرغم من الشك والخوف الذي ينتابهم في بادئ الأمر»

رحلة طويلة الأمد

تجد سوزان غامبل -أخصائيّة نفسيّة أيضًا- أن الاستشارة قبل الزواج مريحة بل وممتعة أيضًا، وتقول غامبل التي تكرس نحو ربع نشاطها في مجال الاستشارة بباسادينا وموريتا بولاية كاليفورنيا:

«من الممكن أن تصادف يومًا مليئًا بزبائن ينتابهم القلق والاكتئاب والعلاقات المضطربة، وآخرين يتمتعون بالحب والمرح والإثارة»

تقدم غامبل مجموعة من ٦ إلى ١٢ جلسة مقابل رسوم ثابتة مثلما تفعل هانسن، بالإضافة إلى معالجة القضايا التي يطرحها الأزواج، تركز غامبل أيضًا على مواضيع عدة مثل: محل الإقامة، والدخل، والتخطيط الأسري، والعلاقة الجنسيّة وغيرها من الأمور.

كما أنها تشجع المقبلين على الزواج وتحضهم على النقاش حول كيفية الاستفادة من الخبرات العائليّة السابقة في التعامل مع العطلات والمناسبات، وتسليط الضوء على الكثير من التجارب لخلق عادات جديدة خاصة بهم.

الأشخاص الذين يبحثون دومًا عن مثل هذه الخدمات من المرجح غالبًا أن يكونوا في ريعان الشباب؛ لذا فهي تصمم استراتيجيتها التسويقية وفقًا لذلك، وتستغل فترة عطلة نهاية الأسبوع والفترات المسائية لتقديم خدماتها.

على سبيل المثال ترى أن الفيس بوك وسيلة جيدة أخرى للتواصل مع المجموعات، كما تخصص مكتبًا للزبائن المتفاعلين أكثر تميزًا عن ذلك المخصص للزبائن التقليديين، ولا تنسى غامبل أنه قبل لقاء زبائنها لا بُدَّ من استبدال كتيب المتابعة الطبية بكتيب آخر مخصص للتخطيط لحفلات الزفاف، ولديها أيضًا كرسيان مريحان ليتسنى لكل زوج مساحته الخاصة به.

وعندما تنتهي جلسات الزوجين تقترح غامبل عليهم العودة مرة أخرى للحصول على جلسة مجانيّة وبنفس الطريقة التي يعودون بها إلى طبيب الرعاية الأولية الخاص بهم لإجراء عملية بدنية سنويًا، وتختم كلامها:

«أحب أن أوجه رسالة مفادها أن الزواج رحلة طويلة الأمد، وأنك تحتاج أحيانًا إلى طرق غير قضائية لفض المنازعات»

مهارات التواصل

أما بالنسبة لمستشارة العلاقات الزوجيّة سوزان هيتلر -دكتورة متخصصة- فإنها ترى أن الخلل في مهارات التواصل نابع من عجز كل من قلب الزوج والزوجة على خلق حياة زوجية سعيدة ومستقرة وطويلة الأمد، قائلة:

«معظم الأزواج القادمين إليّ بسبب اضطرابات في العلاقة الزوجية يفتقرون إلى مهارات التواصل فيما بينهم»

وتضيف -أخصائية مركز دنفر-:

«يجب عليهم تعلم كيفية التحدث بشكل أكثر تعاونًا حول القضايا الحساسة، واتخاذ قرارات مهمة بطريقة متبادلة، والتعبير عن غضبهم بطرق غير عدوانية، وتبادل المودة والاحترام والمساعدة».

طوّرت هيتلر برنامجًا خاصًّا من ١٢ جلسة لتدريب الأخصائيين النفسيين وغيرهم على توفير ورش عمل للمتزوجين والمقبلين على الزواج لمساعدة الزبائن على تنمية تلك المهارات، وتشمل المجموعة أيضًا اقتراحات تسويقية مثل: استخدام الإعلانات الإذاعيّة، وتعزيز العلاقات مع قساوسة الكنائس.

يُعَدّ الشغل الشاغل لهيتلر هو التشديد على حل المنازعات، فهي تساعد الأزواج على الانتقال من حالة اتخاذ مواقف أولية والدفاع عنها إلى حالة عرض مخاوفهم بشكل تعاوني وإيجاد حلول جماعيّة. فعندما ينخرط الزوجان في عملية الحوار المتبادل هذه وحل المشاكل المشتركة بدلًا من النزاع والتغافل والهيمنة والمساومة. يمكنهم فعليًا دائمًا إنشاء خطة عمل مشتركة تُشعر الطرفين بالارتياح المُتبادَل.

هيتلر مقتنعة بأن جذور الصراعات الزوجية لا تقتصر على عيوب أحد الزوجين فحسب، ولكن أيضًا تكون من خلال العديد من المشاكل العقلية والصحية بما في ذلك الاكتئاب، والغضب، والإدمان، والقلق، وعلى هذا النحو فإن التدريب على تفاصيل حل المنازعات من حيث صلته باضطرابات العلاقة يمكن أن يعزز قدرة علماء النفس على المساهمة في تكوين مجتمع أسري أكثر سلامة، وتختتم الحديث:

«أملي هو أن نعلم كيفية تدريب الأزواج على المهارات اللازمة لتأسيس علاقة حب ناضجة؛ ليتمكن علماء النفس من المساهمة في خلق عالم أفضل»

 

رابط المقال الأصلي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي