كثيرًا ما نُردّد في محادثاتِنا اليوميّة العابرة مصطلحَ “الاكتئاب”، نتناول العشاء مع العائلة بعد يومِ عملٍ طويلٍ ومُجهِدٍ، فنخبرُهم بأننا نشعر بالاكتئاب، نتلقّى أخبارًا سيّئة عَمّن نحبهم فنخبر أنفسنا بأننا مكتئبون، ولكن في حقيقة الأمر كثيرًا ما نخلط بين الحزن والاكتئاب. فالحزن هو أحدُ أعراض الاكتئاب، وقد نمرُّ فعلًا بالاكتئاب؛ لذلك من الضروريّ جدًا التَّفريقُ بينهما نفسيًّا، لكيفيّة التعامُل في كلٍّ منهما على حِدَة.
هنا تكمن مشكلةٌ عظيمةٌ؛ فالخلط بينهما يؤدّي بنا إلى إهمال حالةٍ نفسيّةٍ شديدةِ التَّعقيد (الاكتئاب)، وتهويل حالةٍ عاطفيّةٍ طبيعيّة (الحزن)، الاكتئاب هو اضطرابٌ خطيرٌ في الصّحة العقليّة يؤثّر على حياتِنا الشَّخصيّة، والعمليّة، والمجتمع ككل.
اعتبارًا من 2017، تم تشخيصُ (300) مليون شخصٍ حول العالم بمرض الاكتئاب.(1)
ما هو الحزن؟(1)
الحزن هو عاطفةٌ طبيعيّةٌ تنجٌم عن حدثٍ سيّءٍ، أو تجربة مريرة. بشكلٍ أوضح، الحزن ينجم نتيجة عن حدث مُحدّد، الحزن شعورٌ مؤقَّت يزول بمرور الوقت، أو بحدوث شيءٍ آخرٍ جيّد. يشعر كلٌّ منّا بالحزن مرة وأكثر في حياته. قد تصبحُ حزينًا نتيجةَ علاقةٍ عاطفيّةٍ لم تكتمل، أو شجار مع صديقك المفضل. وغالبًا ما تنتهي هذه الحالة بالبكاء، أو تصريف الانفعال بأى طريقة.
ما هو الاكتئاب؟(1)
الاكتئاب هو اضطرابٌ في الحالة العقليّة، وحالةٌ جسديّةٌ وعاطفيّةٌ غيرُ طبيعيّة، مما يؤثر على الطريقة التي يفكّر ويشعر بها الشخص تجاه كل شيء. يقتحم الاكتئاب كلَّ جانبٍ من جوانب الحياة، عندما نُصاب بالاكتئاب؛ نشعر بالشَّلل والحزن تجاه كل شيء. كلُّ شيءٍ يصبح حينها أقلَّ أهميّة وأقل متعة. فالأشياء التي كانت تجلب لنا السعادة والحب لم تعد كما كانت. فعلى عكس الحزن، الاكتئاب لا يحتاج إلى دافعٍ أساسيّ، في الظاهر يبدو الإنسان سعيدًا يملك وظيفةً مرموقة، أسرةً مُحبّة، بيتًا جميلًا، ولكن في داخل أعماقه يخفي كثيرًا من المشاعر وراء قناع. فهو بالكاد يستطيع أن ينهض من سريره صباحًا. فهو في كفاحٍ مستمرٍّ في علاقاته، يشعر بالوحدة، لم يعد يجد الرضا عن وظيفته، أو سبب وجوده. دائمًا سريع الغضب. لسوء الحظ يُسيءُ النَّاسُ فهمَ أن الاكتئاب ليس خيارًا، بل هو مرضٌ عقليّ.
أسباب الاكتئاب
لا يُوجد سببٌ مُحدّد للاكتئاب، لأنه يعتمد على مزيجٍ من الاستعداد الوراثيّ للشخص والبيئة المُحيطة، ولكن هناك العديد من العوامل مثل:
1. بنية الدماغ الكيميائيّة، والفيزيائيّة.
2. التاريخ المرضيّ للاكتئاب في الأسرة
{الصَّدمات، والأحداث المُؤسفة، الأذى، فقد عزيز، المسائل الماديّة}.
4. التَّغيُّرات الهرمونيّة.
5. بعض العقاقير الطّبّيّة.(3)
أعراض الاكتئاب (2)
من الممكن أن تشمل أعراض الاكتئاب التَّالي:
1. مزاج اكتئابيّ.
2. انخفاض الاهتمام، والمتعة بالأنشطة، التي كانت تُسعدك من قبل.
3. فقدان الرغبة الجنسيّة.
4. تغيُّرات في الشهيّة.
5. النَّوم أقل من اللازم أو أكثر.
6. التَّعب، والإجهاد، وفقدان الطَّاقة.
7. تباطؤ الحركة، والكلام.
8. الشعور بعدم القيمة، والذَّنب.
9. صعوبة في التَّفكير، والتَّركيز، واتّخاذ القرارات.
10. الأفكار الانتحارية، أو مُحاولة الانتحار.
علاج الحزن بالمقارنة بعلاج الاكتئاب (1)
يمكن علاج الحزن والتَّغلُّب عليه بالوقت من خلال؛ التَّعبير عن مشاعرك من خلال البكاء، أو قضاء وقتٍ أكثر مع الأصدقاء، أو الخروج إلى أماكنَ جديدة. صحيحٌ أنّ التغلب على مشاعرِ الحزن عند فقد حبيبٍ يمكن أن تأخذَ الكثيرَ من الوقت، ولكن لا يزال بإمكانك الشّعور بالسَّعادة في جوانبَ أُخرى من حياتك. الزم نفسَك بكثيرٍ من السَّعادة دائمًا. أمّا إذا تحدَّثنا عن الاكتئاب، فأفضلُ علاجٍ للاكتئاب هو العلاج الدوائيّ والنَّفسيّ معًا. الاكتئاب لا يُعالَجُ بين عشيّةٍ وضحاها، ولكنها عمليةٌ تستغرق بعضَ الوقت، ويمكن أن تحتاجَ طرقَ علاجٍ مختلفة. الاكتئاب مرضٌ عقليٌّ سائدٌ، وهناك علاجاتٌ كثيرةٌ تُفيد معظمَ الحالات المرضيّة.
علاج الاكتئاب (3)
اللجوء إلى متخصّصٍ في العلاج النَّفسيّ يُمكنه أن يُعجِّل بعملية الشّفاء؛ سواء بالعلاج الدوائيّ أم بدونه، على حسب الحاجة.
يجب أن يتزامنَ أيّ علاجٍ للاكتئاب بجدول أكلٍ صحيّ، ومواعيدِ نومٍ مُنتظمة، قد يبدو أن الأمرَ بسيطٌ، ولكنَّ أهميّة العناية بجسدك لا يُمكن أن تكونَ أمرًا مُبالَغًا فيه.
هناك العديد من الطرق لتخفيف أعراض الاكتئاب. فيمكننا أن نمارسَ الرياضة بشكلٍ أكبرَ وأكثرَ انتظامًا؛ لأن العقل المُكتئب هو أكثر من يحتاج إلى إفراز هرمون”الإندورفين” الذي يتم إفرازه أثناء ممارسة الرياضة، أيضًا من خلال الرياضة يستطيع أن يتعاملَ بشكلٍ أفضلَ مع الإجهاد. وبغضّ النظر عن فوائدها للصّحة العقليّة، تُشير مراكز السَّيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن المجهودَ البدنيّ يساعد الإنسانَ في الحصول على قسطٍ من النَّوم الصّحّيّ ليلًا.
من أمثلة التّدريبات الفعّالة في هذه الحالات هي “اليوجا” لأنها لا تحتاج الكثير من الأجهزة أو المجهود. يُعدُّ التأمُّل وسيلةً فعّالة للغاية لتطهير عقلك، واسترخاء جسدك.
أيضًا إذا كنتَ من محبّي قراءة الجرائد، سيساعدك على التعبير عن أفكارك ومشاعرك بدلًا من الاحتفاظ بها بداخلك، أيضًا سيساعدك أن يكون لديك أصدقاءٌ حميميّون، وعائلة يمكنك الوثوق بها ولكنهم غيرُ متاحين طوال الوقت على عكس الجريدة أو الكتب.
لا يوجد أيّ وصم أو مشاكل من أخذ العلاج الدوائيّ؛ فالناس تأخذ الدواءَ كعلاجٍ فعّال للأمراض الجسديّة، والمرض العقليّ لا يختلف عن أيّ مرض. أمّا إذا كنتَ قلقًا من الآثار الجانبيّة، فلا بُدَّ من مناقشة ذلك مع طبيبك المُعالِج بكلّ صراحةٍ ووضوح.
…في النّهاية، تذكَّر جيّدًا أنَّ التَّعافيَ رحلةٌ، والأيّام السّيّئة من الممكن أن تستمرَّ بالقدوم، ولكنْ بالعلاج الفعّال سوف تتغلُّب على هذه الأيّام، ومن الممكن أن تتعايشَ مع المرض، وتعيشَ حياةً مُرضيةً في نفس الوقت.
المصادر
1)The Difference Between Sadness and Depression | Psychology Today [Internet]. [cited 2020 Jan 3]. Available from: https://www.psychologytoday.com/intl/blog/happiness-is-state-mind/201910/the-difference-between-sadness-and-depression
2)Depression: What it is, symptoms, causes, treatment, types, and more [Internet]. Medical News Today. [cited 2020 Jan 3]. Available from: https://www.medicalnewstoday.com/articles/8933.php
3) Depression Types, Causes, Symptoms, Statistics, & Treatment [Internet]. Psycom.net – Mental Health Treatment Resource Since 1986. [cited 2020 Jan 3]. Available from: https://www.psycom.net/depression.central.html