هل تساءلت يومًا كيف تقوم بالحركة، كيف تفعل هذا؟ وكيف تمسك بتلك؟ إنه حتمًا نتيجة لانقباض العضلات، دعونا نلقي بعض الضوء على آلية حدوث ذلك بأسلوب سهل ومبسط.
الآن وقد وصلت الإثارة العصبية إلى العضلة يأتي دورها لتنقبض، وتعتمد ميكانيكية عمل هذا الانقباض بصورة أساسية على نوع هذه العضلة، حيث تشكل العضلات الهيكلية (الإرادية أو المخططة Skeletal Muscles) حوالي 40 % من جسدنا، بينما تشغل العضلات الملساء ( اللاإرادية Smooth Muscles) مع عضلة القلب حوالي 10 %. [1]
عند النظر إلى الخلايا المكوّنة للعضلات الإرادية تحت الميكروسكوب، نرى أنها تتكون من نمط مُخطط. هذا النمط في الحقيقة هو عبارة عن سلسلة من وحدات بنائية أصغر تسمى الواحدة منها القسيم العضلي أو القطعة العضلية «Sarcomere»، و قد تحتوي الخلية العضلية الواحدة على الآف القسيمات العضلية. و يتكون القسيم العضلي الواحد من العديد من الخيوط البروتينية الرفيعة والتي تسمى (الأكتين) وآخرى سميكة تسمى (الميوسين)، والتفاعل الحادث بين هذين العنصرين هو لب ميكانيكية الانقباض العضلي.
في عام 1954، نشر الباحثون الأساس الجزيئي للانقباض العضلي، حيث أوضحوا موقع الميوسين والأكتين في مراحل مختلفة من الانقباض، وقدموا اقتراحًا مع ذلك لكيفية حدوث هذه القوة الانقباضية في ما يسمى بنظرية الخيوط المنزلقة «The Sliding Filament Theory»، وذلك باستخدام ميكروسكوبات فائقة الوضوح. حيث لاحظ كلًا من R. Niedergerke و A. F. Huxley عام 1954 مجموعة من التغيّرات في القسيمات العضلية أثناء انقباض النسيج العضلي.
ويحتوي الشريط A –كما هو موضح بالصورة- على خيوط من بروتين الميوسين والتي تبقى مركزية وثابتة أثناء الانقباض العضلي، وتُغيّر طول القسيم العضلي. في نفس الوقت لاحظ الباحثون أن الشريط I والذي يتكون من خيوط الأكتين الرفيعة يتغير طوله أثناء الانقباض. وهذه الملاحظات قادت لولادة نظرية الخيوط المنزلقة والتي تنص على أن الانقباض العضلي يعتمد على انزلاق خيوط الأكتين على الميوسين- sliding. ونظرًا لأن خيوط الأكتين ترتبط بتراكيب على أطراف القسيمات العضلية تسمى الخط Z فإن قِصر خيط الأكتين سيؤدي كنتيجة إلى قِصر القسيم العضلي بأكمله و بالتالي العضلة كاملة.
ألم تصلك الصورة بعد؟ حسنًا حان الآن وقت التبسيط والتخيل
.
تخيّل نفسك تقف بين خزانتي كتب، تبعد كل منها عنك بضعة أمتار وموضوعة على عجلات بحيث يسهل تحريكها. تم إعطاؤك مهمة جذب الخزانتين نحو بعضهما البعض بدون استعمال أي شيء سوى حبلين وأذرعك. ما ستفعله هو أنك ستقف في المنتصف بين هاتين الخزانتين ممسكًا الحبلين المتصلين بإحكام بالخزانة، كلٌ بذراع، وستبدأ في سحبهم. وبصورة تكرارية تسحب الحبل وتتركه ثم تمسكه مره أخرى وتسحب و هكذا، في النهاية ستصل الخزانتين إليك و تكون قد أنجزت المهمة. (في هذه المقال تمثل أذرعك جزيئات الميوسين، أما الحبل فيمثل ألياف الأكتين، في حين تمثل الخزانتان خيطي Z اللذان يحدّان القسيم العضلي في كل اتجاه).
• ولكن كيف لخيوط الميوسين أن تسحب خيوط الأكتين لتسبب الانقباض العضلي؟
وجد العلماء أن النهاية الكروية لكل خيط ميوسين سميك -الذي يقترب من خيوط الأكتين- يحتوي مناطق مكلّبة (أشبه بالخطاف) والتي تسهّل بدورها الانقباض عن طريق سحب الأكتين. و كالمثال السابق، تشبه طريقة عمل خطاطيف الميوسين طريقة سحبك للحبل، حيث ترتبط الخطاطيف -عند اتصالها بالأكتين تسمي بالجسور العرضية- بالأكتين فتسحبه ثم تتركه، ثم تتقدم لتمسك به مرة أخرى في دورة جديدة في ما يسمى بدورة الميوسين-أكتين. وهذه العملية تتطلب طاقة، والأخيرة تُستمَد من تكسير جزيئات الـ ATP « أدينوزين ثلاثي الفوسفات».
وتعد الطاقة المستخرجة من تكسير الأدينوزين ثلاثي الفوسفات مهمة في كل خطوات عمل الخطاطيف (ترك الأكتين، تغيير وضعه، الانقباض، وتكرار العملية مرة أخرى وهكذا)، وعند نقص هذه الطاقة بعد ارتباط الميوسين بالأكتين مثلاً يعجز حينها عن تركه مسببًا حالات مثل تيبس ما بعد الموت « rigor mortis » [أ].
يشكل الكالسيوم وجزيء الـ ATP عوامل مهمة في هذه العملية. حيث يوفر الـ ATP الطاقة -كما ذكرنا- أما الكالسيوم فهناك بروتينان يحتاجانه أثناء هذه العملية: التروبونين troponin والتروبوميوسين tropomyosin.
هذان البروتينان يلعبان دورًا مهمًا في انقباض العضلة عن طريق منع ارتباط الميوسين من الإرتباط بالأكتين في حالة الانبساط. ولكي يرتبط الميوسين بالأكتين ينبغي على التروبوميوسين أن ينزاح جانبًا ليكشف الميوسين.
في عام 1994 قام
William Lehman وزملاؤه بدراسة كيفية تحرك التروبوميوسين بدراسة شكل خيوط الأكتين والميوسين في محلولين أحدهما غنيّ بالكالسيوم والآخر تركيز الكالسيوم به قليل. وُجِدَ أن وجود الكالسيوم ضروري من أجل حدوث الانقباض العضلي. خاصةً التروبونين الذي يسحب التروبوميوسين مما يكشف مواقع الإرتباط على الأكتين. وبمجرد كشف هذه المواقع -في وجود كمية كافية من الـ ATP بالطبع- يرتبط الميوسين بالأكتين بادئًا دورته. كنتيجة لذلك يقصر القسيم العضلي، وتنقبض العضلة. وفي حال غياب الكالسيوم لا يحدث الارتباط. [2]
أ- هي حالة من التصلب تصيب عضلات الشخص الميت بعد فترة من موته. [3]
————–
إعداد:
Muhammad Sadeq
Ahmed A. Saeed
مراجعة لغوية: Ahmed Abd Elkareem
مراجعة علمية: Mohamed Elsafi
مصادر الموضوع:
1- Textbook of Medical Physiology – Professor Emeritus Department of Physiology and Biophysics University of Mississippi Medical Center Jackson, Mississippi – 11th edition
2- http://www.nature.com/scitable/topicpage/the-sliding-filament-theory-of-muscle-contraction-14567666
3-
https://en.wikipedia.org/wiki/Rigor_mortis
مصادر الصور:
1- http://kobiljak.msu.edu/cai/virtual_microscope/Skeletal_Muscle/Obj_03_03.html
2- http://stevegallik.org/sites/histologyolm.stevegallik.org/htmlpages/HOLM_Chapter07_Page04.html
3-
https://www.unm.edu/~lkravitz/Exercise%20Phys/musclesarcomere.html