وباء كورونا والماء: مخاوف، وحقائق، وآمال

وباء كورونا والماء: مخاوف، وحقائق، وآمال

في ظل ظهور دراسات عديدة مؤخرًا تكشف عن طرق جديدة لانتشار فيروس كورونا المستجد، ودراسات أخرى تؤكد رصد الفيروس في فضلات المصابين، تصاعدت مخاوف وتساؤلات عدّة حول إمكانيّة تواجد الفيروس وانتشاره عن طريق الماء. كما انتشرت أقاويل تدعو إلى الإكثار من شرب المياه للتخلص من فيروس كورونا. وفي السطور التالية، سوف نلقي الضوء على أغلب هذه التساؤلات، محاولين توضيح الحقائق وتقديم الصورة كاملة كما يراها العلماء (إلى الآن).

ما صحة تواجد وانتشار فيروس كورونا المستجد في مياه الشرب؟

وباء كورونا والماء: مخاوف، وحقائق، وآمال
كورونا ومياه الشرب – المصدر: unsplash.com

رغم أن تواجد فيروس كوفيد- 19 (بالإنجليزيَّة: COVID-19 virus) في مياه الشرب أمر ممكن، فقد أظهرت الدراسات المعملية على فيروسات كورونا – والتي تمت تحت سيطرة مُحكمة – أن الفيروس يمكن أن يظل نشطًا في المياه الملوثة بالفضلات البشرية (البراز) من أيام إلى أسابيع، إلا أنه لا يوجد دليل على ظهور فيروسات كورونا في مصادر المياه السطحية والجوفية، أو انتقالها عن طريق مياه الشرب حتى الآن. وذلك وفقًا لدليل منظمة الصحة العالمية (WHO) الإرشادي المؤقت الصادر بتاريخ (19 مارس 2020م). [1]

الفيروسات ذات الأغلفة (بالإنجليزيَّة: Enveloped viruses) – مثل فيروس كورونا المستجد – حساسة تجاه التطهير باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، والمواد المؤكسدة (بالإنجليزيَّة: Oxidants)، مثل الكلور. لذا فإن طرق معالجة المياه التقليدية التي تستخدم الترشيح والتطهير قادرة على إزالة أو إيقاف نشاط الفيروس.[1،2]

في المناطق التي لا تتوافر بها أنظمة معالجة مياه مركزية ووسائل نقل آمنة للمياه، يجب استخدام إحدى وسائل معالجة المياه المنزلية الفعالة مثل: غلي المياه، والترشيح الفائق عالي الأداء (بالإنجليزيَّة: High-performing ultrafiltration)، والمرشّحات الغشائيّة النانويّة (بالإنجليزيَّة: Nanomembrane filters)، والإشعاع الشمسي (بالإنجليزيَّة: Solar irradiation). وفي حالة المياه غير العكرة، يمكن استخدام الأشعة فوق البنفسجية، وجرعة مناسبة من الكلور الحر. [1]

فيروس كورونا المُستجد ومياه الصرف

وباء كورونا والماء: مخاوف، وحقائق، وآمال
كورونا ومياه الصرف – المصدر: pixabay.com

في الوقت الذي نفت فيه منظمة الصحة العالمية وجود أي دليل على انتقال فيروس كورونا المستجد عبر مياه الصرف المُعالَجة وغير المُعالَجة، حذّر الباحث  هايتشو ليو (بالإنجليزيَّة:  Haizhou Liu) –أستاذ الهندسة الكيميائية والبيئية المساعد في جامعة كاليفورنيا– والبروفيسور فينتشنزو ناديو (بالإنجليزيَّة: Vincenzo Naddeo) –رئيس قسم الهندسة البيئية الصحية بجامعة ساليرنو – من انتقال عدوى فيروس كوفيد-19 عن طريق الرذاذ الناتج من تسريبات في أنظمة مياه الصرف، كما حدث (عام 2003) خلال تفشي وباء السارس (SARS) في هونج كونج. [1،3]

كما دعا الباحثان إلى تقييم درجة سيطرتنا على انتشار هذا الفيروس في البيئة، ودراسة كفاءة التقنيات المستخدمة في معالجة مياه الشرب والصرف، مثل الأكسدة، والتطهير بالكلورة أو الأشعة فوق البنفسجية. وأكدا على أهمية تطوير بنية تحتية جديدة في بؤر انتشار الفيروس، لتتناسب مع كمية الفيروسات التي تتلقاها من المستشفيات والعيادات ودور التمريض. وحذّرا أيضًا من خطورة تفشي الوباء في الدول النامية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الإمكانيات اللازمة لقمع انتشار الفيروس عن طريق البنية التحتية، مما يؤدي إلى انتقاله إلى بقية دول العالم من خلال التجارة والسفر. [3]

فيما شددت منظمة الصحة العالمية على ضرورة التزام العاملين في محطات الصرف الصحي بإجراءات السلامة وارتداء معدات الحماية الشخصية (PPE)، والتي تشمل: الملابس الواقية، والقفازات الواقية، وأحذية السلامة، ونظارات السلامة، وواقي وأقنعة الوجه. كما يجب على العاملين غسل أو تعقيم أيديهم باستمرار، وعدم لمس الأنف والعينين والفم بأيدي غير مغسولة.(1)

دور أبحاث مياه الصرف في مواجهة وباء كورونا

وباء كورونا والماء: مخاوف، وحقائق، وآمال
محطة معالجة مياه الصرف – المصدر: pixabay.com

نظرًا لأن اختبار فيروس كورونا المُستجد يُجرى فقط على المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة، لذا فإن أعداد الحالات المعلن عنها أقل كثيرًا من الأعداد الحقيقية. وعندما أُعلِن عن اكتشاف الفيروس في براز المصابين، فكّر علماء البيئة في تطويع هذه الحقيقة لصالح البشرية واتخاذها مصدرًا آخر لجمع المعلومات عن الأعداد الحقيقة للمرضى. [4]

استطاع الباحثون في مركز (KWR) لأبحاث المياه في هولندا، من خلال فحصهم لمياه الصرف الصحي، رصد فيروس كورونا المستجد. وأكدوا أن نسبة تواجده في العينة موضع الاختبار ضعيفة. كما أكدوا على أهمية هذا الاختبار في معرفة أماكن انتشار الفيروس، وإذا كان هناك حالات تُكتشف بعد. [4]

تُسمّى التقنية التي يستخدمها العلماء للكشف عن كوفيد-19 في مياه الصرف بعلم الأوبئة القائم على مياه الصرف. وتُستخدم هذه التقنية في الأساس للكشف عن انتشار المخدرات في المجتمعات لمساعدة الحكومات على فهم عادات تعاطي المخدرات لدى المواطنين. ويسعى فريق من الباحثين في معهد علوم المياه بجامعة كرانفيلد (بالإنجليزيَّة: Cranfield University’s Water Science Institute)، وعلى رأسهم الدكتور زوجين يانج (بالإنجليزيَّة: Zhugen Yang) الذي يُدرِّس تكنولوجيا الاستشعار، إلى تطوير هذه التقنية وتحويلها إلى معدات استشعار عن بعد ورقية. تثبت هذه المستشعرات في محطات المعالجة لزيادة فعالية عملية رصد فيروس كوفيد-19. ويطمح فريق يانج أن تكون هذه المستشعرات منخفضة السعر (حوالي 1 يورو)، ويسهُل استخدامها لأي شخص. [5]

هل شُرب الكثير من الماء يؤدي إلى قتل فيروس كورونا المُستجد؟

وباء كورونا والماء: مخاوف، وحقائق، وآمال
شرب الماء – المصدر: unsplash.com

يتناقل الكثيرون نصيحة مفادها أنه يجب على كل إنسان التأكد من رطوبة فمه وحلقه دائمًا، وتجنب جفافهما؛ حتى إذا دخل الفيروس إلى الفم، يزيحه الماء إلى المعدة، مما يؤدي إلى قتله عن طريق حمض المعدة. [6]

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية لا يوجد دليل على أن شرب الكثير من الماء يُخَلِص الجسم من فيروس كورونا المستجد، أو أن حمض المعدة يقتل الفيروس. لكن بشكل عام، توصي المنظمة بشرب كمية كافية من الماء كل يوم من أجل صحة جيدة، ولتجنب حدوث جفاف للجسم. وتؤكّد كالبانا ساباباثي (بالإنجليزيَّة: Kalpana Sabapathy) –عالمة الأوبئة الإكلينيكية في مدرسة لندن للصحة وطب المناطق الحارة– على أن هذه النصيحة لا تستند إلى حقائق علمية لعدة أسباب:

  1.  تبدأ العدوى غالبًا بعد تعرضنا لآلاف أو ملايين من الفيروسات، لذلك من غير المرجح أن يكون لإزاحة القليل منهم عبر المريء تأثير كبير. فهناك طرق أخرى لدخول الفيروس إلى الجسم (الأنف والعينين).
  2. لا يُعتقد أن لمس الفم هو الوسيلة الشائعة لانتقال العدوى. فالخطر الأساسي يتمثل في تنفس القطرات الصغيرة  المحملة بآلاف الفيروسات – الناتجة عن عطس أو سعال الأشخاص المصابين.
  3.  يتراوح الأس الهيدروجيني (pH) لحمض المعدة بين 1 إلى 3، وهو نفس الأُس الهيدروجيني لحمض البطاريات القادر على إذابة الفولاذ. إلا أن الفيروس عند تعرضه لحمض المعدة قد يكون أكثر صلابة حتى من الفولاذ. كما ظهرت علامات على أن فيروس كوفيد-19 يمكن أن يصيب الجهاز الهضمي، وأشار تقرير إلى وجود الفيروس في فضلات (براز) 50% من المصابين. [6،7]

إذن لا داعي للحرص على شرب الماء كل 15 دقيقة كما يدعي البعض، أو شرب كميات كبيرة من الماء. فقط اشربوا الكمية اللازمة لصحة أجسامكم، واتبعوا إجراءات الوقاية، وابتعدوا عن التجمعات، وانتظروا مزيدًا من الآمال في مواجهة الوباء من خلال أبحاث المياه.

 

المصادر:

(1) Water, sanitation, hygiene and waste management for COVID-19 [Internet]. [cited 2020 Apr 16]. Available from: https://www.who.int/publications-detail/water-sanitation-hygiene-and-waste-management-for-covid-19

(2) CDC. Coronavirus Disease 2019 (COVID-19) [Internet]. Centers for Disease Control and Prevention. 2020 [cited 2020 Apr 17]. Available from: https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/php/water.html

(3) Removing the novel coronavirus from the water cycle [Internet]. ScienceDaily. [cited 2020 Apr 17]. Available from: https://www.sciencedaily.com/releases/2020/04/200403132347.htm

(4) What we learn about the Corona virus through waste water research [Internet]. KWR. 2020 [cited 2020 Apr 17]. Available from: https://www.kwrwater.nl/en/actueel/what-can-we-learn-about-the-corona-virus-through-waste-water-research/

(5) Scientists prepare sewage sensors to help track outbreaks of COVID-19 [Internet]. New Atlas. 2020 [cited 2020 Apr 17]. Available from: https://newatlas.com/medical/paper-based-sewage-sensors-track-community-outbreaks-covid-19/

(6) un-rumour-tracking-english-issue-2.pdf [Internet]. [cited 2020 Apr 17]. Available from: https://www.who.int/docs/default-source/nepal-documents/novel-coronavirus/un-rumour-tracking-english-issue-2.pdf?sfvrsn=bd68b830_2

(7) Gorvett Z. No, drinking water doesn’t kill coronavirus [Internet]. [cited 2020 Apr 17]. Available from: https://www.bbc.com/future/article/20200319-covid-19-will-drinking-water-keep-you-safe-from-coronavirus

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي