الاقتصاد الموازي

الاقتصاد الموازي

مقدمة

يُقاس حجم الاقتصاد لأيّ دولة باستخدام مؤشرات اقتصادية متعددة، منها: الناتج المحليّ الإجماليّ، والدخل القوميّ، والناتج القوميّ الإجماليّ وغيرها من المؤشرات الاقتصادية. حيثُ يقيس الناتج المحليّ الإجماليّ قيمة السلع والخدمات الإجماليّة التي تُنتَج داخل حدود الدولة في فترةٍ زمنيةٍ عادة ما تكون سنة. ولكن هل يتم احتساب قيمة كل الإنتاج أم أن هناك تسربات لا تدخل في الحسبان؟ بمعنى آخر: هل تدخل قيمة إنتاج الأسر الريفية من بيضٍ ودواجن التي تنتج وتستهلك ذاتيًا في هذا المؤشر أم لا؟ وهل يتم احتساب كافة دخول العمالة اليومية في ورش البناء ضمن هذا المفهوم؟ وهل يتم تضمين دخول مهربيّ المخدرات ضمن هذا المؤشر؟

إجابة هذه الأسئلة ببساطة هي أن مؤشر الناتج المحليّ الإجماليّ يقيس ناتج الوحدات الاقتصادية الرسميّة التي تُسجل في الدوائر الحكوميّة الرسميّة فقط، ولكنه لا يستطيع أن يتضمن حساب إنتاج وحدات اقتصادية غير رسميّة وغير مُسجلة لدى الحكومة، فقيمة البيض والدواجن للاستهلاك الأسريّ الذاتيّ لا تدخل في حسابه، لأنها غير مُسجلة لدى الدوائر الرسميّة، ولا يستطيع إحصاء دخول العمالة اليوميّة غير المُسجلة في التأمينات الاجتماعيّة، كما أن دخول مهربيّ المخدرات تعتبر غير قانونيّة ولا تدخل ضمن الحسابات الرسميّة.

وبذلك نجد أن هناك اقتصادًا رسميًا تُشرف عليه الحكومة وتسجيل قيمة إنتاجه، واقتصادًا آخرَ غير رسميّ يشمل إنتاج سلع وخدمات ويتولد لأصحابها دخولًا، ولكن لا يتم تسجيلها ضمن الناتج المحليّ للدولة، لأنها غير مسجلة ضمن الإجراءات الرسميّة للدولة، أو لأنها غير قانونيّة مثل دخول المهربين، تدرج قيمها ضمن الاقتصاد غير الرسميّ (Informal Economy)، وقد يطلق عليه عدة مسميات، منها: الاقتصاد الموازي (Parel Economy)، أو الاقتصاد الخفيّ (Hidden Economy)، أو اقتصاد الظلّ (ٍShadow Economy).

المفهوم

يُشكِل الاقتصاد غير الرسميّ أو الاقتصاد الموازيّ ما يربو على 50% من حجم الاقتصاد في العديد مـن الدول المتقدمة والنامية، وقد يصل إلى 80% في بعض الدول النامية، خاصة إذا ما تم إضافة قيم إنتاج القطاع الزراعيّ غير المسجل فيها.

ويمكننا تعريف مفهوم الاقتصاد الموازيّ بأنه: «أيّ نشاط اقتصاديّ غير رسميّ يمارسه الأفراد أو المؤسسات ولا يتم إحصائه بشكل رسميّ، أيّ لا تعرف الأجهزةُ الحكومية قيمته الفعليّة، ولا يدخل في حسابات الناتج القوميّ، وبالتالي لا يدخل في الحصيلة الضريبيّة ولا يخضع العاملون فيها لأي نظام اجتماعيّ»(1).

ويندرج ضمن هذا المفهوم العديد من الأمثلة، منها:

  1. دخول المحلات والشركات غير المسجلة لدى الدوائر الحكومية.
  2. دخول العاملين بالأجر اليومي، غير المسجلين لدى مؤسسات التأمين الاجتماعي.
  3. الإنتاج بهدف الاستهلاك الذاتي، إنتاج الأسر الريفية من منتجات زراعية يتم استهلاكها دون أن تدخل السوق.
  4. دخول مهربيّ السلع والأسلحة والمخدرات، وغيرها من الدخول غير القانونيّة.

حيث يشمل المفهوم نوعين من الأنشطة:

النوع الأول- يشمل أنشطةً اقتصاديةً مشروعةً ونظيفةً ولا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة مثل استخدام الأفراد لممتلكاتهم مثل السيارة أو الشقة للإيجار بشكل غير رسميّ.

النوع الثاني- يشمل الأنشطة الاقتصاديّة غير المشروعة وغير النظيفة والتي تتعارض مع القوانين داخل الدول ومن أمثلة ذلك تجارة المخدرات، وتجارة السلع المسروقة، وغيرها من أشكال الأنشطة غير المشروعة.(2)

وعلى أي حال، فإن عدم تسجيل مثل هذه المعاملات الاقتصادية، يسبب مشكلة إحصائيّة للدول، تتمثل في عدم دقة تقدير حجم الاقتصاد الفعليّ، وعدم دقة إيرادات الدولة الناتجة عن اقتصار الضرائب على الدخول الرسميّة، واستبعادها للدخول غير الرسمية. مما يتسبب في احتساب قيم المؤشرات الاقتصادية بمقدار أقل من قيمتها الفعلية.

أسباب ظهور الاقتصاد الموازي

هناك العديد من الأسباب التي تتسبب في ظهور الاقتصاد الموازيّ، ويمكن اعتبار الروتين (البيروقراطية Bureaucracy) أهم أسباب ظهور هذا النوع من الاقتصاد، والإجراءات الإدارية والتنظيميّة المعقدة، وارتفاع الرسوم في أسواق العمل بما يدفع الأفراد إلى البحث عن فرص العمل المستترة الأخرى. ووفقًا لبيانات البنك الدولي فإن الإجراءات القانونية في العديد من الدول، تستهلك الكثير من المجهود والوقود وكذلك التكاليف المادية، وهو ما يجعل الاقتصاد الموازي ينمو بشكل أكبر، حيثُ يوفر ذلك على صاحب الشركة أو المشروع العديد من الخطوات المكلفة.

وكذلك يؤدي ارتفاع نسبة مساهمة الأفراد في الضمان والتأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد قد يدفع معظمهم إلى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية للتهرب من دفع تلك الأموال إلى ظهور الاقتصاد الموازي.

كما أن تدني مستويات الأجور والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة، التي قد يشجع الأفراد الذين يقع عليهم الظلم على الانحراف وتدفعهم إلى التهرب من الوظائف الرسمية إلى الوظائف الخفية ليكون أجرهم ضمن الاقتصاد الموازي.

ويؤدي أيضًا وجود أنظمة ضريبية غير عادلة بالإضافة إلى أن عدم كفاءة النظام الضريبي، وارتفاع معدلات الضريبة، إلى عزوف الأفراد والشركات عن التسجيل ودفع الضرائب بهدف الحصول على دخول أكبر والتهرب من الضرائب وتزوير الحسابات، وبالتالي يقودهم ذلك إلى الاقتصاد الموازي بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما أن عدم قانونية النشاط مثل تهريب المخدرات أو الأسلحة تؤدي إلى استحالة تضمين قيمتها في الاقتصاد الرسمي، وبذلك تدخل ضمن الاقتصاد الموازي.

وأيًا كانت الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الاقتصاد الموازي، فإن له الكثير من الآثار السلبية على اقتصاد الدول وعلى الأفراد والمؤسسات.(3)

الآثار السلبية للاقتصاد الموازي

هناك العديد من الآثار السلبية لعدم تسجيل الأفراد والشركات ضمن المنظومة الرسمية للدول، ومن أهمها:

  1. انخفاض معدلات النمو الاقتصاديّ: نظرًا لأن اقتصاد الظل ينتج عنه تزايد معدلات التهرب الضريبيّ والتهرب من الرسوم والغرامات، وبالتالي تفقد الحكومة الكثير من الإيرادات والتي تؤثر على الموازنة العامة للدولة بشكل سلبي وعلى مستوى الإنفاق العام، وبالتالي التأثير بشكل سلبيّ على معدلات النمو الاقتصادي.
  2. عدم معرفة الحجم الحقيقيّ لاقتصاد الدول: فكلما زاد معدل الاقتصاد الموازي على حساب الاقتصاد الرسميّ، زادت المعلومات والإحصائيات المضللة وغير الدقيقة عن الإمكانيات الاقتصاديّة الحقيقية للمجتمع، بما يؤدي إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي.
  3. عدم تمتع أصحاب المهن غير الرسميّة بالأمان الاجتماعيّ والماديّ، وعدم تمتع الأفراد بحقوقهم في الحصول على تأمينات صحية أو اجتماعية أو تعويضات نهاية الخدمة، لعدم إدراجهم في جداول المشتغلين الرسميّة.(4)
  4. انعدام الأمان وانتشار المخدرات والجرائم، نتيجة وجود تجارة غير قانونية، تلحق الضرر بالصحة والإنسان.
  5. حرمان قطاعات زراعيّة إنتاجيّة من الدعم الحكومي الذي يقدَّم للمزارعين، خاصة في حالة عدم إفصاح المزارعين عن إنتاجهم بهدف التهرب من الضرائب.

كيفية الحد منه

لمواجهة ظاهرة الاقتصاد الموازي لا بد للدول من القيام بالعديد من الإجراءات، وذلك بمعرفة أسباب ظهور الاقتصاد الموازي وبالتالي معالجة الأسباب.

ومن أهم الإجراءات التي تحد من تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي:

  1. إجراء إصلاحات ضريبية شاملة: وتتضمن منح حوافز ضريبية كبيرة وبخاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يُشجع الأفراد على الانضمام إلى الاقتصاد الرسميّ ودفع ضرائب بسيطة حتى لا يتعرضوا للمساءلة القانونية.
  2. العمل على تبسيط الإجراءات الإدارية والتنظيميّة المعقدة لتشجيع الأفراد على تسجيل أعمالهم مهما كان حجمها، كما أنه يشجع الأفراد للبحث عن الأعمال الموثوقة والبعد عن الأعمال المستترة.
  3. العمل على رفع مستويات الأجور حتى تتناسب مع مستويّات المعيشة، وبالتالي لا يهرب الأفراد من الرسوم والضرائب التي قد تقع على عاتقهم.(5)
  4. فرض القانون ومحاربة الجريمة، ومحاربة تجارة المخدرات والأسلحة، وسن تشريعات قانونية غليظة على هذه الجرائم، وعدم التهاون معها.(6)

وأخيرًا فإن ظاهرة الاقتصاد الموازي تعتبر من أهم مظاهر تخلف المجتمعات والتي ينتج عنها إهدار الموارد الماديّة والبشريّة وسوء استغلالها، وبالتالي يجب التعامل والتصدي لتلك الظاهرة بشكل عاجل للاستفادة من مختلف الأنشطة الاقتصادية داخل الدول.

شارك المقال:

4 Responses

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي