الانقراضات الجماعية للحيوانات الضخمة || هل البشر حقًا مذنبون؟

megafauna

|

سكنت الحيوانات الضخمة الرائعة قارات العالم شتى، من أوروبا وآسيا إلى أستراليا والأمريكيتين، لكن لم يدم هذا طويلًا كما كنا نأمل، فعلى مر آلاف السنين، كان مصير تلك المخلوقات المذهلة الزوال والاختفاء تدريجيًّا في ظروف غامضة، وبات السبب وراء ذلك محيرًا للعلماء في كل مكان، وحاز الدور الذي لعبه البشر بالتحديد في تلك العملية على نصيب الأسد من التنقيب والأبحاث التاريخية، فنجد أن هنالك بحثًا جديدًا يضيف إلى الاعتقاد السائد أن البشر هم المذنبون في عملية انقراض الحيوانات الضخمة أمثال الماموث الصوفي، والسنور سيفي الأنياب، الاعتقاد الذي يشير إلى أن هذه الحيوانات ربما بدأت في الاختفاء قرونًا أبكر مما توقعه العلماء.

ونجد على الساحة نظريتين هما الأبرز لتبرير هذه الموجة من الانقراضات الجماعية:

أولًا: الفرضية القائلة بأن للبشر دورٌ رئيسيٌّ بل هم في الحقيقة متهمون بدفع تلك المخلوقات المدهشة إلى زوالها، وعلى هذا النحو، فقد جادل بحثٌ سابقٌ بأن الصيد البشري قام بدفع الثدييات الكبيرة للبدء بالاختفاء في وقتٍ أسرعٍ من الثدييات الأصغر حجمًا في أستراليا منذ حوالي (35000) سنة -وهي ظاهرة تسمى الانقراض على أساس الحجم- بينما الاعتقاد الآخر هو أن ذلك الانقراض لم يكن إلا نتيجةً طبيعيةً وحتميةً للتغير المناخي الذي شهده العصر الجليدي الأخير.

ومما له دلالة أن دراسة أخيرة تَدَّعي أن هذا الاختفاء بدأ بالفعل من أفريقيا قبل (125) ألف سنة على الأقل، وقد قام عدد من الباحثين بقيادة فيليسا سميث -الباحثة في جامعة نيو مكسيكو- باستخدام السجلات الحفرية، والصخرية للتوصل إلى أنَّ متوسط حجم الثدييات الأفريقية في ذلك الوقت كان أصغر بمعدل (50٪) عن تلك الموجودة في القارات الأخرى، وشهد جزء هام من أبحاث الفريق تطابق تواريخ هذه الانقراضات الجماعية مع تاريخ الهجرة البشرية، واكتشفوا أنه مع هجرة البشر من أفريقيا، بدأ متوسط حجم الثدييات في القارات التي تم تعميرها حديثًا بالانكماش إلى أحجام أصغر حتى من تلك التي كانت موجودة في أفريقيا، حيث تجلت هُنا ظاهرة واضحة تفيد بأن الحيوانات الأكبر حجمًا كانت بطبيعة الحال أكثر عرضة للانقراض من الحيوانات الأصغر.

هذا وقالت الباحثة كيت ليونز من جامعة نبراسكا-لينكولن، والتي ساهمت في قيادة البحث مع الدكتورة سميث وزملائها من جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا: «كان للعامل البشري أثرٌ واضحٌ في اختفاء الثدييات ذات الأحجام الكبيرة وجعلها أكثر عرضة للانقراض، أما من وجهة نظر عملية؛ فمن المنطقي أنك إذا قمت بقتل أرنبٍ، فستقوم بإطعام عائلتك لليلة، ولكن إذا كان بمقدورك أن تقتل حيوانًا ضخمًا للغاية، فإنك ستنجح بإطعام قرية بكاملها». ويشير السجل الإنثروبولوجي إلى أن الإنسان homo sapiens تم تصنيفه كنوع حيوي منذ حوالي (200000) عام، زمنٌ ليس ببعيد عن بداية موجات الانقراض الجماعي.

يبدو أننا السبب في الحقيقة!

وكما جاء في البحث الذي نشر في مجلة ساينس العلمية عن المؤلفين، أن حجم ونطاق عملية الانقراض هذه بالتحديد قد تجاوز أي نظرية أخرى في الـ(66) مليون سنة الأخيرة، وأن أبحاثهم وجدت دليلًا ضعيفًا على أن تأثير المناخ يمكن أن يكون مسؤولًا عن تلك الانقراضات الهائلة.

وأضافت ليونز: «إذا كان المناخ يتسبب في ذلك، فكان من المتوقع أن نرى أحداث الانقراض هذه لا تتماشى مع اتجاهات الهجرة البشرية في جميع أنحاء العالم أو حتى تصطف على الدوام مع أحداث مناخية واضحة في التاريخ ولكن هذا لا يحدث».

هذا وحاولت دراسات عديدة في السنوات الأخيرة التوصل إلى جوابٍ قاطع حول طبيعة الانقراض الجماعي الذي شهده العالم على مر التاريخ، لكن لم تستطع دراسة بعينها أن تحسم الجدل القائم، الشيء الذي لم يتغير حتى الآن، ففي يناير من العام المنصرم؛ جاءت دراستان منفصلتان من أستراليا بنتائج متباينة تمامًا ولم يكن يفصلهما سوى أيامٍ معدودةٍ، زعم المقال الأول الذي نشر مؤخرًا في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز أن لديه أدلة تشير إلى أن (85٪) من الحيوانات الضخمة التي تزن أكثر من (100) باوندٍ في جنوب غرب أستراليا بدأت بالاختفاء في غضون آلافٍ معدودة من السنوات بعد استقرارِ البشرِ هناك. بينما ادعت الدراسة الأخرى في مقالٍ نشر في مجلة “كوارتيرنري ساينس” أن البشر والجرابية الضخمة (Zygomaturus trilobus) كانت تتعايش مع بعضها البعض في أستراليا لمدة (17000) عام على الأقل، ويدعي هذا البحث أن تلك المخلوقات المدهشة لم تختفي إلا إبان بدايات الذروة الجليدية الأخيرة.

ومن المثير للاهتمام أن الدراسة الأخيرة تفضي إلى الاعتقاد المثير بأن تغير المناخ الدراماتيكي أدى إلى جفاف السهول في المنطقة، مما أجبر الحيوانات على الاختلاط بشكل أوثق مع البشر وقد يعني هذا أيضًا لجوء البشر إلى اصطيادهم في بعض الأحيان وهي نظرية تربط بسلاسة النشاط البشري وتغير المناخ في الانقراض الجماعي للحيوانات الضخمة.

ترجمة: زهرة المنصوري

مراجعة: Matalgah Hamzeh

المصدر:

Ancient Humans Pushed Large Mammals to Extinction – The History News of the Week [Internet]. [cited 2018 May 9]. Available from: https://www.newhistorian.com/ancient-humans-pushed-large-mammals-to-extinction-the-history-news-of-the-week/8592/?utm_source=onesignal

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي